الملاذ في سلامة الدين والعصمة من الاختلال – الأستاذ عبدالوهاب حسين

بسم الله الرحمن الرحيم

يعمل الأعداء لفتنة المؤمنين وإضلالهم والإضرار بهم على محورين، وهما: تشويه الفكر والعقيدة، والإخلال بنظام حياة المؤمنين وإرباك وضعهم.

وقد جعل الله تعالى الملاذ للمؤمنين لسلامة دينهم والعصمة من الضلال الرجوع إلى القرآن مع الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم للقرآن مع الأئمة المطهرين عليهم السلام بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ويمتاز الرجوع إلى الأئمة من أهل البيت عليهم السلام بأنه السبيل إلى بيان مرادات القرآن وتطبيقاته الصحيحة، مما يمنع وقوع التحريف والانحراف والاختلاف في الدين والقرآن اختلاف بغي وضلال، في الحديث النبوي الشريف: إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني. [1]

وفي عصر الغيبة بالرجوع إلى الفقهاء العدول الجامعين لشروط الفتوى في الحديث عن الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا “الفقهاء” فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله. [2]

ويعدُّ الرجوع إلى الفقهاء السبيل العلمي الوحيد لمعرفة أحكام الدين ولضمان سلامة الفكر، والرجوع إلى غيرهم في الأحكام رجوعٌ لغير العالم فيما يجب فيه العلم وهو ضلالٌ مبين. فمن يرجع إلى القرآن والرسول صلى الله عليه وآله ثم إلى القرآن والعترة عليهم السلام ثم إلى الفقهاء العدول فقد دخل في ولاية الله وكان من حزبهِ وله حسن العاقبة، قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ. [3]

وفي المقابل من خالف ورجع إلى غيرهم فقد اتبع خطوات الشيطان ودخل في ولايتهِ وكان من حزبه وكان من الخاسرين، قول الله تعالى: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ.[4] أي غلب عليهم الشيطان وأحاط بهم فأطاعوه واتبعوه فأنساهم ذكر الله فتركوا طاعته وعصوه وعملوا بغير دينه وشريعته وأحكامه أولئك حزب الشيطان، أتباعه وجنوده وأنصاره، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم بالشقاء في الدارين الدنيا والآخرة؛ لأنهم كذبوا على الله وعصوه وباعوا الهدى بالضلال والجنة بالنار.

وأما السبيل إلى المحافظة على سلامة النظام ومنع وقوع الخلل والاضطراب في واقع حياة المؤمنين فهو الاتباع للقيادة الشرعية الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ونوابهم الفقهاء العدول المؤهلين الأكفاء، قول الله تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا.[5]

أي إذا سمعوا شيئاً من الأسرار الخطيرة التي تتعلق بأمن المؤمنين وسلامتهم ومصالحهم ما فيها الأمن أو الخوف، السرور أو السوء، صادقةً أو كاذبة، أو وصلت وانتهت إلى مسامعهم أراجيف المنافقين والمشركين وإشاعاتهم المغرضة التي تهدف إلى إحداث الفتنة والاختلاف والفرقة والتنازع بين المؤمنين والإخلال بنظام حياتهم والإضرار بهم وبمصالحهم، صدقوها وبادروا إلى إفشائها وإذاعتها ونشرها بين الناس، والبناء عليها من غير روّية ولا فهمٍ ولا تبصر، فتحصل بذلك المفاسد العظيمة، من إحداث الاضطراب والفرقة وإشاعة الخوف وإضعاف المعنويات وكشف الأسرار ونحو ذلك.

وكان من الجدير بهم أن يتريثوا ويترووا في الأمر، ويرجعوا إلى أهل العلم والخبرة، أصحاب العقول النيرة والبصائر النافذة، العارفين بخبايا الأمور ولديهم القدرة العلمية والخبرة الكافية لاستخراج أوجه الصواب فيها بفضل عقولهم وخبراتهم، وأن ينتظروا إرشادات وتوجيهات القيادة الشرعية الرشيدة الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ونوابهم الفقهاء رضوان الله عليهم أو امتداداتهم القائمين مقامهم من أهل العلم والخبرة، المخولين الأمينين على أمور الدين والدنيا، العارفين بشؤون التدبير الصحيح والقائمين عليه، ولديهم الشجاعة اللازمة لاتخاذ ما يلزم، العالمين بما ينبغي أن يكتب وما ينبغي أن يشاع ويظهر، ويضعون كافة الأمور في نصابها ومواضعها بحكمةٍ بالغة، فيحفظوا بذلك سلامة نظام حياة المؤمنين من الخلل والاضطراب، ويمنعوا ما يعود عليهم بالضرر والفساد في أمورهم الدينية والدنيوية.

ويعدُّ الرجوع إلى القيادة الشرعية وامتداداتها هو سبيل المؤمنين الصالحين الراشدين، أصحاب العقول النيرة والبصائر النافذة، الحريصين على الدين ومصالح المؤمنين. على خلاف سبيل الحمقى المتهورين ضعفاء الإيمان الذين لا ورع لهم ولا بصيرة، الذين يرفعون شعار الاستقلال في الرأي والمواقف عن القيادة الشرعية؛ ليفسدوا ولا يصلحوا، ويكونوا أعوانًا للأعداء وشركاء لهم في الظلمِ والجورِ والعدوان على المؤمنين وهم لا يشعرون.

وعليه؛ ينبغي للمؤمنين الأعزاء الحذر الشديد لكي يحافظوا على سلامة عقيدتهم ودينهم من الفساد، وعلى مصالحهم من الضياع، وعلى سلامة نظام حياتهم من الخلل والاضطراب؛ بأن لا يرجعوا في دينهم لغير أهل العلم والتقوى، ويتجنبوا الغلو والمغالين والمُفرِّطين في الدين والمتساهلين في أمره تحت أي عنوانٍ أو شعارٍ كان، ويلزموا طريق الوسطية والاعتدال والاستقامة، ويلزموا خط الولاية والمرجعية العليا، ويحذروا دعوى الاستقلال عن القيادة الشرعية في التدبير والمواقف؛ فلا يتبعوا المتهورين ضعفاء الإيمان الذين لا ورع لهم ولا بصيرة، الذين يرفعون شعار الاستقلال ويتقدمون على القيادة الشرعية ويخالفونها ويعارضونها بغيًا وظلماً، فتكون النتيجة الإفساد والإضرار بأمن المؤمنين ومصالحهم  ويكونوا أعوانًا للأعداء وشركاء لهم وهم لا يشعرون.

صادر عن:

  • الأستاذ عبدالوهاب حسين
  • الناطق الرسمي باسم تيار الوفاء الإسلامي
  • الخميس 23 ربيع الثاني 1444 هـ
  • الموافق 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 م
  • معتقل سجن جو – البحرين

  • [1] مسند أحمد
  • [2] الوسائل
  • [3] سورة المائدة الآية 56
  • [4] سورة المجادية الآية 19
  • [5] سورة النساء 83

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى