اللقاء المفتوح لفضيلة الأستاذ عبد الوهاب حسين مع جمعية المرسم الحسيني
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال ( 1 ) : برأيكم . هل توجد حاجة إلى تجديد آليات الخطاب الديني ؟
وهل ترون التجديد أم التنوع للآليات ؟
الجواب ( 1 ) : الآليات المتبعة حاليا مثل الخطابة والكتابة والحوار وغيرها .. مفيدة ، والمطلوب هو تطويرها ومراعاة المستجدات في الظروف والأحوال الفكرية والسياسية والاجتماعية ، وإدخال ما هو مطلوب لتكون أكثر فاعلية لتحقيق أهدافها ، وتأهيل القائمين عليها للقيام بواجبهم على أحسن وأفضل وجه وأنفعه للمتلقين في زمان التلقي ومكانه ، واستحداث آليات جديدة مناسبة ومتطورة مثل المسرح والسينما والرسم وكافة الفنون الأدبية ، لإيصال رسالة السماء لكل من يطلبها ويحتاج إليها من الناس في مشارق الأرض ومغاربها .. ولمختلف الثقافات ، مع مراعاة التنوع من أجل تلبية كل الأذواق والأمزجة التي تستهدفها الرسالة وتحتاج إليها .
السؤال ( 2 ) : تعتبر قضية الإمام الحسين عليه السلام محطة للإبداع والإثراء والإلهام الفكري والسياسي والشعوري .
ما الذي يميز هذه الثورة عن غيرها في عطائها ؟
وما هو السر وراء وهجها حتى الآن ؟
الجواب ( 2 ) : هناك عدة عوامل أثرت في شدة لمعان بريق ثورة الإمام الحسين عليه السلام وتوهجه ، وأعطته قوة التأثير وتميزه في التاريخ الطويل ، والعوامل المؤثرة .. هي :
العامل الأول : عظمة شخصية الإمام الحسين عليه السلام وقدسيتها التي أبرزتها أحاديث الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وتألقها وقوة تأثيرها في المجتمع الإسلامي.
العامل الثاني : أهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام المتمثلة في المحافظة على الدين الإسلامي . قوله عليه السلام : ” إن كان دين جدي لا يستقيم إلا بقتلي .. يا سيوف خذيني ” وإصلاح أوضاع المسلمين ، والمطالبة بحقوقهم العادلة المشروعة ، ونصرة المستضعفين والمظلومين . قوله عليه السلام في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية : ” وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا أصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين”.
العامل الثالث : صدق نية الإمام الحسين عليه السلام وإخلاصه التام الكامل لله تبارك وتعالى في مواقفه وعظيم تضحيته ، مما أدى إلى خلوده وسعة وعمق تأثيره ، فما كان لله يبقى خالداً بخلوده ، وما كان لغيره يفنى بفنائه ، وقد ثبت بالدليل والتجربة تأثير دماء الشهداء في مجتمعاتهم ، وأن حجم وسعة وعمق ومدى التأثير يختلف باختلاف درجات ومراتب الشهداء ، فكلما كانت درجة ومرتبة الشهيد أعلى ، كان تأثير شهادته أوسع وأعمق وأطول في عمق التأريخ ، وبالتالي : فإن سعة وعمق وطول تأثير ثورة الإمام الحسين عليه السلام ، هو وليد مكانته عند الله تبارك وتعالى وفي المجتمع الإسلامي ، ووليد إخلاصه لربه ودينه وأمته .
ولا ننسى تأثير الأساليب البشعة التي اتبعها المجرمون في قتله ، والتي هزت ولا تزال تهز مشاعر وأحاسيس كل صاحب ضمير حي ، فقد بكته الأنبياء ، ولا يزال المؤمنون يبكونه إلى اليوم ، وسوف يمكثون على بكائه إلى آخر الدهر ومنتهى الزمان ، لأن البكاء على الإمام الحسين عليهم يتصل بسلامة العقيدة والفطرة ، ونقاء السر والسريرة ، فليس في وسع المؤمن إلا البكاء على الإمام الحسين عليه السلام في كل زمان ومكان ، وقد تركت شهادة الإمام الحسين عليه السلام تأثيراتها على الأدب العربي ، لا سيما الشعر ، فقد أخرجته من المدح المنافق ، إلى صادق المشاعر ، ولا يزال لها نفس التأثير إلى اليوم ، وقد امتد تأثيرها إلى شتى أنواع الفنون إلى يومنا هذا ، والمرسم الحسيني أحد المصاديق ، وقد شارك فيه غير واحد من غير المسلمين .
العامل الرابع : الرعاية الخاصة المتميزة من أئمة أهل البيت عليهم السلام لشأن الإمام الحسين عليه السلام ولثورته ، ونجاحهم المتميز في إدخاله إلى الضمير والوجدان الشعبي والديني .
في ثواب الأعمال . كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول : ” أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتى تسيل على خده بوأه الله تعالى بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً ” .
وفيه . عن أبي عمارة المنشد ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال له : ” يا أبا عماره أنشدني في الحسين عليه السلام ، قال : فأنشدته فبكى ، قال : ثم أنشدته فبكى ، قال : فوالله ما زلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار ، فقال لي : يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي عليهما السلام شعراً فأبكى خمسين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى أربعين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى عشرين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى عشرة فله الجنة ، ومن انشد في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى فله الجنة ، ومن انشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنة .
وهنا ينبغي التنبيه إلى دور البكاء في تصفية القلب ، وصقل النفس ، وتوثيق الارتباط والالتصاق بالمحبوب ، وترسيخ شعور المحبة في نفس المحب وتعميقه في وجدانه ، مما يقرب المحب من المحبوب ويلصقه به ، فيحرص على طاعته والإقتداء به .
يقول الشيخ السبحاني في كتاب ( العقيدة الإسلامية . ص 301 ) : ” أن محبة الإنسان الفاضل الكامل ومودته توجب بنفسها صعود الإنسان في مدارج الكمال ، فإن الإنسان إذا أحب شخصاً من صميم قلبه سعى إلى التشبه به في حركاته وسكناته ، وتحصيل ما يسر ذلك الشخص في نفسه وذاته ، وترك ما يؤذيه ويزعجه . ومن الواضح أن وجود مثل هذه الروحية في الإنسان توجب التحول فيه وتبعثه على سلوك طريق الطاعة واجتناب طريق المعصية دائماً”.
أما عن التباكي فيمثل عملية تدريب للإنسان على البكاء حتى تحصل ملكة البكاء عند من كان يفتقدها ، ويجني ثمارها الطيبة العظيمة في الطاعة والسلوك .
وفي ثواب الأعمال عن ثواب زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام . عن الرضا عليه السلام قال : ” من زار قبر أبي عبد الله عليه السلام بشط الفرات كان كمن زار الله فوق عرشه ” .
وفيه . عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ” من أتى الحسين عليه السلام عارفاً بحقه ، كتبه الله تعالى في أعلى عليين ” .
وفيه . عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ” من أتى قبر أبي عبد الله عليه السلام عارفاً بحقه ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ” .
وفيه . عن الرضا عليه السلام قال : ” زيارة قبر الحسين عليه السلام تعدل عمرة مقبولة ” .
وفيه . عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ” وكل الله بقبر الحسين عليه السلام أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ، فمن زاره عارفاً بحقه شيعوه حتى يبلغوه مأمنه ، وإن مرض عادوه غدوة وعشية ، وإن مات شهدوا جنازته واستغفروا له إلى يوم القيامة ” .
السؤال ( 3 ) : هل ترى بأن الفن بأنواعه : الرسم والخط والمسرح والأنشودة ، باستطاعته أن يحتل دوراً في دفع الخطاب الديني والفكري والسياسي في عاشوراء ؟
الجواب ( 3 ) : نعم بالتأكيد ، وذلك استناداً إلى أهمية الذائقة الجمالية والبعد الشعوري في التأثير على الإنسان وتوجيهه ، وإلى أهمية التنوع في الأساليب والوسائل لإحاطة الإنسان بالمؤثرات العديدة والمتنوعة من جميع الجهات ، ونظراً لاختالف الأمزجة والأذواق عند الناس المستهدفين بالرسالة ، وبالتالي ضرورة تنوع الأساليب والآليات لضمان وصول الرسالة إلى جميع الناس والتأثير عليهم .
السؤال ( 4 ) : الرسم هو أسلوب يختلف عن المسرح والمنبر والمسيرات العزائية في التعريف بقضية الإمام الحسين عليه السلام ورسالته .
هل ترى بأن الرسم يتقدم في إيصال الفكرة ؟
الجواب ( 4 ) : الأصل في التعريف بقضية الإمام الحسين عليه السلام ورسالته ، يكون من خلال المنابر والمسيرات العزائية والزيارة ، وقد أسس هذه الآليات أهل البيت عليهم السلام ، وهي الأكثر تاريخية وشعبية وتأثيرا بما يستخدم فيها من الشعر والثر والنياحة ، وقد استحدثت بعد الأساليب والآليات المشروعة مثل المسرح والسينما والرسم والتشبيه ، ولا شك أن لهذه الأساليب والآليات تأثير إيجابي كبير في التعريف بقضية الإمام الحسين عليه السلام وخدمة رسالته ، وهي تتفاوت في التأثير ودروها في تحقيق الهدف باختلاف المتلقي للرسالة أفراداً وجماعات وأمم ، فقد يؤثر المسرح والسينما في المجتمعات الغربية والمجتمعات غير الإسلامية وبعض الجماعات أكثر من الأساليب والآليات التقليدية ، ولكن يبقى للمنبر والمسيرات العزائية والزيارة سيادتها في التأثير الأكثر شعبية والأوسع في المجتمعات الإسلامية .
وبخوص الرسم : فالأصل فيه أن يكون من الآليات والأساليب المساعدة ، ويدخل ضمن الحاجة للتنوع في الأساليب والآليات لتحقيق الأغراض التي سلف ذكرها في الإجابة على السؤال الثالث ، وقد يكون له استثناء في التأثير في بعض الأشخاص ، لأسباب خاصة تتعلق بالمزاج الخاص للشخص المتلقي ، وهذا يكفي للاهتمام به وتوظيفه للتعريف بقضية الإمام الحسين عليه السلام وخدمة رسالته .
السؤال ( 5 ) : هل تعتقد أن جمعية المرسم الحسيني استطاعت أن تضيف إضافة جديدة على صعيد الثقافة أو الخطاب الديني والاجتماعي في البحرين وخصوصاً في عاشوراء ؟
الجواب ( 5 ) : نعم بالتأكيد ، والدليل على ذلك حجم الإقبال على المرسم ليس في عاشوراء فحسب ، وإنما في الفعاليات الأخرى التي يشارك فيها المرسم أيضاً ، ومباركة العلماء لأنشطة المرسم وزياراتهم المتكررة له ، والمرسم يدل على قدرة الشعب البحريني على الإبداع والسبق في ميادين المنافسة رغم تواضع الإمكانيات المادية وكثرت المشاغل والعوائق والتحديات والصعوبات التي تواجهه ، وهو جدير بأن نفخر به ونعتز ، ونراهن على قدراته وإبداعاته في التحدي وقهر الصعوبات ، وتحقيق الإنجازات والانتصارات الحضارية الكبيرة ، وهو شعب مبارك إن شاء الله البر الرحيم .
السؤال ( 6 ) : احتفلت جمعية المرسم في ديسمبر الماضي بمولد نبي الله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام .
هل توجد مخالفة دينية فقهية في إقامة مثل هذه الاحتفالات ؟
وما هي الفائدة الفعلية من هذه الفعاليات ؟
الجواب ( 6 ) : الاحتفال بمولد المسيح عليه السلام ليس فيه شيء في نفسه ، شريطة أن يكون بعمل مشروع وليس فيه شيء من العمل الحرام ، شأنه في ذلك شأن الاحتفالات بمواليد الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، ولم يخالف في ذلك إلا الوهابية .
يقول القسطلاني في كتابه ( المواهب أللدنية . ج1 . ص 27 ) : ” ولا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده عليه السلام ، ويعملون الولائم ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ، ويظهرون السرور ، ويزيدون في المبرات ، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم ) .
وللفقهاء موقف آخر مغاير تماماً لو كان الهدف هو مجارات الغرب وتقليدهم والتشبه بهم .
وفائدة الاحتفالات بمواليد الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، هو إظهار المودة والمحبة لهم عليهم السلام الذي هو من أصول الإسلام ومنهجه ” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده والناس أجمعين ” ، والتعرف على سيرهم الطاهرة المقدسة ، وطاعتهم والإقتداء بهم في الحياة ، من أجل بناء ألذت وإثرائها وتكميلها بالفضائل وتجميلها ، والصعود بها في مدارج الكمال الإنساني ، والحصول على الاطمئنان والرضا النفسي والفرح الروحي والحياة الطيبة في الدنيا ، والفوز برضا الرب ذي الجلال والإكرام ، والقرب منه والدخول في ولايته وساحة قدسه ، والفوز بجنته وداره الطيبة في الآخرة ، وهذا منتهي القصد وغاية المنى لكل إنسان عاقل في الوجود .
ومن الثمرات الطيبة لطاعتهم عليهم السلام والإقتداء بهم : التفاني في سبيل الله تبارك وتعالى وإعلاء كلمته ، والحفاظ على العقيدة السماوية المقدسة العظيمة ، وعدم الخضوع للذل والهوان ، ومقاومة الظلم والظالمين ونصرة المستضعفين في الأرض ، فتشرق الأرض بنور ربها ، ويعم الخير والسلام ربوع الأرض ، ويسودها التقدم والصلاح .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
التاريخ : 21 / ذو القعدة / 1424 هـ .
الموافق : 13 / يناير / 2004 م .