قراءة في خطاب سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم “دام ظلّه”

الجذور والأبعاد في الخطاب الديني والسياسي لثورة شعب بحرين بعد 10 سنوات من انطلاق الثورة

بسم الله الرحمن الرحيم

أتى خطاب سماحة آية الله المجاهد الشيخ عيسى أحمد قاسم في الذكرى العاشرة لانطلاق ثورة 14 فبراير في وقت محوري وحساس على مستوى تطورات الداخل والخارج الإقليمي.

فعلى صعيد الداخل شهدت الساحة:

  • تباينات في بعض مناحي الخطاب السياسي، فيما يتعلق بالهدف الذي يجب أن يدور حوله الخطاب السياسي، والذي يجب أن تنطلق نحوه الثورة وجهود الشعب والقوى الثورية والسياسية، بين موقف وضع مبدأ التغيير الشامل وتغيير أصل النظام، وتحويله لنظام جمهوري، وبين مواقف متعددة بعضها طرح الحكومة المنتخبة، وبعضها طرح الصيغة الكويتية في الحكم، والبعض الآخر طرح حلحلة الملفات الحقوقية وتحصيل بعض المكاسب المعاشية، بينما البعض الآخر طرح هدفا عاما، وهو حق الشعب في تقرير مصيره، من دون تبني ودعوة الناس لهدف ما، وبدون توجيه الخطاب نحو هدف معيّن، وهذا الطرح الأخير بشكل عملي لايتبنّى شيئا، ولايعمل من أجل تحقيق شيئ، سوى أن تختار الناس ماتريد، إذ هو لم يقرن دعوة تفعيل حق “تقرير المصير” بالتوجيه السياسي نحو هدف ما.

فالإمام روح الله الموسوي الخميني “قدس سرّه” الذي مكّن الشعب الإيراني من تقرير مصيره بعد انتصار الثورة، عبر إقامة استفتاء شعبي حول أصل النظام، لم يترك الخطاب السياسي والديني في فراغ دون تبني هدف وسقف يوجه الجماهير نحوه، بل بيّن لجماهير الثورة هدفه ومايؤمن به، ولذلك اختار الشعب الإيراني نظام الجمهورية الإسلامية، بإرادته الحرّة. لم يقع سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم “حفظه الله” في الفراغ الناشئ من طرح “حق تقرير مصير” بدون دليل يرشد الشعب لما ينفعه على المستوى الأخروي والدنيوي، حيث قال سماحته أن “حق تقرير المصير” هو البوصلة، لكن الاتجاه الذي يؤمن به هو حكم الإسلام وتمكينه، وفي ظل رفض الغرب والسلطة الخليفية لذلك فيجب الاحتكام لرأي الشعب الحر والمباشر في دستور يحدد تفاصيل النظام السياسي وأركانه.

  • انتهاء حقبة تقاسم السلطة بين رئيس الوزراء السابق والحاكم حمد، وابتداء حقبة خالصة قوامها حمد وولي عهده سلمان والبقية من أبناء حمد، وإمساكهم بمفاصل السلطة في البحرين، مع استمرار النهج القمعي والأمني والفساد والاستئثار بدرجة أكبر.
  • دخول الكيان الصهيوني إلى البحرين تحت يافطة التطبيع، ومايتضمّنه من تسهيلات أمنية وعسكرية واقتصادية وثقافية للكيان الصهيوني، تمدّه بوسائل القوة والنفوذ، ليعبث بأمن الوطن المعنوي والمادي، بل وأمن المنطقة بشكل عام، وانكشاف حقيقة السلطة وعلاقاتها بالكيان الصهيوني أمام أبناء الشعب كافة والطبقة الدينية والنخبوية السنيّة والشيعية على حد سواء.
  • فشل السلطة الخليفية في تحقيق وعودها المعاشية والاقتصادية والاجتماعية لقوى الموالات، في ظل تفشي أزمات أصبحت تمس شرائح الموالات التقليدية، ومن هذه الأزمات أزمة التجنيس السياسي، وتصاعد الضرائب، ورفع الدعم الاقتصادي عن السلع الاستهلاكية الضرورية، وتصدّع نظام الضمان الاجتماعي للطبقة العاملة، وغيرها من الأزمات، والتي ظهرت تداعياتها في خروج بعض أفراد العائلات التي عرفت تقليديا أنها من أعمدة الموالاة من البحرين، وهجرتها إلى قطر، وارتفاع صوت البعض من نخبة الموالاة ضد السياسات الخليفية الرسمية، وفي المقابل لم تعمل السلطة الخليفية على استيعاب هذه الأصوات بسياسة المال السابقة، بل بالقمع والتضييق. ويظهر بأن شماعة الخطر الإيراني قد تراجع تأثيرها في كسب صفوف العديد من الموالاة، وترجيح سكوتهم واصطفافهم مع السياسات الحكومية الداخلية والخارجية.

أما على الصعيد الخارجي:

  • ابتداء مرحلة أفول أمريكا على الصعيد الدولي والحضاري، كما أعلن ذلك سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي، بعد فشل سياسات أمريكا السلطوية التي قادها ترامب في العالم، وفشل سياسة الحصار الأقصى ضد الجمهورية الإسلامية وعموم محور المقاومة.
  • غرق الحلف الأمريكي السعودي في رمال اليمن، وفشل الحرب التي يشنها الحلف الأمريكي السعودي في تحقيق أهدافها، واكتساب الشعب اليمني لوسائل ردع استراتيجية، تبشّر بالهزيمة القريبة والمدويّة للحلف الشيطاني، وما سيتبعها من انحسار الدور السعودي في منطقتنا، وتفكك أركان الحكم السعودي، كنتيجة للهزيمة في الحرب التي استثمر فيها الحكم السعودي الكثير على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي.
  • شروع محور المقاومة في استراتيجية إخراج أمريكا من المنطقة، بدأ من العراق مرورا بسائر دول المنطقة، وولادة تكتل عالمي جديد في العالم نواته الجمهورية الإسلامية وروسيا والصّين.

وقد قام سماحة آية الله عيسى قاسم حفظه الله بتناول محورين جوهريين على الصعيد الخارجي، سيلعبان دورا في رسم معالم المرحلة المقبلة، وهما:

  • الملف النووي الإيراني وما ارتبط به من اتفاقٍ بين إيران و 5+1، وما أقدمت عليه سياسة ترامب الخرقاء من نقضها لهذا الاتفاق
  • الحرب الطاحنة الظالمة على الشعب اليمني العربي المسلم البطل الغيور الصابر المجاهد المضحّي العنيد في الحقّ، الثابت في مواقف اللقاء للموت في سبيل الله، وما جَدَّ فيه من ترقّب توقّف الحرب الشرسة الخاسرة التي أدرك كل المُحرّكين لها عدواناً، والمشاركين والمساندين، أنّها خاسرة فعلاً في يأسٍ من أنْ تؤدي شيئاً من أهدافها غيرَ تدمير الأرض اليمنية مع تصاعد القتل والخسائر في أطراف الحرب.

ليخلص سماحته للنتيجة: “ولو عادت أمريكا إلى الاتفاق النووي ورفعت عقوباتها الظالمة مقدَّماً على الجمهورية الإسلامية، وتوقّفت الحرب على اليمن توقّفاً نهائياً، وأَمِنت كل الحدود في المنطقة، وسَادَ الصلح الحقيقي مكان الحرب والتهديدِ بها، وعُوّض الشعب اليمني عن أضراره وأعيدت بنيته الأساسية ورُفع عنه الحصار نهائياً، وأعطي الشعب اليمني كلمته الحرّة في اختيار حكومته؛ لكان في ذلك نَصرٌ للمنطقة بكاملها، ولكلٍّ من الأمتين العربية والإسلامية، وأتيحت الفرصة للبناء بَدَل الهدم، وللتقدّم مسافات بدل التأخّر الذي تحدثه الحروب والتوترات والاستفزازات بمسافات، وما تؤدي إليه من تراكمٍ للخسائر والكوارث وفتحِ الأبواب على مصراعيها للاستغلال الاسرائيلي والأمريكي وغيره.”

جذور الخطاب:

وقد جاء خطاب سماحته بانيا على هذه الأبعاد الداخلية والخارجية من جهة ومنطلقا من الجذور الدينية والفكرية التي يؤمن بها سماحته، باعتباره الامتداد المرجعي والديني والسياسي لمحور المقاومة في البحرين، وللحاضنتين الدينية في قم والنجف الأشرف.

هذه الجذور الدينية والفكرية تشكل محورا لنظرة وفهم سماحة الشيخ لمختلف الأمور، ومنها الأمور المتعلقة بطبيعة الحكم المنشود، وأفق العمل المعارض، والموقف من العملية الديمقراطية كوسيلة للوصول للأهداف المشروعة، وغيرها من قضايا الفكر والعمل.

تتناول هذه الورقة قراءة في أهم ماورد في خطاب سماحة آية الله قاسم من البعد الاستراتيجي، وربط خطاب سماحته بالجذور من جهة، وبالأبعاد من جهة أخرى.

ثورة 14 فبراير أصيلة وعميقة في جذورها السابقة لموجة الصحوة الإسلامية

يقرر آية الله الشيخ عيسى قاسم في خطابه بأن الثورة في البحرين لها جذورها العميقة والسابقة لموجة الصحوة الإسلامية في 2011م، أو ما سمتها بعض الدوائر الدولية بموجة الربيع العربي، وبهذا يفنّد سماحته الطرح القائل أن ثورة شعب البحرين حدثت في الزمان الخاطئ، إذ هي -أي الثورة- في زمانها ومكانها نتيجة طبيعية وفق المعادلات التاريخية والاجتماعية.

وفي هذا يقول سماحته: “تحت قسوة التعامل السياسي من النظام الحاكم مع الشعب وتهميشه له، وسَلب الحقوق، واهمال كلّ النداءات وطلبات الإصلاح، ومعالجة الوضع المزري الخانق، وسدّ كل الأبواب من الجانب الرسمي للوصول إلى حلّ؛ انطلق الحَراك الشعبي في صورة اعتصامٍ شعبيٍ حاشد هائل احتجاجي ثائر في دوّار اللؤلؤة على سوء الأوضاع مُطالبٍ بالتغيير الجدّي الذي ينهي المعاناة الشعبية، ويضع حدّاً لحالة التهميش للشعب واستئثار النظام بالسلطة مع التعامل التعسّفي مع هذا الشعب الكريم.

من التعامل الطاغوتي مع الشعب، ومن كون الشعب عزيزاً لا صبر له على الضيم، ولا يقبل العبودية لغير الله سبحانه. وفي ظل هبوب رياح الربيع العربي؛ انطلق الحَراك الشعبي التغييري بأسلوبه السلمي في البحرين، مستهدفاً التغيير الاصلاحي الجدّي الذي لا يقف عند حدّ الحلول الشكليّة ولا السطحيّة ولا المجزوءة، فضلاً عن الوعود المعسولة والتَمَنيّات الكبيرة الساخرة.

ومن حقّ كل شعب أن يتحرّك وأن ينتفض وأن يثور من أجل استرداد حقوقه والاعتراف بكرامته وموقعيته.”

هدف الثورة

طرح سماحته في خطبته المأثورة مجموعة من الأهداف التي يجب أن تتوجه نحوها الثورة وجهود القوى والنخب والجماهير، وفي طرح سماحته استثنى الأطروحات المنهزمة والاستسلامية في تشخيص أهداف الثورة، أو في مآلاتها، ومايروج له المتعبون من لزوم التسويات المرحلية المتدنيّة.

الملفت في تشخيص سماحته للهدف العام والاستراتيجي للشعب بأنه قد جعله من ناحية المبدأ سقفا عاليا، وهو “حكم الإسلام” الذي لايجوز للشعب المسلم وقواه المسلمة فضلا عن قياداته ومرجعياته أن تستبدله بهدف آخر، إذا يقول سماحته: “نحن نعتقد تمام الاعتقاد بأنّ الحكم السياسي الإسلامي من صلب الإسلام، وأنّ الإسلام يعتني بمسألة الحكم اعتنائه بمسألة الصلاة والصوم والحجّ والزكاة والخمس، وأنّ الإسلام يؤمن أن لا سلامة لدينٍ ولا دنيا من غير حاكميةٍ إسلاميةٍ طاهرة. هذا نؤمن به. ولكن لا يمكن لأحدٍ أن يجبر الناس على ما يذهب إليه الإسلام، فإذا لم تُريدوا الإسلام، وتُنكرون على الحكم الإسلامي، فأعطوا الشعوب حقّها في التصويت على ما تريد، فلترتكب معصيةً أمام الله عزَّ وجلّ بأن ترفض إسلامها، أو تقبل حكم الله عزّ وجلّ وتُذعن إليه، وليكُن ذلك عن طريق التصويت الحرّ الذي لا ضغط على صاحب الصوت فيه من أيّ جهةٍ من الجهات. إنْ قبلتُم هذا فنحنُ نقبل. رحّبوا بهذا فنحن نُرحّب. لسنا خائفين من تجربة الانتخابات تقريباً في أيّ بلدٍ من بلاد الإسلام. ولهذا السبب، لما يوجد من سببٍ لطمئنتنا من نتائج انتخاباتٍ حرّة، يأتي قلق أمريكا وقلق الغرب، نفس ما نُدركه بأنّ الشعوب الإسلامية لا تختار على الإسلام، أمريكا وأوروبا وغيرها يُدركون أيضاً هذا الأمر، ولذلك لا يرضون بالديمقراطية -التي يعطونها لأنفسهم- للبلاد الإسلامية.”

ويستدرك حينها سماحته القول بأنه في ظل عدم قبول الغرب والأنظمة الدكتاتورية بالإسلام حاكما، فهدفنا ومطلبنا كشعوب ثائرة هو “الحق في تقرير مصيرنا” عبر الأصوات الشعبية الحرة، ليختار الشعب حلا جذريا ينهي مرحلة الثورة، وينتقل بالشعب لمرحلة الدولة القائمة على دستور يكتبه بيده، بحيث الشعب في دستوره تفاصيل الحكم وأركانه، ويكون هذا الحل السياسي خطوة متقدمة تقرّب الشعب لتحقيق هدفه الأصيل وهو حكم الإسلام.

“الشعب صاحب الكلمة الأولى في الحكم الذي يعنيه ويرتبط به مصيره، ويتوقّف على رضاه به”.

تعزيز سقوف الثورة الجذرية

في تقرير سماحته لماهية هدف ثورة شعب البحرين فقد عزز جميع السقوف الثورية والسياسية الجذرية دون غيرها، والشعارات والأهداف الجذرية، دون غيرها، المعلنة للقوى الثورية والسياسية التي تبنّت الثورة، إذا أن الطرح الذي يجمع قوى الثورة والذي يؤكد عليه آية الله قاسم حفظه الله هو مرجعية الشعب وسيادته على مصيره، ولزوم التغيير الجذري، والذي يعني بالضرورة استمرار السلطة في حربها الوجودية على الشعب لكي تمنع عنه هذا الهدف، مما سيجعل مصيرها النهائي غير مختلف عن مصير النظامين الشاهنشاهي والبعثي.

القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية على أساس السيادة الشعبية

إن من أركان العملية الديمقراطية الحديثة هو الاستناد على دستور منبثق من أصوات الشعب ويرتكز على الإرادة الشعبية، وأن الإسلام على مستوى التطبيق والحكم وإن كان كاملا من ناحية الشرعية الإلهية وسلامة النظرية وغناها ومعالجتها لمختلف الشؤون الكبيرة والصغيرة، إلا أن الإسلام كما غيره من أنظمة الحكم الوضعية بحاجة للمقبولية والاستناد على الإرادة الشعبية، وهو ماعبّر عنه سماحة القائد الخامنئي “حفظه الله” ب “سيادة الشعب الدينية”، أي استناد النظام الإسلامي على صوت الشعب في أصل قيام النظام، وفي سياق الممارسة، بحيث يمارس الحكم الإسلامي وظائفه كحكم قائم على القانون الإلهي، من أجل تحقيق مصالح الناس المعنوية والمادية المشروعة.

يقول سماحة آية الله قاسم: ” إنّ حكم المعصوم عليه السلام هو حكم الله، ومن الناحية العملية فقط متوقّفٌ على رضا الشعب، على رضا الأمّة. عندما لا ترضى الأمة بحكم عليٍّ عليه السلام، لا يستطيع حكم عليّ عليه السلام أن ينجح على المستوى العملي، وعندما ترضى الأمّة بحكم يزيد تنجح سياسة يزيد على المستوى العملي، فالشعب ركنٌ وأيّ ركن هو في مسألة الحكم حتى على مستوى الحكم الإسلامي من جهة الحاجة العملية لكفاح الشعب، وجُهد الشعب، والتفاف الشعب، واخلاص الشعب، وغيرة الشعب، فيجب أن يكون الحكم من أجل صالح الشعب، وأن يكون الحاكم في موقع خدمة الأهداف التي تنعش حياة الشعب”.

يقول آية الله قاسم حفظه الله في خطبته أن القوى الغربية والأنظمة الدكتاتورية تنكر الحق الدستوري والديمقراطي للشعوب المسلمة، ولهذا لابديل عن الاحتكام لصوت الشعب في دستوره وأركان حكمه: “إصلاحٌ يبتدئ من دستورٍ عادل ينال موافقة الشعب الحقيقية، بعيداً عن أي ضغط وأي تلاعب وتحايل، ومن غير أفضلية صوتٍ على صوت، ولا منطقةٍ على منطقة، ولا فئةٍ على أخرى. وتَتَقرّر به استقلالية السلطات الثلاث، ويُسدّ بموجبه الباب تماماً عن حقّ المصادرة للتجربة الانتخابية الحرّة ونتائجها…وكلّ من يسمح لنفسه بألاّ يأخذ بما يقضي به الدين في مسألة الحكم ومرجعيته الإلهية، فليس أمامه إلاّ أن يقبل بمرجعية الشعب في هذه المسألة على مستوى الدستور وكل أركان الحكم ومؤسساته “

قضايا وعناوين ملحّة تعزّز أسباب الثورة وديمومتها

لعل من أهم معالم خطاب سماحته الأخير هو تأكيده على أن التطبيع بين النظام الخليفي والكيان الصهيوني قد رسم أفقا استراتيجيا لديمومة الثورة وأهدافها، إذ أن السلطة الخليفية ومن خلال تطبيعها مع كيان العدو الصهيوني قد اصبحت جزء من التركيبة الصهيونية الأمريكية، كما عبر عن ذلك سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حفظه الله، ويشير سماحة آية الله قاسم إلى أن هذا التطور الخطير قد عقّد من عملية الحل السياسي مع السلطة، وجعلها بعيدة المنال، ورسم اصطفافات وعناوين جديدة في الصراع القائم بين الشعب والسلطة، وحولّه إلى صراع قائم بين السلطة والأمّة.

يقول سماحته: ” إلاّ أن النظام تخطَّى في هذه السنة من عمر الحراك كلّ الحدود، ليس بالنسبة لحقوق الشعب وكرامته فقط، بل مع تحديه للشعب، تحدّى كلّ الأمة وأمنَها واستقلالها ووحدتها ومصلحة حاضرها ومستقبلها بما أقدم عليه من خطوته الآثمة الجريئة في الباطل المُتمثّلة في اتفاق التطبيع مع العدوّ الصهيوني وتفعيلها، والتي حقيقتها الدخول في حلفٍ مع هذا العدو ضد الأمة والارتماءُ في أحضانه. وفي هذا اتساعٌ كبيرٌ في الشُقّة بين النظام من جهة، وكُلٍّ من الشعب والأمة من الجهة الأخرى. وهذه الاضافة من طبيعتها أن تُبعِّد مسألة الحلّ الذي من شأنه أن يعطي انفراجةً في الوضع الداخلي المُرهِق للوطن كلّه.”

 

ثورة النفس الطويل

يحدد سماحته الإطار الزمني للحراك والثورة وديمومتهما، فلا يطرح سماحته عنوان تعاظم التضحيات أو العوامل الخارجية التي تدفع للتسويات أو غيرها مما قد يكون عاملا يضغط باتجاه إنهاء الحراك او الثورة دون تحقيق أهدافها، بل يطرح سماحته بأن الانتقال من مرحلة الثورة لمرحلة قطف الثمار والبناء يتوقف على تحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها الثورة، وإن طال الزمن وعظمت التضحيات.

وفي هذا يقول سماحته في أكثر من موقع من خطبته مكررا ومؤكدا على ذات المضمون:

  • “عقدٌ من الزمن مضى على الانتفاضة، والمعارضةُ ثابتةٌ على مطلبها التغييري بهدف الاصلاح الجذري الجدّي، الذي لم يحصل منه شيءُ بعد، وعزمُها الصلب المضيُّ على الطريق وإنْ طال وصَعُب حتّى تحقيقِ الهدف. الثبات عند المعارضة ليس لعقدٍ من الزمن أو عقدين أو ثلاثة وحسب. إنّ الموقف عند كلّ المعارضة هو الثباتُ حتى النصر. وهذا ما أعلنه شعار العام المُشترك. عقدٌ من الزمن مرَّ على الانتفاضة والأسلوب القمعي الذي يتعامل به النظام مع المعارضة والشعب كلّه لم يتراجع، والأساليب القمعية على يده مستمرةٌ في التفنن، وأحكامُ السجن، والسجنِ المؤبد، والاعدامِ والتهجير وسحبِ الجنسية والمداهماتِ، وكلّ أنواع التضييق والتهميش وخنق الحرية الدينية، وحرية التعبير، متدفقة، والشعبٌ في السجون وخارجها كلُّه تحت طائلة الاضطهاد المبالغ فيه “
  • انطلق الحراك من هدف اصلاح أوضاع الوطن، وحياة وكرامة وكلّ حقوق إنسانه. وما دام هذا الهدف مفقوداً أو مثلوماً على أرض الواقع، أو معادَىً أو مهملاً من ناحية الحكم؛ فالحَراك قائم، وحرامٌ أن يتوقّف، والمطالبةُ ذاتُ الصدقيّة العالية به يجب أن تستمر …حراكٌ يستمرُّ عشر سنوات لينتهي باخراج السجناء الذين سُجنوا من أجله، ليتوقّف سنةً أو سنتين، ويعود حراكٌ آخرٌ جديد لينتهي بنفس النتيجة، هذه عبثية يجب أن لا يرتكبُها شعبٌ ولا أمّة.
  • صحيحٌ أن طريق الحراك الطويل صعبٌ، وتتراكم مصاعبه وتزداد كوارثه، لكنّ التحرّك على طريق الحراك، وتسبّب الحراك في خسائر جمّة، يجب أن لا يتراجع مُسجلاً على نفسه الفشل، ومسجلاً على نفسه أن يقبل في كلّ مرّة أن يتحرّك ويُعطي ويخسر ويركب الأهوال ثمّ يُسلِّم تسليمَ الطَيِّعين للطرف الآخر! هذا ليس صحيح، هذا أمرٌ عبثيٌّ جدّاً.
  • توقّف الحَراك إنّما يكون بانتصاره، وانتصارهُ بذلك الاصلاح لا غير…يوم أن انطلقت الحركة الاصلاحية، انطلقت وهي تعرف أنّ طريقها طويل … وأنّ متاعب هذا الطريق جَمَّة، وتضحياتِه كبيرةٌ موجعة، وذلك بسبب الظلم من الآخر … ولو كان توقف الحراك مرهوناً بالتعب لَسفِه الدخولُ فيه أساساً، لأنّ التعب ضريبة له لابد منها.
  • والمعارضة اليومَ والشعبُ معها –ودعني أقول في مقدمتها- على العزم الأول، وفي ازديادٍ على مواصلة طريق ذات الشوكة إلى أن يكتب الله الفرج.

 

خطاب القيم والمبادئ الثابتة

أشار سماحة آية الله قاسم في خطاب البوصلة التاريخي إلى مجموعة من القيم والمسارات نلخصها كالتالي:

  1. حكم الإسلام هو الهدف الأصيل لشعب البحرين وسائر الشعوب المسلمة وهو هدف قابل للتحقق بتفعيل الأدوات الديمقراطية، على أساس الاعتماد على سيادة الشعب وخياراته
  2. لابديل في ظل رفض الغرب والحكومات الدكتاتورية لحكم الإسلام من الاستناد على الإرادة الشعبية في كتابة دستور يفصل في كل أركان الحكم
  3. وحدة الوطن، لا لفُرقته، واحترام حقّ الحياة للإنسان لا لهدره، وصيانة كل الحقوق الأخرى المُعتبرة من الله عزّ وجلّ، والمُشرِّفة لهذا المخلوق والمتناسبة مع كرامته، وسموّ مسؤوليته.
  4. الشعب صاحب الكلمة الأولى في الحكم الذي يعنيه ويرتبط به مصيره، ويتوقّف على رضاه به
  5. كلّ اصلاحٍ من دون هذا المستوى فهو ليس الاصلاحَ الذي كان من أجله الحراك وتضحياتُه الكبرى، وما استنزفه من دماء الشعب، ومصالحه وأمنه، وآلامُ وأسقامُ أبنائه وبناته في السجون، وتغريبُ الكثير من رجاله، وتيتُّم الأطفال وترميلُ النساء، والحرمانُ من الدراسة والوقوع في الفاقة والرعبِ والقلقِ والفزعِ والاضطرابِ، والتضرّرِ الديني والدنيوي الواسع، مما جرى على يد السياسة التي لم تتوّرع في تعاملها مع الشعب طوال حراكه.
  6. لا توسُّل عندنا على الاطلاق بباطلٍ بحجّة الانتصار للحق، كما أنّ الهدف هو الحقّ، يجب أن يكون الطريق إليه الالتزام بالحق، ولا عدول للمسلم عن الحقّ على الاطلاق.
  7. هناك مسلمٌ وغير مسلم، هناك مُتَدَيّنٌ وغير مُتَدَيّن، ونحن لا ننسى الكرامة الانسانية في حدِّها الأقصى بالنسبة لكلِّ إنسان.
  8. على طريق التغيير، على طريق الاصلاح، على طريق الثورات.
  9. عزم أن يستمرّ الحراك حتّى تحقيق النصر.. ليس ثبات عقدٍ فقط، مضى ثبات عقد ليُعطي برهاناً على أنّ الثبات نفّاذٌ، وطويلٌ، والصبر لا ينقضي.
  10. لا نصر الذات. الاستمرار على طريق الحراك ليس لتغذية غرور الذات، وليس لإرضاء الذات، لإرضاء الله عزَّ وجلّ. إنْ استمرَّ الحراك بهدف ارضاء الذات، وغرور الذات، فهو حراكٌ خاسر لا يختلف شأنه عن شأن أيّ ظالمٍ آخر.
  11. إنّ حكم المعصوم “عليه السلام” هو حكم الله، ومن الناحية العملية فقط متوقّفٌ على رضا الشعب، على رضا الأمّة. عندما لا ترضى الأمة بحكم عليٍّ “عليه السلام”، لا يستطيع حكم عليّ “عليه السلام” أن ينجح على المستوى العملي، وعندما ترضى الأمّة بحكم يزيد تنجح سياسة يزيد على المستوى العملي، فالشعب ركنٌ وأيّ ركن هو في مسألة الحكم حتى على مستوى الحكم الإسلامي من جهة الحاجة العملية لكفاح الشعب، وجُهد الشعب، والتفاف الشعب، واخلاص الشعب، وغيرة الشعب، فيجب أن يكون الحكم من أجل صالح الشعب، وأن يكون الحاكم في موقع خدمة الأهداف التي تنعش حياة الشعب.
  12. نحن نعتقد تمام الاعتقاد بأنّ الحكم السياسي الإسلامي من صلب الإسلام، وأنّ الإسلام يعتني بمسألة الحكم اعتنائه بمسألة الصلاة والصوم والحجّ والزكاة والخمس، وأنّ الإسلام يؤمن أن لا سلامة لدينٍ ولا دنيا من غير حاكميةٍ إسلاميةٍ طاهرة. هذا نؤمن به.
  13. يأتي قلق أمريكا وقلق الغرب، نفس ما نُدركه بأنّ الشعوب الإسلامية لا تختار على الإسلام، أمريكا وأوروبا وغيرها يُدركون أيضاً هذا الأمر، ولذلك لا يرضون بالديمقراطية -التي يعطونها لأنفسهم- للبلاد الإسلامية.
  14. لن يأتي دستور يظلم شيعياً من أجل سني، ولا سنياً من أجل شيعي، ولا خليفيّاً من أجل غيره. دستورٌ من وضع الشعب لن يأتي بهذه الصورة، صورة ظلم طرف لحساب طرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى