الإجابة على أسئلة مجلة فداء – الإصدار الأول – النويدرات
هموم وتطلعات الحركة الإسلامية في البحرين
الموضوع : أجوبة الأستاذ عبد الوهاب حسين على أسئلة مجلة ( فداء )
الجهة التي أجرت الحوار : تصدرها الجمعية الحسينية بقرية النويدرات .
التاريخ : 13 / ذو الحجة / 1426هـ .
الموافق : 15 / يناير ـ كانون الثاني / 2006م .
المقدمة : بداية نرحب بالأستاذ عبد الوهاب أجمل ترحيب متمنين منه ـ كما عودنا ـ الكثير من الصراحة في سبيل وضوح الرؤية وتشخيص الحالة .
في خضم الحديث عن الحركة الإسلامية والدور الذي تلعبه على الساحة السياسية في البحرين ، وباعتباركم أحد الأقطاب التي اتخذت المنهج الإسلامي وسيلة للتحرك في المسار السياسي وفق الرؤى الإسلامية الشرعية ، نود الحديث حول محور محدد وهو ( هموم وتطلعات الحركة الإسلامية في البحرين ) .
السؤال ( 1 ) : لعب الأئمة ( عليهم السلام ) أدوار تاريخية متنوعة حسب الظروف الموضوعية التي أحاطت بهم . ما مدى التزام الحركة الإسلامية في البحرين بـمنهج الأئمة عليهم السلام ؟
الجواب ( 1 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :
النقطة الأولى : الحركة الإسلامية الشيعية في البحرين خطوط عديدة وليست خطا واحدا ، ولها رؤى مختلفة في العمل الإسلامي : الدعوي والسياسي وليست رؤية واحدة ، وهي بوجه عام ملتزمة بخط أهل البيت ( عليه السلام ) .
النقطة الثانية : أن الالتزام الفكري والفقهي بمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) لا يعني بالضرورة الالتزام ( العملي ) بالمنهج السياسي والدعوي لهم ( عليهم السلام ) وذلك لأن الالتزام العملي بهذا المنهج يحتاج إلى أمرين رئيسيين .. وهما :
الأمر الأول : معرفة علمية مكتشفة من خلال الدراسة ( وفق رؤية موضوعية شاملة ) للنصوص والسيرة المطهرة لهم ( عليهم السلام ) .
الأمر الثاني : توفر الإرادة السياسية الوسطية التي تتخذ الـمواقف المطلوبة ( فعلا ) على بصيرة لخدمة الأهداف والقضايا الإسلامية والوطنية بعيدا عن الجبن أو التهور .
ومن الناحية الخارجية : ليست كل القيادات والخطوط تمتلك المعرفة الواضحة الصحيح لهذا المنهج ، والإرادة السياسية اللازمة لتطبيقه .
النقطة الثالثة : أرى وجود نقص كبير في التأهيل الفكري الإسلامي لدى الكثير من الكوادر والقيادات المتصدية للعمل في الحقل السياسي في البحرين ، وهذا الخلل له خطورته التي كشفت عنها التجربة الحركية في البحرين ، وينبغي علينا العمل على إصلاحه ( عاجلا ) وعدم إهماله أو التراخي فيه .. وذلك للأسباب التالية :
السبب الأول : الآثار العملية السلبية المترتبة على هذا الخلل في الساحة ، والتي كشفت التجربة عن بعضها .
السبب الثاني : أن المشروع السياسي تابع ( إسلاميا ) للمشروع الثقافي ، وتتحدد قيمته بمدى الخدمة التي يقدمها للمشروع الثقافي ، وإذا أنفصل المشروع السياسي عن المشروع الثقافي فإنه يفقد قيمته المعنوية والإنسانية ، وهي القيمة الحقيقية للمشروع السياسي ، ويتحول إلى مجرد مشروع سلطوي ( مادي ) همه الوصول إلى السلطة أو الحصول على المكاسب المادية والنفوذ والثروة .. وليست له ( في الحقيقة ) أية قيمة إنسانية ومعنوية .
السؤال ( 2 ) : عرفنا الحركات السياسية الإسلامية أنها تستند دوما إلى مرجعيات دينية تلتزم برأيها وتستأنس بنصائحها . هل توجد مرجعية دينية واضحة المعالم لدى الحركة الإسلامية في البحرين ؟
الجواب ( 2 ) : أغلب خطوط العمل الإسلامي الشيعية في البحرين لديها مرجعياتها الدينية المعروفة . ولكني أرى وجود بعض جوانب الخلل في تنظيم العلاقة بين الطرفين ، والنقص الكبير في المعرفة الفكرية والفقهية المطلوبة ( واقعا ) في رسم العلاقة بين الحركة السياسية الإسلامية والمرجعيات الدينية ، ولا أرى الاهتمام الكافي في الحركة الإسلامية الشيعية بنشر هذه المعرفة ، ولو توفرت هذه المعرفة لدي الجماهير بالدرجة الكافية ، لتغيرت الكثير من الأمور والحقائق على الأرض .
السؤال ( 3 ) : ما هو تقييمك للأداء السياسي للحركات الإسلامية في البحرين ؟
الجواب ( 3 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :
النقطة الأولى : الحركة الإسلامية السنية أقدم تاريخيا في البحرين من الحركة الإسلامية الشيعية ، ويعود تاريخها إلى أواخر الأربعينات من القرن العشرين . إلا أنها ركزت على الجانب الدعوي وأهملت الجانب السياسي ، ولها علاقة جيدة مع السلطة وحصلت منها على مساعدات مختلفة ، وتعاونت السلطة معها لتسهيل مهماتها الدعوية . وفي ظل ذلك كله أصبحت خبرتها السياسية محدودة جدا . وقد انخرطت الحركة الإسلامية السنية ( بكافة خطوطها ) بقوة في العملية السياسية ( في خط الموالاة للسلطة ) مع بداية الانفتاح السياسي وعودة الحياة البرلمانية في البحرين في عام ( 2002م ) .
النقطة الثانية : بدأت الحركة الإسلامية الشيعية في البحرين بالظهور في بداية السبعينات من القرن العشرين ، وركزت في البداية على الجانب الدعوي وأهملت الجانب السياسي ، وظهر الجانب السياسي في اهتمامها بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني ( قدس الله تعالى سره الشريف ) وتعرضت للقمع الشديد من السلطة إلى درجة التصفية التنظيمية الكاملة لوجود بعضها ، ودخل بعضها في حالة سبات سياسي وتنظيمي لمدة عقد من الزمن تقريبا .
النقطة الثالثة : مما سابق يتضح لدينا ( منطقيا ) قلة الخبرة السياسية والتنظيمية لدى الكثير من قيادات وكوادر التيار في الوقت الحاضر . ولهذا برزت بعض جوانب الخلل المنهجية والإدارية والتنظيمية والمهنية في عمل خطوط التيار المختلفة .. وهو أمر متوقع . إلا أن التيار كانت لديه فرصة ليكون بصورة أفضل وبدرجة كبيرة مما هو عليه الآن ، لو تمت الاستفادة بصورة جيدة من الكوادر الموجودة فعلا ، وروعيت الخبرة والتجربة السياسية والتنظيمية والدعوية ومستوى التأهيل في إعطاء أو إسناد المسؤولية ، ولو مورست القيادة بتوجهات وأنماط قيادية مبدعة .
السؤال ( 4 ) : كيف يتم اختيار القيادة ؟ وهل لها دور في الجوانب السلبية في أداء الحركة الإسلامية في البحرين ؟
الجواب ( 4 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :
النقطة الأولى : على مستوى التيار ككل لا يوجد اختيار منظم للقيادات ، ولعبت المعايير التقليدية كالأسبقية في الساحة والمستوى الفقهي دورا مهما في بروز بعض القيادات وتقدمها على غيرها ، كما لعب الانتماء للخطوط العامة في الطائفة ككل والعرق دورا آخر . أما قيادات المؤسسات فيتم اختيارها وفق الآليات المتوافق عليها في المؤسسة والتي تنص عليها أنظمتها الأساسية المكتوبة . إلا أن الاختيار لم يتطور كثيرا ، ولا زال يخضع لمعايير تقليدية ، وأري ( بحسب تقديري ) أن التجربة في المؤسسات ( مع وجود الآلية الصحيحة للاختيار ) قابلة للتصحيح والتطوير .
النقطة الثانية : أعتقد أن الكثير من جوانب الخلل يتعلق بوضع القيادات وأساليب وأدوات ومنهج عملها ، وهي في حاجة ماسة للتصحيح والتطوير ، وهذه المسؤولية تقع ( بصورة مشتركة ) على عواتق الجماهير والقيادات الحالية .
السؤال ( 5 ) : هل يجب أن تكون القيادة للحركات الإسلامية علمائية ؟ وماذا لو كانت القيادة لسياسيين يمتلكون فقط رؤى إسلامية ؟
الجواب ( 5 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :
النقطة الأولى : ينبغي التمييز بين القيادة المباشرة للحركة الإسلامية والقيادة العليا غير المباشرة .
النقطة الثانية : القيادة المباشرة يمكن أن يمارسها طلاب العلوم الدينية ومثقفون إسلاميون عاديون يمتلكون الرؤية الإسلامية ، ويمكن أن يكون على رأسها أحد المثقفين المؤمنين الذين يمتلكون الرؤية الإسلامية من خارج دائرة طلاب العلوم الدينية .
أما القيادة العليا : فتختلف حولها آراء الفقهاء في مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) . فهناك آراء لدى بعض فقهاء مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) تسمح للحركة الإسلامية بممارسة عملها بقيادة المؤمنين من طلاب العلوم الدينية وغيرهم ، على أن ترجع إلى الفقيه الجامع للشرائط في بعض الحالات .. منها : أن تقتضي الحركة الإخلال بالنظام العام للأمة ، أو تؤدي إلى وقوع الضرر البليغ بالقائمين عليها . وهناك آراء لدى بعض فقهاء مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) توجب خضوع الحركة الإسلامية منذ البداية إلى فقيه جامع للشرائط كقيادة عليا لها ، ويشترط بعضهم ( في الوقت الحاضر ) أن تكون القيادة العليا بيد ولي أمر المسلمين . وفي هذه الحالة تتساوى صلاحيات الفقيه الداخل في القيادة المباشرة للحركة مع غير الفقيه وإن لم يكن من طلاب العلوم الدينية .
السؤال ( 6 ) : ألا تتعارض قيادة المرجعية الدينية للحركة الإسلامية مع الديمقراطية داخل الحركة ؟
الجواب ( 6 ) : لا يـوجد أي تعارض بين خضوع الحركـة الإسلامـية للمرجعية الدينية ( كقيادة عليا ) وبين الديمقراطية داخل الحركة ، وذلك لأن المرجعية الدينية تخضع في تدخلاتها ودورها في الحركة ( كأية قيادة أخرى ) للقانون ولآليات محددة متفق عليها في اتخاذ القرار .. وليست قيادة مستبدة ذات سلطات مطلقة غير مقيدة .
السؤال ( 7 ) : هل تشارك القاعدة في صنع القرار أم أن دورها تنفيذي فقط ؟
الجواب ( 7 ) : تتحمل القاعدة مسؤولية اختيار القيادة ، وتتخذ القيادة قراراتها وفق الآليات المحددة لاتخاذ القرارات ، ومنها الرجوع إلى القاعدة في بعض القرارات المصيرية ، وتكون القرارات التي تصدر عن القاعدة ملزمة للقيادة ( ما لم تخالف الشريعة الإسلامية المقدسة ) . وتتحمل القـيادة مسؤولية التواصل مع القاعدة التي اختارتها وأوصلتها إلى القيادة ، وأن تلتزم بالتعبير ( في كافة قراراتها ) عن إرادة القاعدة وخدمة مصالحها بما لا يخالف ( إسلاميا ) الشريعة الإسلامية المقدسة . وليس للقيادة الحق في اتخاذ القرارات بخلاف إرادة القاعدة وضد مصالحها ، وللقاعدة حق مراقبة القيادة ومحاسبتها وعزلها في حال ثبت عجزها عن القيام بوظائفها أو مخالفتها لإرادة القاعدة وعملها ضد مصالحها .
السؤال ( 8 ) : يؤخذ على عبد الوهاب حسين ابتعاده عن العمل المؤسسي وأنه يحاول إدارة اللعبة من خارج المؤسسة . ما هو تعليقك ؟
الجواب ( 8 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :
النقطة الأولى : لقد تحدثت كثيرا عن العمل المؤسسي وبينت أهميته في حياتنا الدينية والاجتماعية والسياسية ، ودعوت بصورة دائمة إلى تدعيمه وتقويته وإصلاحه وتطويره ، وقد أثبتت التجارب التي شاركت فيها في العمل الجماعي التزامي برأي فرق العمل التي عملت معها ، وكان خروجي عن دائرة صناعة القرار ( في التيار ) بسبب عدم تنظيم هذه الدائرة وعدم نزولها على آليات محددة لاتخاذ القرار ، وخرجت من مؤسسة الوفاق لما وجدت ( بحسب تقديري ) أنها لا تعبر عني . ولا توجد أية تجربة تثبت أني خالفت المؤسسة ( التي أعمل فيها ) في آلية اتخاذها القرار ، ولم أسعى لأسباب ( فقهية وسياسية وأخلاقية ) لإيجاد مؤسسة جديدة .. كما فعل الكثيرون غيري .
النقطة الثانية : كيف يصح الزعم بأني أحاول إدارة اللعبة من خارج المؤسسة مع تأكيدي المستمر بأني ( مجرد ) صاحب رأي وليس صاحب قرار ، وقد التزمت عمليا بذلك ، فلم أعطي ( في أي وقت من الأوقات أو في أي ظرف من الظروف ) قرارا ( لغيري ) بعد إعلاني الابتعاد عن دائرة صناعة القرار . أما القول بأن رأي عبد الوهاب يمثل قرارا وذلك بناءا على ثقله المفترض في الساحة ، فهو خلط لا يقوم على أساس علمي أو عملي صحيح ، وأرى بأن امتناعي عن إبداء الرأي استنادا إلى هذا التصور الخاطئ يضر الساحة ولا ينفعها ، ويعمي البصيرة ويؤدي إلى سيادة الاستبداد . أما مطالبتي بالدخول في وضع أرى عدم صحته أو مطالبتي بالانضمام إلى مؤسسة لا أرى أنها تعبر عني ، فهي مطالبة في غير مكانها ، وأنها لا تقوم على أساس علمي أو عملي صحيح ، وهي في واقع الأمر تتجاهل حقي كإنسان عاقل يمتلك حرية الاختيار ومسؤوليته أمام الله ( تبارك وتعالى ) والتأريخ ، وتسحق كرامتي وإنسانيتي التي حفظها الله ( جل جلاله ) لي ، وتريد أن تحولني إلى مجـرد قطعة خشب تتحرك بحركة الأمواج في البحر المتلاطم ، أو تحولني إلى مجرد بوق يخرج أصوات من ينفخ فيه وليس له من فضل إلا بحسب تشكيله وطبيعة مادة تكوينه التي تؤثر في شكل الصوت دون ماهيته ، أو تحولني إلى مجرد جدار يرجع الأصوات التي تصل إليه ، وهيهات أن أقبل ذلك أو أخضع إليه مادام عقلي في جمجمتي .
السؤال ( 9 ) : أين عبد الوهاب حسين الآن ؟
الجواب ( 9 ) : أنا بينكم كأحدكم ، أعيش همومكم كلها ، وليست لي مصلحة في الانحياز لأي طرف ( أي كان ) سوى الحق والحق وحده لا شريك له ، ولا يملك أحد ( غير الحق ) ما يحملني على الانحياز إليه ، وأنا أقاوم بشراسة كل العوامل التي تدفعني للانحياز لغير الحق والعدل ، وأغتنم الفرص المتاحة لي لخدمة ديني وناسي ووطني .. بحسب وسعي وطاقتي ، وأعطي رأيي في قضايا الساحة ولا أتدخل في صناعة القرار إلا بالمشورة لمن يستشيرني من صناع القرار . هذا ( أيها الأحبة الأعزاء ) ما أجد نفسي قادر على فعله في الوقت الحاضر ، وأسأل الله الكريم الرحيم الذي أتوجه إليه بقلبي في عملي ، أن يقبلني ويقبل عملي بأحسن القبول ، وأن يجعل عملي خالصا لوجه الكريم ، وأن يحسن لي العاقبة ، ويجمعني ( في الآخرة ) مع من أحب وأشتاق للعيش معهم ، وأن لا يطول بقائي هنا بعيدا عنهم .
أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .