بيان صيحة وطن

بسم الله الرحمن الرحيم

لكل مواطن حر مهتم بأمر الوطن والمواطنين ..

لنفتح عقولنا وقلوبنا جيدا ، ونعود إلى ربنا عز وجل ، وضميرنا الإنساني ، وحسنا الإسلامي والوطني ، ونستفتيهم بأمانة وصدق في حقيقة ما نحن فيه من أوضاع دينية وقانونية وسياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها ، وما يمكن أن يؤول إليه مصيرنا كمواطنين نمثل أصحاب الحق الأصيل في هذا البلد الطيب البحرين ( الشعب مصدر جميع السلطات ) في ظل ممارسات السلطة الجائرة مثل : الانقلاب على الدستور العقدي وميثاق العمل الوطني الذي صوت عليه الشعب ، وفرض دستور المنحة من طرف واحد على الشعب ،والتجنيس السياسي الذي فاق كل حدود المعقول ، ونهب ثروات الشعب وسرقة أراضيه بغير حدود ، في الوقت الذي لا يجد الكثير من المواطنين قوت يومهم والسكن الذي يؤويهم ، وفي ظل الفساد الإداري ، والتمييز الطائفي ، وتقييد الحريات ، وممارسة العنف وإرهاب الدولة ضد أبناء الشعب ، وغير ذلك . وما هي مسؤولياتنا الدينية والوطنية بالتحديد على ضوء ذلك كله ، بعيدا عن الحمية الجاهلية ، والعصبيات الطائفية والمذهبية والفئوية والحزبية والشخصية والمزاجية وغيرها ، وبعيدا عن الفوقية الناتجة عن تضخم الذات ، وبعيدا عن الانسحاق أمام الآخرين أو الأوضاع الصعبة ، وبعيدا عن التطرف أو السقوط أمام الأمر الواقع الصعب . على أن نستند في تقييمنا للأوضاع وتحديد موقفنا منها على ضوء ما نملكه من حق أصيل ، وعلى شعورنا بعزتنا وكرامتنا الإنسانية التي لا تنازل عنها بأي حال من الأحوال ، وعلى أساس تكليفنا الشرعي في ظل عبوديتنا لله الواحد القاهر فوق جميع عباده ، ومسؤوليتنا الوطنية الأكيدة .

إني أجد بأنه لم يبق لأبناء الشعب في ظل ( دستور : 2002 ) شيء مما سمي بمشروع الإصلاح سوى صورة باهتة لبرلمان مشلول ، قد ذهب بحكم التجربة مفعولها الوهمي في أذهان البعض ونفوسهم كما الواقع ، وبقيت الصورة ـ بحسب النتائج ـ تثير الألم والنفور لدى المواطنين الذين لم يقعوا تحت تأثير التخدير بأي مفعول تجهيلي طائفي أو حزبي أو تصورات وهمية أو غير ذلك . إني أدعو بهذه المناسبة بعض السادة النواب إلى التحلي بالشجاعة الأدبية الكافية والإعلان عن قناعتهم الفعلية حول التجربة بحسب نتائجها كما يهمسون بها في آذان القريبين منهم ، وعدم المساهمة في تسويق الأمل الكاذب إلى الناس . وأدعو الجماهير الأعزاء إلى الفصل في تقييم التجربة بين الثقة في الأشخاص المشاركين فيها والتقييم الموضوعي لها من خلال نتائجها الفعلية على الأرض وعدم الخلط بين الأمرين لكي لا تلتبس الأمور وتضيع البوصلة في التقييم . فقد ضاعت في ظل دستور : 2002 ومؤسساته الصورية والتجربة العقيمة للمشاركة الحقوق الأساسية للمواطنين ، وتحقق الضرر ووقع عليهم بالفعل ، وانتهكت الكرامة الإنسانية والوطنية ، وسيطر اليأس من الإصلاح على نفوس غالبية المواطنين ، وبرزت مظاهر الغضب والتذمر وفقدان الصبر والكفر بهذه السلطة وممارساتها الجائرة ، وبقي البعض يعيش بعض الأمل الباهت ثقة منه بمن يحب وليس إيمانا منه بالتجربة . والدليل على ذلك ما تشهده حوارات المجالس على طول الساحة الوطنية وعرضها ، والشعارات الغاضبة المطروحة في التجمعات والمسيرات الجماهيرية ، التي تدل بوضوح لا لبس فيه لدى كل متتبع حصيف على خطورة ما يمكن أن تأول إليه الأمور من انفلات ما لم تتم معالجتها بحكمة وحزم ، ويتم التنفيس من الاحتقان لدى الجماهير . ومن الناحية المعيشية والاجتماعية : فإن أوضاعا صعبة عسيرة تنتظر المواطنين على ضوء مستقبل النفط والغاز الآيلين للنضوب قريبا ، وسرقة أراضي الدولة وثروات الشعب بغير حدود ، وضعف البنية التحتية ، وغلاء الأسعار ، وانخفاض الأجور ، وزيادة الرسوم وتكاليفها ، وتفشي البطالة ، والزيادة الجنونية في عدد السكان عن طريق التجنيس السياسي الذي فاق كل حدود المعقول ، وما يتوقع أن ينتج عنه ـ بطبيعة الحال ـ من أعباء اقتصادية تؤثر سلبا على معيشة المواطنين والخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة إليهم ، والتي تعاني أصلا من نقص ، وما يتوقع أن ينتج عنه من إعاقات وتشوهات في البنية الاجتماعية والثقافية والتركيبة السكانية ، وتفضيل المجنسين على السكان الأصليين في التوظيف والخدمات ، وغياب سلطة القانون الذي يحمي مقدرات الشعب وثرواته ويحمي حقوق المواطنين الطبيعية فيها ويحمي الاستثمار ، وجعل كل الأمر بيد المتنفذين من القائمين على السلطة يمارسونه دون غيرهم بسلطات مطلقة فوق القانون . ومن الناحية الأمنية : فقد خرجت البلاد عمليا من العهد الأمني البريطاني الذي قاده هندرسن بتكليف من الحكومة البريطانية العمالية منذ عام : 1966م ودخل مرحلة السبات منذ إقالته في : فبراير ـ شباط / 1998م وحتى توقيع وزير الداخلية البحريني اللواء الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة الاتفاقية الأمنية مع الإدارة الأمريكية الذي وقعها نيابة عنها سفيرها في البحرين ويليام مونورو في يوم الثلاثاء بتاريخ : 12 / يونيو ـ حزيران / 2007م لتدخل البحرين بذلك رسميا وعمليا في العهد الأمني الأمريكي المعروف بشراسته الدموية وعقلية الكي بوي . وقد تزامن ذلك مع خروج بلير الحليف الوفي لأمريكا من الحكومة وتوقع بعض التغير في موقف الحكومة البريطانية بشأن علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية ، ومع توقع مواجهات عسكرية كبيرة قادمة في المنطقة ، وتصاعد وتيرة الفتنة الطائفية في العراق والسعي إلى تصديرها إلى لبنان واحتمال انتقالها إلى دول أخرى في المنطقة برعاية أمريكية ، واحتدام الصراعات السياسية بين الأطراف الموالية لأمريكا والمعارضة لها وتحولها بتشجيع منها إلى صدامات عسكرية في بعض المناطق وتشجيعها على الانقلابات السياسية على الشرعية الدستورية كما هو الحال في البحرين ولبنان وفلسطين واحتمال انتقالها إلى أية نقطة أخرى في المنطقة استنادا إلى عقلية الكي بوي الأمريكية التي جعلت من أمريكا الشيطان الدموي الأكبر والأوسخ في التاريخ ، ومع الاستعدادات الأمنية في البحرين من خلال النشاط المخابراتي الكثيف وتطوير قوات الشغب وغيرها من الجهات الأمنية على مستوى التدريب والاستعدادات الميدانية ، مما ينذر بأخطار أمنية جدية تهدد شعب البحرين المسالم المظلوم . وفي ظل ذلك كله لا نجد الحد الأدنى مما نطمح إليه في عمل المعارضة مما تقتضيه تطورات الأوضاع على الساحة الوطنية ، حتى أن صدور القوانين الخطيرة المقيدة للحريات العامة مثل : قانون الجمعيات ، وقانون التجمعات ، وقانون الإرهاب ، وصدور تقرير البندر الذي كشف بالأدلة الحسية عن مؤامرة مكتملة الأركان ضد هذا الشعب المسالم ، وقتل الشهيد السعيد عباس الشاخوري ، والانتهاكات الخطيرة لحقوق المواطنين على كافة الأصعدة ، كل ذلك وغيره لم يستطع أن يوجد الحد الأدنى اللازم من الحركة لدى أطراف المعارضة ، لأنها ـ بحسب الظاهر ـ ابتليت ببعض العوامل التي أثرت سلبا على حركتها . وفي العادة فإن هناك عدد من العوامل من شأنها أن تؤثر سلبا على أداء المعارضة ينبغي عليها الحذر منها .. منها : غياب الرؤية الواضحة في العمل ، وضعف الإرادة السياسية ، وقلة الاستعداد إلى التضحية والفداء من أجل الدين والوطن ، والقبول بالأمر الواقع والوقوع في أسره ، والانغلاق على النفس وعدم الاستفادة من خبرات الآخرين وتجاربهم ، والوقوع في أسر الأعداد ( لن نغلب عن قلة ) والمكابرة عن الجلوس إلى الغير المختلف بهدف التنسيق ، ورؤية الذات على حساب رؤية الرب والواقع ، وفرض الأشخاص وغياب المؤسسات ، وحالة الاستئثار والسعي غير المبرر لإقصاء الآخر ، والاعتقاد لدى أي طرف بأنه صاحب الحق والأولى من غيره بالاستحواذ على الساحة والجماهير ، والسماح بالضرب تحت الحزام لمن نختلف معهم من أخوة النضال ، وغيره ذلك مما هو في الحقيقة على خلاف المبادئ الدينية والإنسانية وعلى خلاف ما تقتضيه المصلحة الإسلامية والوطنية .

إني أجد بأن الأخذ بالخطر المتمثل في الأوضاع القائمة على الساحة الوطنية في البحرين في الوقت الحاضر هو فوق كل الاعتبارات الشخصية والمجاملات الخاصة ، وهو فوق أنانية كل أناني ، ومصلحة كل من لا يفكر إلا بنفسه ، وأرى بأن للمجاملة حدود يجب أن تتوقف عندها ولا تتعداها ، وأن كل من لا يستيقظ على إيقاعات الأوضاع المأساوية في البحرين ، فهو ميت لا ترجى له الحياة أبدا !!

إنني أرى التالي ..

أولا : ضرورة توقف قوى المعارضة الأساسية عن المشاركة في التجربة البرلمانية الصورية القائمة حاليا وخروجها منها ، وذلك لأنها غير قادرة من خلال المشاركة على أن تفعل شيئا ذا قيمة تذكر ، ولأن مشاركتها تكرس الأمر الواقع ( الدستوري والسياسي ) الظالم والمتخلف في البلاد ، وتحشر البلاد والعباد في نفق مظلم مغلق ، وتسد بإحكام منافذ الإصلاح . ولأنها ـ بحسب التجربة ـ ترسخ التراجعات فيما يعرف بالمشروع الإصلاحي وتضفي عليها صفة الشرعية والقبول ، وتشجع السلطة التنفيذية على التصعيد الأمني وممارسة العنف وإرهاب الدولة ضد أبناء الشعب الأبرياء ، وتكرس سياسة المكرمات على حساب دولة المؤسسات والقانون ، وتؤدي إلى الإضرار بمصالح المواطنين الحيوية ومعنوياتهم وسلب حقوقهم الأساسية ، وتؤدي إلى الإضرار بسمعة الرموز والقيادات وبدورهم على الساحة الوطنية على المدى المتوسط والبعيد ، ولدورها في تكريس الطائفية والتمييز بين المواطنين ، ولدورها في القضاء على قوى المعارضة بعد أن جعلتها أسيرة بالكامل بيد السلطة التنفيذية الجائرة .

والخلاصة : أن توقف قوى المعارضة الأساسية عن المشاركة في التجربة البرلمانية العقيمة والبائسة القائمة حاليا ، هو شرط لابد منه لفتح الباب من جديد للإصلاح في البلاد ، إذ لا أمل يرتجى في الإصلاح من خلال الاستمرار في هذه التجربة البائسة الخانقة للوطن والمواطنين ، بخلاف ما يطالب به بعض الأحبة من الانتظار أكثر للحكم على التجربة ، فإني أجد أن السلبيات سوف تتراكم وسوف تسوء الأوضاع أكثر كلما طالت فترة المشاركة في هذه التجربة .

ثانيا : المطالبة بوضع دستور عصري جديد ، يحفظ حقوق المواطنين الأساسية ، ويلبي الحاجة لتقدم المسيرة الوطنية وازدهارها ، وذلك من خلال هيئة تأسيسية منتخبة تمثل إرادة الشعب بحق وحقيقة ، ولا تسمح باختطاف الإرادة الشعبية من خلال جحافل المجنسين . والسعي الجدي لتحقيق هذا الهدف الوطني الاستراتيجي ، بالاتكال على الله عز وجل ، والاعتماد على الجماهير . وأرى بأن المعارضة إذا استسلمت للأمر الواقع وقبلت به ، ولم تتخذ هذا الموقف بشقيه ، فإن الوطن سوف يختنق ، وسوف تسير الأوضاع في البلاد من سيء إلى أسوأ ، وتؤول الأمور إلى مالا يحمد عقباه .

وفي الختام : أسأل الله الرحمن الرحيم حسن العاقبة لي ولكافة إخواني ، والمجد والازدهار للبحرين العزيزة ولشعبها ، والحمد لله رب العالمين .

صادر عن : عبد الوهاب حسين .

عصر الجمعة .

بتاريخ : 7 / جمادى الثانية / 1428هج .

الموافق : 22 / يونيو ـ حزيران / 2007م .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى