أجوبة الأستاذ على أسئلة كتيب ” الحسين ألم ونور ” لمسجد فاطمة الزهراء

الموضوع : أجوبة الأستاذ على أسئلة كتيب ” الحسين ألم ونور ” لمسجد فاطمة الزهراء .
الموافق :22/ يناير/ 2004م .
بسم الله الرحمن الرحيم

الأستاذ الفاضل / عبد الوهاب حسين … المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نحن اللجنة الثقافية بمسجد فاطمة الزهراء عليها السلام بمدينة حمد – مملكة البحرين ، قد عزمنا بعد التوكل على الله أن نصدر كتيب في محرم الحرام القادم 1425 هـ ( 5،000 نسخة ) – المسمى ” الحسين ألم ونور ” يحتوي على كلمات لكبار العلماء من البحرين وخارجها مع لقاءات مع مجموعة من المثقفين والرواديد والشعراء …

لذا – وإيماناً منا بالحسين عليه السلام – يسرنا أن نتوجه إليكم …. كي تساهموا معنا بآرائكم القيمة والعابرة في قلوب الناس بالإجابة على السؤال بكل جوانبه إن أمكن وندعوا الله لكم بالخير والعافية .

السؤال : يقال أن صرخة الحسين عليه السلام في كربلاء ، وصرخة القدس في فلسطين .. وجهان متشابهان .

أين نجد أوجه التشابه في رأيك ؟ولكم منا جزيل الشكر وفائق الاحترام

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم أيها الأحبة الأعزاء ورحمة الله تعالى وبركاته

نجد أوجه التشابه بين صرخة الحسين عليه السلام في كربلاء ، وصرخة القدس في فلسطين .. في النقاط التالية :

النقطة الأولى – أنهما صرختي حق : صرخة الإمام الحسين عليه السلام هي صرخة إمام حق سلب حق الله جل جلاله وحق الأمة المتمثل في حقه ، واستولى عليه نقيضه في الحق والعلم والأخلاق والأمانة والدين ، يزيد بن معاوية ، الذي أقام السلطة على أساس الاغتصاب ، وكرس أساليب الحكم غير الإسلامي ، فيقرب ويبعد ، ويعطي ويمنع ، على أساس الولاء للحكومة وإحكام سيطرتها والمحافظة على مصالحها ومكتسباتها غير الشرعية ، وهكذا أقام حكماً استبدادياً جائرة يتسلط على أموال الناس وأرواحهم بدون وجه حق ، ولا يلتزم بالإسلام وأحكامه وقيمه ومبادئه ، ولولا صرخة الإمام الحسين عليه السلام واستشهاده ، لنجح يزيد وأتباعه المنحرفين في تفريغ الإسلام العظيم من محتواه الرباني الرفيع ، وعرضه مقلوباً أمام الناس يخدم وجودهم وأهدافهم غير المشروعة ، فلم تكن ثورة الإمام الحسين عليه السلام مجرد ثورة عاطفية خالية من الأهداف الاستراتيجية ، وإنما كانت ثورة ذات عمق فكري وإنساني وتكليف شرعي ، تدرك حجم ونوعية التهديد اليزيدي للدين الحنيف ومصالح الأمة ومكتسباتها .

قال الإمام الحسين عليه السلام : ” ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، فليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برماً ”

وقال الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : ” من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله ، يعمل في عباده بالإثم والعدوان ، فلم يغير عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ” .

وصرخة القدس هي صرخة شعب مظلوم شرد عن وطنه ، وسلب حقه التاريخي في الإشراف على المقدسات الدينية وضمان حق العبادة فيها ، وهي صرخة ضد التحالف الشيطاني الشرس لقوى الاستكبار العالمي من الصليبية السياسية الجديدة بقيادة أمريكا والصهيونية اليهودية العالمية ، من أجل طرد شعب فلسطين المسلم من أرضه ، وإبعاد الإسلام والمسلمين عن مركز الإشراف على القدس التي تلتقي الأديان السماوية على تقديسها ، وفرض الهيمنة الصهيونية عليها لما تمثله القدس من ثقل عالمي ديني وثقافي وسياسي ، وغلقها أمام المسلمين وتطلعاتهم الدينية والثقافية والسياسية العالمية المشروعة ، حيث استكثروا على المسلمين ولا زالوا يستكثرون عليهم الأشراف على القدس والتمتع بذلك الثقل العالمي الديني والثقافي والسياسي ، ولولا صرخة المجاهدين الأبطال في القدس لتحقق لقوى الاستكبار العالمي والصهاينة ما يريدون ، فالشعب الفلسطيني يتصدى اليوم للحملات الصهيونية الوحشية بأيد خالية وبجرأة وبسالة وشجاعة منقطعة النظير كما فعل الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه الأوفياء في التصدي للجيش اليزيدي الجرار ، وهو – أي الشعب الفلسطيني – على وعي كامل بأهداف الصهاينة وقوى الاستكبار العالمي ، وسوف يستطيع سحق الصهاينة والتغلب على قوى الاستكبار العالمي ، إذا استمر في التمسك بالنهج ألجهادي الحسيني ، ولم يستمع إلى المطبلين المنبطحين الذين يزعمون أنهم يريدون الخير للشعب الفلسطيني ويبثون المغالطات السياسية ويظهرون له الملق ، وهم في الحقيقة يريدون الاحتيال لتحقيق مآربهم الخبيثة وليقطعوا الطريق على الشعب الفلسطيني المستضعف من ممارسة حقه في تقرير المصير .

النقطة الثانية – كلا الصرختين قابلهما أعداؤهما بأبشع الجرائم وأفظعها : الإمام الحسين عليه السلام قتل وجميع أصحابه وهم عطاشى وحزت رؤوسهم ورفعت على الأسنة ورضت أجسادهم بحوافر الخيل وحرقت الخيام وروع الأطفال والنساء وأخذوا سبايا وهم أهل بيت النبوة إلى الظالم يزيد عليه أللعنة إلى يوم الدين ، وسموا خارجيين ، وشوهت صورة الإمام الحسين عليه السلام في الإعلام الأموي ، ولا تزال صورة شيعته ومحبيه والسائرين على نهجه تشوه في الإعلام اليزيدي والاستكباري المعاصر ، ويصفونهم بغير حق بالتطرف والإرهاب ، وهم الأمة الوسط التي أخرجت للناس من بين كافة الأمم ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلون بالتي هي أحسن ، ولكن الظالمين لا يفقهون .

وفي فلسطين يقتل الرجال والنساء والأطفال صبراً ، ويتعرضون للضغوط والظلم والعدوان ، ويسجنون بدون محاكمة ، وتهدم البيوت على أصحابها ، وتخرب المزارع والمصانع والممتلكات والحضارة ، ومع ذلك يقدم الصهاينة في الإعلام الغربي على أنهم مظلومون ، وأنهم كانوا ولا يزالون ضحية للاضطهاد والظلم والعدوان ، ويقدم الشعب الفلسطيني المستضعف المظلوم على أنه شعب متوحش وعدواني ، ويقدمون حركات المقاومة في فلسطين على أنها حركات إرهابية عنيفة لا تتقبل الحوار وتتعطش للقتل وسفك الدماء ، وفي كلا الصرختين نجد التضاد بين نظامين من القيم : نظام القيم الذي تجسد في معسكر الإمام الحسين عليه السلام ويتجسد اليوم في صرخة القدس المدوية المصبوغة بصبغة الحق والخير والوفاء والبسالة والتضحية والاستشهاد ، ونظام القيم الذي تجسد في المعسكر اليزيدي الظالم المتشبث بالحياة النزقة والمكتسبات المحرمة ، ويتجسد اليوم في المعسكر الصهيوني المحتل لفلسطين الإباء والثورة ، ويصطبغ نظام القيم في المعسكر اليزيدي والمعسكر الصهيوني بصبغة البطش والدم وانتهاك كل الحرمات والمحرمات السماوية وفي المواثيق الوضعية الدولية وانتهاك كل المقدسات السماوية والإنسانية.

النقطة الثالثة – صرختي نور تنبعان من أعماق الفطرة الإنسانية والعقل والضمير الوجداني والدين : إن الإنسان بحسب فطرته الطاهرة ، فطرة العدل والميزان التي فطر الله الخالق البارىء الهادي الناس عليها ، يعشق الحق والخير والعدل والجمال ويميل إلي هذه القيم ويعمل من أجل تمثلها وتجسيدها على أرض الواقع على كافة الأصعدة ومختلف الميادين ، ليكشف بذلك نور الله الهادي الحكيم وجلال عدله في الأرض ، وليكشف الظلمات والظلم عنها ، ويقيم الحق والعدل ، ويفتح الطريق لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وكماله المادي والمعنوي .

فالإنسان بحسب هذه الفطرة ، لا يمكن أن يقبل الباطل والشر والظلم والفساد في الأرض ويبرره أو يسكت عنه ويتعايش معه ، فسبيل الفطرة التي فطر الله العدل الحكيم الناس عليها ، هو سبيل المقاومة لهذه التجاوزات والانتهاكات ، وليس السكوت عليها وتبريرها والتعايش معها ، فكل من يسكت عن الباطل والشر والظلم والفساد في الأرض ، فهو بلا شك ولا ريب مخالف للعقل والفطرة والدين الحنيف ، دين الواقعية الإيجابية القوية والعدل والحكمة ، وليس الضعف والفساد وتبرير الواقع الظالم والمنحرف .

وهكذا كانت صرخة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ، وهكذا كانت صرخة المجاهدين الأبطال الأشاوس في القدس وفي عموم فلسطين ، تنبعان من أعماق الفطرة الإنسانية وتعبران عن العقل والدين ، وتؤكدان : بأن الحق والعدل والدين لم يهزموا .. ولن يهزموا ، وأنهم متحررون في أنفسهم وبإرادة الجبار الواحد القهار من القيود والأغلال ، ولم يقعوا .. ولن يقعوا أسرى في أيدي المستكبرين والمستبدين والفراعنة والطواغيت ، وإن نجح المستكبرون والمستبدون في تجبير الدين لخدمة مصالحهم على أيدي وعاظ السلاطين .. فإلى حين ، ولن يستطيعوا ذلك إلى الأبد ، وأن القوى العظمى لن تتمكن من الاستقرار في البلاد الإسلامية والاستمرار فيها ، وأن وجودها في البلاد الإسلامية إلى حين ، وأنه لابد أن يتغلب المستضعفون وتنتصر إرادتهم على كل قوى الظلم والاستبداد والنزق والانحراف والاستكبار في العالم ، وأن راية الإسلام سوف ترفرف خفاقة على كل بقاع الأرض ، وأن أبناء الإسلام البررة مطالبون بالتقدم واقتحام كل المواقع على كافة الأصعدة وفي كل الميادين ، وعليهم عدم التردد أو التقهقر إلى الوراء ، وهذا ما يفعله الجيل الصاعد من الشعب الفلسطيني المجاهد الأبي ، الذي يجاهد تحت اسم الله الملك الحق المبين ، وراية دينه المقدس الحنيف ، واضعين نصب أعينهم ، الإيمان بالله العزيز الجبار الغالب ، وقدرته الأزلية اللامتناهية ، ووعده الحق للمؤمنين بالنصر ، وقدرة الحق والعدل والدين على الانتصار في أنفسهم طال الزمن أو قصر ، وهو جهاد وكفاح يبعث على الأمل ، وسوف يفتح الطريق لزوال الكيان الصهيوني المغتصب في فلسطين ، ويقيم الحجة على المنبطحين الذين باعوا أنفسهم وخدشوا شرف الأمة والشعوب المستضعفة ، وأصبحوا أسرى وأذلاء للمستبدين والمستكبرين ، ويجترحون السيئات كل يوم ، ويعقدون الصفقات السرية والعلنية ، ويدخلون المساومات الضعيفة المخجلة ، ويقدمون التنازلات غير الواقعية وغير الشريفة أحياناً ، لمجارات الصهاينة وقوى الاستكبار العالمي والفراعنة المستبدين الظالمين ، على حساب مصالح الأمة العادلة ، ومكتسباتها المشروعة ، وعلى حساب تاريخها وشرفها ، بعيدا عن منطلقاتها ودينها وثوابتها في الحياة ، تحت عنوان الدبلوماسية والواقعية الجديدة التي تفرض القبول بالأمر الواقع والتسليم له وعدم مقاومته لمنع الخسائر والحصول على ما هو متاح ، ورغم نجاحهم المحدود في خداع البعض ، إلا أن التجربة قد فضحت أمرهم ، وأن مصيرهم إلى الخزي في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة ، وبئس الورد المورود ، وبئس للظالمين بدلاً .

النقطة الرابعة – صرختي بسالة واستشهاد : لم يكن بين عيني الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه إلا الموت ونصرة الحق والدين والدفاع عن المقدسات ورضا الرب تبارك وتعالى ، ولم يكن لهم طمع في المال أو الجاه أو المناصب أو في الدنيا نفسها ، وجاهدوا ببسالة وصدق حتى الشهادة . وهكذا المجاهدون الطليعيون في فلسطين : الذين يدافعون عن الدين والأرض والمقدسات وتحصيل رضا الرب تبارك وتعالى ، ببسالة وشجاعة صمود حتى الشهادة من أجل صناعة الأمل وفتح الأفق الأوسع في طريق الشعب الفلسطيني وكافة الشعوب المستضعفة ، وسوف ينجحوا في تحقيق أهدافهم وتحقيق إرادة شعبهم الحرة المقتدرة بحول الله الجبار وقوته ، إن هم تمسكوا بالنهج ألجهادي الحسني الصائب ، وسلكوا طريقه ونهجه في الحياة ، فقد علم الإمام الحسين عليه السلام المستضعفين والثوار في العالم ، أن لا يهابوا الأعداء لكثرة عددهم وقوة عتادهم ، لأن الكثرة لا قيمة لها ولا جدوى منها إذا لم تكن غنية بفكرها وقيمها وصلابة موقفها ، وإذا لم تكن على طريق الحق ومتمسكة بالعدل والنهج القويم في الحياة ، وأن القلة قادرة على تحقيق النصر إذا كانت مقتدرة نوعياً ، وسوف تكون لها حسن العاقبة إذا تمسكت بالحق والعدل وقاومت ببسالة وشجاعة وقدمت التضحيات في سبيل تحقيق أهدافها العادلة والمشروعة على طريق الله القويم وخدمة الإنسانية العظيمة .

قال الله تبارك تعالى : { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون } ( آل عمران : 123 )

وقال الله تعالى : { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغني عنكم شيئاً وضاقت بكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين } ( التوبة : 25 ) .

النقطة الخامسة – صرختي ألم وحزن في وسط ظلام الظلم الدامس وصمت الأكثرية : لقد تغيرات أحوال الغالبية العظمى من المسلمين في عهد الإمام الحسين عليه السلام فقد أحبوا الدنيا وملذاتها، وفسدت فطرتهم فطرة العدل والميزان التي فطر الله العدل الحكيم الناس عليها ، فلم يسعوا لمقاومة الظلم والانحراف اليزيدي عن الدين وأحكامه ، وخذلوا إمام الحق والصدق والعدل والدين ، الإمام الحسين عليه السلام ، سبط الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وأسلموه للذئاب البشرية وخنازيرها الذين قتلوه في قلة من أصحابه أبشع وأفظع قتلة ، وصور بعض المنتفعين بالأمر الواقع تحرك الإمام الحسين عليه السلام : بأنه شق لصفوف المسلمين وضرب لوحدتهم ومخالف لنهج الإسلام ، وقد رد عليهم بقوله عليه السلام : ” انه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله عز وجل وعمل صالحاً وقال : إنني من المسلمين ” .

وصرخة القدس في فلسطين ، تواجه اليوم صمت المقابر ، ولم تحصل على استجابة شعبية أو رسمية بالمستوى المطلوب ، فالشعوب منهكة بظلم الحكام ومقيدة باستبدادهم الأسود القاتم ، والحركات الإسلامية تعاني من التمزق والتشرذم والضربات الموجعة مما يجعلها مشغولة بمشكلاتها وهمومها الخاصة ، والحكومات مرعوبة من قوى الاستكبار العالمي ، ومسلمة لها بدون حياء لتفعل ما تشاء في البلاد والشعوب الإسلامية ، في سبيل أن يستمروا في تسلطهم على الشعوب لأيام معدودات إضافية ، ويضطهدوا الأحرار منهم الذين ينادون بحق الشعوب في تقرير المصير ، وينهبوا أموال الشعوب المحرومة ، ويتركوها ترزح تحت وطأة الفقر والحرمان ، فقد شحت أنفس الحكام ، وجبنت قلوبهم ، وقبضوا أيديهم ، وتفرقوا أحزاباً وشيعاً ، وتركوا للصهاينة وقوى الاستكبار العالمي أن يقتلوا الشعب الفلسطيني ويعيثوا في الأرض الفساد ، وهم في سكرتهم يعمهون ، ولا حياء ولا خجل مما يقال عنهم وما يفعل فيهم من الفحش . وهكذا أصبحت صرخة القدس في فلسطين ، كصرخة الحسين عليه السلام في كربلاء ، وكأنهما صرختي أحياء أجبروا على العيش بين الأموات في المقابر .

ولقد نجحت صرخة الإمام الحسين عليه السلام في بعث الحياة في ضمير المسلمين من جديد ، فاستيقظوا من غفوتهم على وقع دم الإمام الحسين عليه السلام المسفوك في كربلاء ، فلم تمضي سوى أشهر قليلة ، حتى أعطت ثورة الإمام الحسين عليه السلام ثمارها الطيبة ، فقد أدركت الأمة عظمت المصيبة ، وعظمت ذنب التقصير والخذلان وعدم النصرة ، وانفجرت الثورات ضد الظلم والعدوان والاستبداد والكبت ، للتكفير عن الذنب والتطهر بالتوبة ودماء الشهادة ، فألحقت الدماء الزكية الطاهرة الهزيمة بمن سفكها ظلما وعدواناً ، وتقوضت أركان دولة بني أمية ، وأفتضحوا في التاريخ ، وانتصر الدم على السيف ، وهزم الإمام الحسين عليه السلام قاتليه ، وسجل في صفحات التاريخ والوجدان الإنساني ، أن الإنسان الرسالي الواثق بربه ودينه ومنهجه وطريقه في الحياة ، والذي يطمح في بناء صروح الفكر والعقيدة والدين والوطن ، ويمتلك الإرادة والتصميم والاستعداد للتضحية بالنفس والنفيس ، لا يتحجج بالموانع والعراقيل التي يزرعها الأعداء في طريقه ، ولا تهمه قلة الناصر وخذلان القوم وتكالب الأعداء من حوله ، ولا يتراجع بحجة أن الأكثرية ضده ، إذا وقف على مفترق الطريق بين الحق والباطل ، والخير والشر ، والعدل والظلم ، والصلاح والفساد ، وإنه مستعد بكل وجوده للتضحية ، فيجمع المخلصين من أصحابه المستعدين للتضحية مثله من حوله ، ويقتحم بهم الميدان في سبيل الله الرب المحمود ورضاه ، وصيانة الدين وحفظه من الاعوجاج والانحراف ، وفي سبيل الدفاع عن الحق والعدل والحقوق الشرعية المكتسبة للأمة والشعب ، ولتكون كلمة الله والحق والعدل والحرية هي العليا ، وكلمة الكفر والنفاق والاستبداد والاستكبار هي السفلى .

وهكذا استطاع دم الإمام الحسين عليه السلام أن يبقي الروح المعنوية في حياة المسلمين ويبعث الحياة الإيمانية الجهادية التضحوية فيهم من جديد ، وكان الإمام الحسين عليه السلام ولا يزال الجذوة التي لا تنطفىء في قلوب المؤمنين ، ونبراس الثوار في دروب الفداء والتضحية والعطاء للإنسانية جمعاء ، وسوف يبقى المحرك لهم والشاهد على سلامة وشرعية نهج الرفض والمقاومة والجهاد الثوري المتحرك في نطاق التضحية حتى الاستشهاد إلى يوم الدين .

وكما نجح الإمام الحسين عليه السلام في ذلك كله ، فسوف تنجح صرخة القدس في فلسطين في بعث الحياة من جديد في العرب والمسلمين في الزمن المعاصر ، وقد لاحت في الأفق بوادر ذلك ، وأن سد الغضب سوف ينهار ، ليجرف الغضب الشعبي كل أشكال الظلم والاستبداد والاستكبار ، فقد صدمت الانتفاضة الضمير الشعبي العالمي والإسلامي خاصة ، وأن يوميات الانتفاضة الدامية تصدم كل يوم الواقع العربي المهزوم روحياً وأخلاقياً وسياسياً في كل نبضاته ومواقفه ، وتنذر بتحطيمه كلياً ، وأن الصبح لناظره لقريب ، فعلى القيادات الإسلامية في فلسطين وخارجها ، أن تعمل بكل جدية وحيوية للإبقاء على جذوة الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي المستمدة من حيوية خط الإيمان والإسلام مستمرة فاعلة ، ونفخ روح الشهادة والاستشهاد في قلوب الأجيال التي تتطلع إلى الحق والعدل والحرية ، وتوظيفها بكل قوة وحكمة للضغط على الواقع الرسمي الاستسلامي لفك الارتباط بالاستكبار العالمي ، وتحقيق الإرادة الشعبية في تقرير المصير ، ومنع الأجانب من التدخل في شؤون البلدان الإسلامية ، وكسر شوكة الباطل والظلم والاستبداد المتغطرس والكبت في أوطانهم .

يقول الإمام الخميني ( رحمه الله ) : ” …. ونحن نقاوم الأجانب بكل قوانا ولن نسمح للآخرين بالتدخل في أقطارنا ، ولا يجوز للمسلمين أن يسمحوا لغيرهم بالتدخل في شؤون بلادهم ” .

النقطة السادسة – صرختي إحياء للإسلام وإنقاذ للمستضعفين : لقد كانت صرخة الإمام الحسين عليه السلام صرخة إحياء للإسلام وإنقاذ للمستضعفين المظلومين في الأرض ، فثورة الإمام الحسين عليه السلام ، هي ثورة ضد اللاشرعية وضد الظلم والاستبداد ، واستنقاذ للحق الإلهي المغتصب وحق الناس في تقرير مصيرهم والعيش بأمن وسلام في الحياة ، وهكذا اليوم صرخة القدس ، فهي صرخة إحياء للإسلام العظيم وإنقاذ للمستضعفين ، فالقدس قبلة المسلمين الأولى وثالث الحرمين ، وهي أمانة في أعناق المسلمين ، والواجب الديني والأخلاقي والوطني يقضي بالعمل الدؤوب الفاعل لتحريرها من براثن الصهيونية الغاصبة ، ولا يجوز للمسلمين السكوت على احتلال فلسطين وما يجري فيها من الظلم الفظيع للشعب الفلسطيني على أيدي الصهاينة والاستكبار العالمي بقيادة أمريكا ، فمادامت مقدسات الإسلام تتعرض للتهديد والانتهاك ، فلن يكون في وسع المسلمين أن يقفوا مكتوفي الأيدي لا يفعلون شيئاً حيال ذلك ، فالمطلوب من المجاهدين الأشاوس أن يكيلوا الضربات العسكرية والسياسية والإعلامية والثقافية الموجعة للكيان الصهيوني الغاصب ولحماته من قوى الاستكبار العالمي من أجل تحرير فلسطين ، وإفشال كل مخططات الصهاينة في التهويد والتطبيع .

النقطة السابعة – صرختي تمييز وفصل بين معسكرين : معسكر المجاهدين الصادقين في مبادئهم ومواقفهم الصابرين على البلاء من أبناء الإسلام البررة والشعوب المستضعفة ، ومؤيديهم ومناصريهم بحق ، ومعسكر المنافقين الراكنين للدنيا الباحثين عن المكتسبات الخاصة والامتيازات المحرمة على حساب المصالح والحقوق العامة الإنسانية والقانونية والمكتسبات المشروعة للشعوب ، كتلك الأطراف الداعية إلى الحوار مع الكيان الصهيوني المغتصب ، المرتمية في أحضان أمريكا الداعم الأكبر للكيان الصهيوني وحاميه من الغضب الشعبي وسلطة القانون الدولي . . للحصول على الحل العادل منها !! وكتلك الأطراف المثبطة للشعوب المستضعفة وإعاقة جهودها ومطالباتها بالأساليب المشروعة لتحصيل حقها في تقرير المصير ، تلك الأطراف التي عاشت ولا تزال تعيش المساومات والتسويات وتقديم التنازلات غير الواقعية وغير الشريفة أحياناً بعيداً عن طموحات الشعوب وحقوقها الإنسانية والقانونية العادلة ومكتسباتها التاريخية المشروعة التي ضحت بدماء أبنائها وفلذات أكبادها من أجل تحصيلها وترسيخها ، وبعيداً عن الحق والعدل الديني والسياسي .. مقابل اللاشيء ، وقد عاشت تلك الأطراف ولازالت تعيش مع قضية القدس ، وقضايا الشعوب المستضعفة المسلوبة حقوقها العادلة ومكتسباتها المشروعة ، ومع قضية الإمام الحسين عليه السلام ، على مستوى الخطابات الرنانة والكلام الفارغ ، والشعارات البراقة ، والسعي لتغيير الرأي العام للشعوب المستضعفة بمغالطات لفظية وبالإثارة اللاهثة وراء السراب في المعادلات السياسية ، لتبرير الضعف والتهاون واللامبالاة ، وحب المال والجاه والمناصب وحب الدنيا الفانية وزينتها وزخارفها .. على حساب الآخرة والحق والعدل ، ولتبرير التراجعات السياسية غير الواقعية وغير الشريفة أحياناً ، ولتبرير الارتماء في أحضان الذل والهوان والتوقيع على القبول بالأمر الواقع المخزي وتدوير حركة الشعوب وتضحياتها في الفراغ غير المنتج ، لتوحي لنا تلك الأطراف بأن علينا أن نتفهم الظروف ، وأن نستفيد من فرصة الفتات الوحيدة التي لن تتكرر ، بعيداً عن الفعل الحقيقي بمستوى التحدي والحق الشعبي العادل .. وحق الرسالة ، وبدون السعي الجدي لتجميع عناصر القوة في الشعوب ، وتحريكها وتوظيفها في الاتجاه الصحيح من أجل التحرير والحصول على الحقوق العادلة والمكتسبات المشروعة ، وإنقاذ الحلم المشروع من أيدي الذين يسرقون أحلام الشعوب ويخنقون الأفق الواسع الكبير، وكأن حركة التاريخ في غاية الجمود عن الحركة والتبدل ، وكأن الله جل جلاله لم يقل في محكم كتابه ” وتلك الأيام نداولها بين الناس ” ( آل عمرا : 140 ) ولا تتورع هذه الأطراف عن شن الهجمات الإعلامية والثقافية الوحشية من أجل إسقاط الروح الجهادية والأمل المادي والروحي عند الجماهير ، ومن أجل إغلاق الأفق الواسع الكبير في وجه تطلعاتها إلى الحرية والعدل واسترداد الحقوق والحصول على الحياة الكريمة ، ولا تتورع هذه الأطراف عن تقديم حقوق الشعوب ومكتسباتها المشروعة قرباناً لأحلام المستكبرين والمستبدين ، وإفراغ الواقع الشعبي من كل مواقع القوة ، ليعيش الضعف في المواقف على جميع المستويات ، وحرمان الشعوب المستضعفة من حق تقرير المصير .

وقد أثبتت التجارب التاريخية والمعاصرة بأنه لا خلاص من الاستبداد والاستكبار لا سيما الصهاينة ، إلا بالمقاومة والجهاد والتضحية ، ويجب على كافة المسلمين تقديم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني المظلوم ، وإلا كافة الشعوب التي تجاهد من أجل حقها في تقرير المصير ومن أجل العدل واسترداد الحقوق المغتصبة .

والخلاصـة : إن يوم عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام ، ويوم القدس العالمي ، هما يومين للفصل بين الحق والباطل ، والعدل والظلم ، والخير والشر ، ويومي مواجهة بين المستضعفين والمستكبرين ، وهما اليومين الذين يثبت فيهما المسلمون والمستضعفين وجودهم بوجه الطواغيت والفراعنة وقوى الاستكبار العالمي ، ويطالبون بحقوقهم العادلة ومكتسباتهم المشروعة في الحياة ، وهما يومي التحذير للذين يعملون من أمام الستار ومن خلفه ضد مصالح الشعوب وحقوقهم التاريخية ومكتسباتهم المشروعة ، التحذير لهم من خزي التاريخ وعذاب الآخرة ، وتذكيرهم بلغة الأرقام والشواهد الحية المعاصرة والتاريخية : بان أيام الاستكبار والاستعباد قد وللت إلى غير رجعة ، وأن حبل أطماعهم قد انقطع ، وأن عليهم أن ينتظروا الأسوأ ما لم يثيبوا إلى رشدهم وينصفوا الناس من أنفسهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى