رسالة قلبٍ منصَهِر – الأستاذ عبدالوهاب حسين

بسم الله الرحمن الرحيم

المؤمنون على وجه البسيطة جماعات وشعوب ودول وأنظمة في محنة عظيمة شاملة محيطة مدبرة من الأعداء بدقةٍ فائقةٍ وخبثٍ شديد؛ لرجاء فتنة المؤمنين عن دينهم الحق بإفساد عقائدهم وأخلاقهم، وحرفهم عن جادة الحق والصواب في السلوك والأفعال لما يمثله الدين الحق من تهديدٍ لنزقهم ومصالحهم المحرمة، وقد حشدوا لذلك الإمكانيات المادية والبشرية الهائلة، ورسموا السياسات، ووضعوا البرامج الشاملة، وأسندوا تنفيذها لأجهزة ومؤسسات عتيدة مدربة، بحثية وإعلامية وأمنية وسياسية وغيرها.

ويسعى المجرمون جهدهم للإخلال بنظام حياة المؤمنين بإدخال القلق في نفوسهم، والاضطراب والفوضى في واقع حياتهم عن طريق ممارسة كافة الضغوط النفسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والسياسية عليهم؛ لأن الإخلال بالنظام هو المقدمة والمدخل إلى الانهيار والتسليم.

وعليه فالواجب على المؤمنين أن يجاهدوا في سبيل المحافظة على سلامة نظام حياتهم؛ لأنهُ شرط الثبات والانتصار. فكلما نجح المؤمنون أكثر في المحافظة على سلامة نظام حياتهم، وممارسة حياتهم بشكلٍ طبيعي في وقت المحنة؛ كلما أدخلوا اليأس أكثر في نفوس أعدائهم منهم، وكانوا أرجى للثبات والنصر عليهم، وأثبتوا بأنهم حقيقون بحمل الرسالة ونصرة الأولياء.

وما يجري في البحرين على المؤمنين هو نسقٌ مما يجري على المؤمنين على الساحة الدولية، حيث البرامج المكثفة لإفساد العقيدة والأخلاق وتذويب الهوية، وممارسة الضغوط الهائلة النفسية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية ونحوها؛ للإخلال بنظام حياة المؤمنين.

وقد بلغني أن بعض الجهات تشجع زوجات المعتقلين على الانفصال من أجل مساعدتهم وتسهيل أمورهم، والحكومة تعطل مصالح المعتقلين وتعاقب أسرهم، وتفرض عقوباتٍ شديدةٍ قاسيةٍ باسم القانون ومكافحة الإرهاب على الذين يقدمون الدعم المادي والمساعدات لعوائل الشهداء والمعتقلين والمُبْعَدين، مما جعلهم في أوضاع شديدة، في منتهى الصعوبة والقسوة أنتجت مشاكل مثل: بعض قضايا الطلاق وشدة العوز ونحوهما.

وهذه حرب وجود لا ينبغي الخضوع لها والتسليم لأهلها والقائمين عليها؛ بل تجب معارضتها ومقاومتها، وقد أبلى المؤمنون فيها بلاءً حسنًا، وأبدت عوائلُ الشهداء والمعتقلين والمبعدين صمودًا أسطوريًا يُشكرون عليه كثيرًا، إلا أنَّ هذا لا يعفينا من المسؤولية.

وعليه أوصي عوائل الشهداء الأبرار والمعتقلين الصابرين والمبعدين الأوفياء بأن يذكروا الله كثيرًا ولا ينسوا الفضلَ بينهم، وأن يتحلّوا بالصبر والحلم والروية والثبات، وأن يعلموا بأن الله حاضرٌ معهم يسمع أقوالهم ودعاءَهم، ويرى أحوالهم وأفعالهم، ويعلمُ عِلمَ احاطةٍ كيدَ أعدائهم، ويفعل ما هو واجبٌ لحفظهم وتسديدهم وتأييدهم ومساندتهم وتثبيتهم ونصرتهم بشرط أن يخلصوا له الدينَ والعملَ ويتقوه، ويستقيموا كما أمرهم، ولا يتبعوا سبيلَ الذين لا يعلمون، وأن يأخذوا بما هو واجبٌ عليهم من الأسباب، ويعملوا بما هو واجبٌ عليهم من التكاليف الشرعية، وينهضوا بما هو واجبٌ عليهم من المسؤوليات، فلا يخلّوا بشيء من ذلك حتى يهلك الله عزَّ وجلّ عدوهم وينصرهم عليه.

وأوصي المؤمنين الأعزاء بأن يتضامنوا فيما بينهم، وأن يتفقدوا بعضهم بعضًا، لاسيما الأمانة عندهم عوائل الشهداء والسجناء والمبعدين وتقديم ما يلزمهم من المساعدات المادية والمعنوية والاجتماعية والإرشادية، ولا تأخذهم في ذلك لومة لائم؛ لئلا يختل نظام حياتهم الذي هو مقدمةٌ لانهيارهم وتسليمهم.

وأوصي القيادات المحترمة بأن يعمدوا إلى إعطاء الرؤية الواضحة المدروسة بعنايةٍ فائقة برجاء تبصير المؤمنين وتثبيتهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة الداعمة والمساندة لعموم المؤمنين ولعوائل الشهداء والسجناء والمبعدين خاصة؛ بتفقد أحوالهم وأوضاعهم وتقديم المساعدات المادية والمعنوية والاجتماعية والإرشادية التي يحتاجونها لهم، ونَدْب أهل الثقة والخبرة والاختصاص لهذا الغرض الإنساني النبيل والواجب الجهادي العظيم الذي لا ينبغي لهم التخلف عنه، على أن تفعل القيادات ذلك بمقتضى الشعور بالمسؤولية والواجب عليهم، وبمقتضى حقيقة الإيمان وصدقه وليس فضلًا أو تفضلًا.

وأوصي السجناء الصابرين المحتسبين والمبعدين الأوفياء بأن يحسنوا الظن بالله تعالى ويثقوا به ويتوكلوا عليه فهو وَليُّهم فلا يخذلهم ولا يسلمهم إلى عدوهم أبدًا، وليعلموا بأن الله سبحانه وتعالى يعلمُ وهم لا يعلمون، ويقدرُ وهم لا يقدرون، وهو حاضرٌ معهم لا يغيب حضور شهادةٍ ونصرة، وليعلموا أيضًا أنَّ حضورَهم بين أهلهم ليس شرطًا لصلاح أهلهم وحفظهم وتنعمهم، وأنَّ غيابهم عنهم ليس سببًا تامًا لضياعهم أو حرمانهم، فربما صلُح بفضل الله تعالى اليتيم وابن المغيَّب في السجون والمهجر، وفَسَدَ مَن هو في أحضان أبويه وبين أهله وذويه وفي كنفهم.


صادر عن:
الأستاذ عبدالوهاب حسين
الناطق الرسمي باسم تيار الوفاء الإسلامي
الجمعة 10 ربيع الثاني 1444 هـ – الموافق 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 م
معتقل سجن جو – البحرين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى