كلمة السيد مرتضى السندي تحت عنوان “الجهاد الكبير والانتخابات في البحرين”

النص الكامل لكلمة القيادي في تيار الوفاء الإسلامي، سماحة السيد مرتضى السندي، مساء الأمس الأربعاء (5 أكتوبر/ تشرين الأول 2022).


أعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يتحدث الإسلام ويقسم مسألة الجهاد إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الجهاد الذي تحدثت عنه الرواية الذي سمي بالجهاد الأصغر، وهو عبارة عن جهاد أعداء بالسلاح.

القسم الثاني: سمي بالجهاد الأكبر وهو في نفس الرواية التي رويت عن النبي الأكرم (ص)، والذي سئل في نفس الرواية وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس.

القسم الثالث: بالجهاد الكبير.

إذاً عندنا جهاد اصغر، وجهاد اكبر، وجهاد كبير.

قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: <فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا>

في مطالعة إلى التفاسير نجد أن هناك رأيين لهذه الآية <وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا>، «به» هذه الهاء ضمير تعود على ماذا؟ المفسرون تحدثوا بشكل مفصل وموسع في هذه الهاء الضمير، أغلب المفسرين ذهب انه وجاهدهم بالقرآن جهاداً كبيراً، بمعنى هذه الآية نزلت في سياق دعوة المشركين ودعوة الكافرين للنبي الأكرم (ص) للمهادنة، أنت وقف دعوتك لا تدعو إلى دعوتك ونحن سنوقف الحرب، وندخل في مشروع مصالحة ومشروع مهادنة، وعلى إثره نحن سنقدم لك الخدمات التالية واحد واثنين وثلاثة و…، أنت ماذا ستعمل بوقفتك؟ ستوقفها.

الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة يقول: <فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ> يعني الكافر حينما جاءوا إليك، جاءوا عندهم خطة ومشروع ورؤية وبرنامج، أنت من تطيع الكافرين تدخل في برنامجهم ومشروعهم وتدخل في الدائرة التي رسموها <فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا>.

قلنا الرأي الأول والذي ذهب إليه اغلب المفسرين يتحدثون بأنه جاهدهم بالقرآن، أي ناظرهم وسفّه أقوالهم وبيّن حقائق الإسلام بالقرآن، وهذا الرأي ليس هو الرأي الأقرب والرأي الأسلم والأصلح.

هناك رأي ثاني، يقول الإمام الخامنئي حفظه الله مجرد عدم طاعة الكافرين هذا جهاد كبير، هذا الذي يسمى الجهاد الكبير.

كثير من المفسرين ضعفوا الرأي الثاني، لكن الإمام الخامنئي يؤكد الرأي الثاني، لذلك كثير من المفسرين ذكروا هذا الرأي على انه الرأي الأضعف، وذلك لوجود رواية تؤيد الرأي الأول «بالقرآن» عن ابن عباس عليه رضوان الله تعالى عليه.

إذاً عندنا الجهاد الأصغر هو جهاد الأعداء بالسلاح، روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال أن النبي (ص) بعث بسرية فلما رجعوا – رجعوا من أين؟ من قتال الأعداء، طبعاً فيهم شهداء وجرحى وأسرى اسخروا بالجراح دماؤهم تنزف – قال مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي الجهاد الأكبر. قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ – إذا نحن ذاهبين لهذه المعركة والحرب وقتل ودماء وشهداء وأشلاء وجرحى هذا جهاد اصغر ما هو الجهاد الأكبر الذي بقي علينا؟ – قال: جهاد النفس.

إذاً الجهاد الأصغر هو جهاد الأعداء بالسلاح، الجهاد الأكبر جهاد النفس، أي محاربة الأهواء والشهوات ووساوس الشيطان والغرائز، النفس تدفع الإنسان في المعصية، في اتجاه الشهوات، في اتجاه الذنوب والخطايا، يأتي الإنسان يهذب هذه النفس ويمانع هذه الدوافع ووساوس الشيطان، لا يستجيب لوساوس الشيطان وهوى النفس للشهوات، هذا يسمى الجهاد الأكبر.

أنا في اعتقادي أن اغلب أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يمارسون الجهاد، دائماً يسألون، يقولون الإمام الحسين جاهد، والإمام علي جاهد، لكن بقية أئمة أهل البيت لم يجاهدوا، هذا الإشكال يُطرح، لا، كل الأئمة جاهدوا، ولكنهم جاهدوا بالجهاد الكبير.

كيف؟ انفصلوا عن الطاغوت والمشركين، لم يدخلوا في مشروع الطاغوت، لم يدخلوا في سياق مشروع الطواغيت والمستكبرين والكافرين، أي يأتي الطاغية ويرسم إطار إلى الإمام (ع)، يقول لي أنت لازم تتحرك في هذا الإطار، الإمام يخالف هذا الإطار، يذهب ويعمل خارج الإطار، يأتي الطاغوت الخليفة المغتصب للخلافة يريد أن يكسب شرعية من الإمام، الإمام يمانع، لذلك يفشل مخططات الطواغيت فيلجؤوا إلى قتل الأئمة (ع)، يغيبونهم بالسجن ويحاصرونهم إلى أن يصل بهم الحال في لحظة من اللحظات لا يحتملون الأئمة فيقومون باغتيالهم.

أصل هذا الجهاد الكبير ماذا؟ هو عدم طاعة الكافرين، حينما يأتي الطاغية والكافر ولديه مشروع، يأتي ويرسم محددات حركة الإنسان المؤمن حسب هذا المشروع، حركة العبد الصالح والولي والمجاهد، يقول له أنا أضع لك هذا الإطار وعليك أن تتحرك في هذا الإطار، إذا يأتي المؤمن ويقبل ويخضع ويدخل في الإطار الذي يرسمه فهو لم يجاهد الطاغوت بالجهاد الكبير، لكن إذا يأتي وكما نسميه بمصطلحنا الحالي «الممانع»، لدينا شيء يسمى المسايرة وعندنا شيء يسمى الممانعة، ماذا يمانع؟ أي لا يقبل أن يدخل تحت الإطار والمشروع الذي رسمه له الطاغية، نعم يمكن أن لا يرفع السيف في وجهه، ولكنه لا يكون جزء من هذا المشروع وينفصل عنه، لا يقبل أن يكون مساهم في مشروع طاغي.

القرآن يعبر عن هذا الجهاد، أي عدم طاعة الطاغوت وعدم الكون جزء من هذا المشروع الطاغوتي بأنه الجهاد الكبير.

مثال على ذلك موضوع الانتخابات هذا الآن اليوم مسألة ابتلائية، الانتخابات كما تعرفون هي ليست انتخابات حقيقية.

الطاغوت لديه مشروع وخطة، ما هذه الخطة؟ هو يريد أن يخدع الناس والعالم، أولاً يخدع الناس ويخدع العالم، يعطيهم برلمان شكلي وغير حقيقي، ولا يوجد فيه صلاحيات البرلمانات الموجودة في العالم، لأنه من وظيفة البرلمان هو الرقابة والتشريع، البرلمان الموجود في البحرين لا يوجد فيه لا صلاحيات الرقابة ولا صلاحيات التشريع أو التشريع بما يسمح به الطاغوت.

ماذا يعني؟ أي نحن نصبح بصّامين للطاغوت، نطيع الطاغوت وهذا خلاف النهي الوارد في الآية الكريمة، الآية الكريمة تقول: <فَلَا تُطِعِ>.

هذا البرلمان الحالي هو يجعلنا فقط مطيعين للطاغوت لأنه رسم وهندس بحيث أن نكون بصّامين لمشاريع الطاغوت، هذا الأمر ليس خطاباً للنبي بل هذا خطاب للأمة، أي المصداق الخارجي هو النبي الأكرم (ص) ولكن بحسب القاعدة القرآنية، التفسير: إياك اعني واسمعي يا جارة. فهنا الحديث موجه للأمة وللناس فرداً فرداً، بأنه عندما يأتي الطاغوت والكافر والمستكبر يرسم لك إطار حركتك، بحيث أنك تخدم في مشروع الطغاة والكافرين، سواء أردت أم لم ترد، شئت أم لم تشاء، أنت تصبح لبنة في مشروع الطاغية، في استخفاف عقل الأمة، لذلك الله سبحانه وتعالى لا يقبل لنا هذا الأمر، فيعبر في آية عندما يتحدث عن فرعون.

ماذا يقول؟ <فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ> ماذا يعني؟ بمعنى أنه حينما رسم لهم الحدود والمشروع هم ساهموا في المشروع الذي رسمه لهم وكانوا بذلك ظالمين أنفسهم، يعني الأمة يمكن أن تكون شريكة في ظلمها لنفسها.

هل ظلمها لنفسها له تبعات دنيوية فقط أم له تبعات أخروية أيضاً؟ لنقرأ الآية ماذا تقول، يقول <فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ>، يعني الذين يطيعون الطاغوت عندما يستخف عقولهم وعندما يرسم لهم برامج وخطط ومشاريع ويندمجوا في المشاريع، الله سبحانه وتعالى يعبر عليهم <إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ>.

ما هي النتيجة؟ يقول <فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ> بمعنى أن العقاب الذي يصيب الطواغيت يصيب أيضاً الأمة التي تطيع الطواغيت وتستجيب لمشاريع الطواغيت، عند الآية التي تدعو إلى الهجرة، قالوا فيما كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ بعد ذلك الله سبحانه وتعالى يتوعدهم بجهنم، لماذا؟ لأن الأمة شريكة في تقرير مصيرها.

الأمة لديها ثلاث خيارات:

الخيار الأول: المقاومة.

الخيار الثاني: عدم الطاعة، أي المقاومة السلبية، ما المطلوب في المقاومة السلبية؟ ليس مطلوب منك أن تحمل السلاح وتواجه لكن لا تستجيب إلى مشاريعهم، لا تندرج في مشاريعهم، لا تدخل في مشاريعهم، لا تتجاوب مع مخططاتهم، بهذه الحالة أنت تكون من الذين جاهدوا جهاداً كبيراً

 أما الأمة التي تستجيب لمشاريع الطاغوت وتتجاوب مع مشاريع الطاغوت والمستكبرين والكافرين فإنها تستحق العذاب الإلهي في الدنيا وفي الآخرة.

لذلك يأتي البعض اليوم يقول هذه حرية شخصية، أنا أريد ارشح نفسي، لا يعنيك الأمر، أنا أريد ارشح نفسي، أنا وجهة نظري.

 المسألة ليست مسألة شخصية، إذا ذهب البعض في اتجاه إطاعة الطاغوت ولم يكن هناك نهي عن منكر ولم يكن هناك تصدي لهذا الأمر معناتها الأمة كلها تستحق العقاب الإلهي.

وظيفة الأمة أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وترفض الخضوع والدخول والاندراج في مشاريع الطاغوت

هذه المسألة ليست مسألة شخصية، هذه مسألة مرتبطة بشأن الأمة والمجتمع.

لا يحق لك أن تتخذ قرار فردي من أجل مصالح ضيقة تريد أموال وجاه ومكانة وسمعة وتريد تطلع في الإعلام ويطلع لك اسم ويطلع لك شهرة، المسألة ليست مسألة فردية، أنت بدخولك للبرلمان تضر بمصالح الأمة بأجمعها، أنت بدخولك للبرلمان ترسخ الظلم وترسخ مشروع الطاغوتي في المجتمع.

لذلك مسألة المشاركة سواء بالتصويت أو بالترشيح هي مسألة دخول في مشروع الطاغية وإطاعة لمشروع الطاغية ودخول في برنامج الطاغوت، والمطلوب والدعوة الإلهية إلينا هو عدم طاعة الكافرين وعدم طاعة الطغاة

هذه المقاطعة للانتخابات هي نحو من أنحاء الجهاد الكبير، مقاطعة الانتخابات النيابية المزورة لإرادة الشعب البحريني التي تضر بمصلحة وبتاريخ وبمستقبل الشعب البحريني، هذه أصل المقاطعة هي نحو من أنحاء الجهاد الكبير.

إذا نأتي نرى أن الدولة بكل ثقلها تأتي وتدفع في اتجاه الانتخابات، لماذا؟ هل هي ديمقراطية؟ هل هناك حريات لدينا؟ هل هي خائفة وحريصة على مصالح الناس؟ لا، لأنه تعرف هذه الانتخابات لا تجلب للناس منفعة، بل تقوم بإعطاء غطاء لكل الظلم الذي يقع على الناس بشكل كأنه قانوني وشرعي.

إذاً هي تزور إرادة الناس، بل تعطي غطاء وشرعية لكل الظلم الذي يقع على الناس، إذا أي واحد يشارك في هذه الانتخابات سواء بالتصويت أو الترشيح هو شريك في الظلم الذي يقع على الناس الآن وللأجيال القادمة.

البعض يتحسس من هذا الكلام، ليتحسس، هذه حقائق القرآن، تريدني أجاملك على مفاهيم القرآن، وأجاملك على مصالح الشعب البحرين بأكمله لكي تحصل على المال وتعيش بها؟ أو موقع أو منصب أو كذا، يجب أن تراعى مصلحة الناس والمجتمع.

هناك صنفين من الناس:

الصنف الأول: صنف يضحي بحياته وبحريته ومستقبله من أجل الأمة، وهؤلاء هم الأحرار الموجودين اليوم في السجون والشهداء والمغتربين والمطاردين، يضحون بمستقبلهم وبحياتهم، كل ما يملكون من أجل الأمة والدين.

الصنف الثاني: أشخاص منافقين متسلقين يتسلقون على جراحات الناس من اجل أنانيتهم ومصالحهم.

على الأمة أن تنبذ هؤلاء وترفض هؤلاء وتتبرأ من هؤلاء، ولا يسمحوا لهؤلاء أن يتسلقوا على أكتافهم وعلى جراحاتهم.

لذلك قلنا أن الإسلام يتحدث عن ثلاثة أقسام من الجهاد:

القسم الأول: الجهاد الأصغر وهو جهاد الأعداء بالسلاح.

القسم الثاني: الجهاد الأكبر، والذي عبرت عنه الرواية بجهاد النفس.

القسم الثالث: الذي عبرت عنه الآية بالجهاد الكبير وهو عدم إطاعة الكافرين والمشركين والطغاة والمجرمين.

والحمد لله رب العالمين وصل اللهم على محمد وآله الطاهرين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى