كتابات الدكتور الجمري حول ثلاثة اعوام على الانتفاضة
ثلاثة اعوام على الانتفاضة:
المعارضة في البحرين معتدلة ويجب فتح حوار معها لحل الازمة السياسية
كتبه: دكتور منصور الجمري
تكمل الانتفاضة الشعبية في البحرين عامها الثالث (في 5 ديسمبر) خاضت خلالها المعارضة وجماهيرها أحداثا صعبة وامتحانات حرجة حول طرحها الفكري ومطالبها السياسية وأساليبها العملية. وفي الحقيقة فإن حركة المعارضة في البحرين تميزت بنهجها المعتدل حسب ما أكد ذلك مختلف المراقبين السياسيين ومنهم وزير الدولة البريطاني المسؤول عن
الشرق الأوسط، السيد ديريك فاتشت الذي قال في 3 يونيو 1997، “أن المعارضة في البحرين معتدلة ومطالبها معتدلة”. ويقصد بالاعتدال هنا أن المطالب المطروحة يوافق عليها الإسلامي والعلماني، وفي الوقت ذاته فإن هذه المطالب لم تدع لإسقاط النظام. واستمرت المعارضة في طرح مطلبها الرئيسي وهو عودة البرلمان المنحل والعمل بدستور البلاد.
إن مجتمع البحرين المسلم ينقسم من الناحية المذهبية لطائفتي السنة والشيعة، والأخيرة تمثل ثلثا المواطنين تقريبا. والخلفية الثقافية لمجتمع البحرين تعتمد على الأسس الدينية، والمعتقدات الإسلامية تغطي مساحة واسعة من الجانب الاجتماعي ـ السياسي. من ناحية أخرى، تمثل القبلية الخلفية الثقافية لمؤسسة الحكم التي تسيطر عليها عائلة آل خليفة التي تحكم البحرين منذ قرنين من الزمان. أما خلفيات المعارضة فهي متنوعة من الناحية الثقافية، إذ تشمل الإسلاميين الشيعة والإسلاميين السنة واليساريين والليبراليين. وسيتطرق البحث للخلفيات الثقافية مع التركيز على تلك الجوانب التي تحتاج لمزيد من التوضيح.
ثقافة المؤسسة الحاكمة:
يوضح كل من أميل نخلة (1976) واسحاق الخوري (1980) في كتابيهما الشهيرين عن البحرين، طبيعة التناقض بين منطق الحكم القائم على الفهم القبلي والحكم القائم على أسس المجتمع المدني المعتمدة على مفاهيم المشاركة الشعبية والمحاسبة العامة والشفافية في التعامل بين الحكومة والشعب. وكمدخل لفهم التناقض بين المفهومين نرجع إلى التعريف “شبه الرسمي” لدولة البحرين. ويمكن الحصول على هذا التعريف من قراءة الصفحات الخاصة المعنونة “دولة البحرين” المنشورة في “دليل الهاتف” الصادر عن شركة بتلكو في البحرين. فذلك القسم الخاص يحتوي على أربعة أسماء وهي: أمير الدولة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، ولي العهد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، والشيخ راشد بن عيسى آل خليفة. هذا التعريف شبيه بالتعريف الذي طرحه الملك الفرنسي لويس الرابع عشر (عاش بين 1638ـ1715) الذي قال “أنا الدولة”.
من الناحية التاريخية، فقد نحى الفهم القبلي (المتطرف) لطريقة الحكم بعدم قبول مفهوم “الحقوق المدنية”، وأن أقصى ما يمكن السماح به هو إفساح المجال لإبداء الرأي حول جوانب محددة من الشؤون العامة. وعلى أي حال فإن أي مشورة ليست لها صلاحية نافذة ومستقلة بذاتها، والأمر يرجع في النهاية للسيادة “القبلية” في أن تقبلها أو ترفضها.
تعتمد هذه الثقافة المتطرفة على مفاهيم العصبية القبلية التي تعبر عنها مقولة “أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب”. وتحقق القبيلة سيادتها من خلال قهر القبائل والمجاميع البشرية الأخرى، وتتم إدارة شؤون ذلك التجمع من خلال مجلس يرأسه شيخ القبيلة ويحضره أقارب الزعيم لتداول الشؤون العامة. وفي جميع هذه المجالس فإن الحوار الشاق والانتقاد ينظر له نظرة غير مقبولة، وتحبذ القبيلة أن تكون هذه المجالس مملوءة بالشعر ومدح الزعيم، على أن يستلم أفضل متحدث على هدايا. والهدايا والمنح هي الأساس، فليس هناك حق لأحد. والجميع عليهم الإذعان بأن المسيطر له الحق في الاستحواذ على كل شيء، وما يقوم به من توزيع للثروات ما هو إلا منحة وتكريم ملزوم بشكر وتفان ومزيد من المديح من المستلم “للهدايا”.
صحيح أن الإسلام بدأ في مجتمع قبلي، إلا أن الرسول (ص) علم المسلمين أن الله جل شأنه هو الواحد الأوحد الذي يرزق من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء وان الناس سواسية كأسنان المشط وان التسامح والاخوة والاجتهاد في الخير من اساسيات المجتمع الذي تسوده العدالة. والبحرين لم تعرف الثقافة القبيلة وسيلة للحكم إلا مع مجيء عائلة آل خليفة للحكم قبل قرنين من الزمان. فالبحرين هي “ديلمون” مهد للحضارة والمدنية بمستواها القديم. ثم تطور المجتمع ليعتمد على التجارة والزراعة والعلم على مر السنين. وانتهى عصرها الذهبي مع مطلع القرن الثامن عشر عندما انتشرت المجاعة في المناطق المجاورة (الجزيرة العربية) وشرعت عدد من القبائل للنزوح إلى المناطق المزدهرة، التي كانت البحرين أحدها. ولهذا تعرضت البحرين لغارات متواصلة ابتداءا من العام 1700 ولأكثر من 100 عام بعد ذلك، مما أدى لتدمير قراها التي أحصاها الربان أحمد بن ماجد في القرن الخامس عشر (1498م) بـ360 قرية. وتحدث الربان بن ماجد عن وجود ألف قارب تجاري يعتمد على تجارة اللؤلؤ ووفرة الماء العذب والخير الوفير. ولكن شن الغارات المتكررة، ادى لتدمير أكثر من 200 قرية وتشريد أهلها. وهذه هي الفترة التي يطلق عليها أهل البحرين اسم “خراب البحرين”. وعندما سيطرت بريطانيا على الخليج في العام 1820 سعت لتعزيز الحكم القائم على أساس قبلي لأن ذلك كان يناسب السياسة البريطانية الساعية لحماية الطرق المؤدية للهند. واستمرت سيطرة بريطانيا على البحرين حتى العام 1971.
المطالب الديمقراطية في البحرين:
المطالب الديمقراطية ليست جديدة وترجع إلى مطلع القرن العشرين. ينقل هولدن (Holden)، في مذكراته الصادرة في العام 1966، أحاسيس خريج جامعي في البحرين، إذ يقول: “إننا نعامل كالأطفال، ليس لدينا برلمان، أو صحافة، أو نقابة، أو محاكم عصرية، أو قوانين عصرية”. كما نقلت جريدة الفايننشال تايمز الصادرة في 31 مايو 1983 أحاسيس الشارع البحريني عندما قالت “الموضوع الرئيسي المطروح في الساحة السياسية في البحرين هو التساؤل فيما إذا كانت الحكومة ستعيد الحياة للمجلس الوطني”. وتقول الجريدة “منذ أن حل البرلمان بواسطة الحكومة القلقة والتكهنات تتردد فيما إذا كان الحاكم سيعيد البرلمان في يوم من الأيام. وهذه التكهنات تزداد مع الأحداث، مثل تعيين مجالس شورى في قطر وعمان (في تلك الفترة) بالإضافة لإعادة تعيين مجلس شورى في الإمارات وعودة مجلس الأمة المنتخب في الكويت”. واستنتجت الفايننشال تايمز قولها “ليس من السهل أن تجد شخصا واحد سواء كان من العائلة الحاكمة أو خارجها من يستطيع معارضة عودة البرلمان. ففي البحرين يشعر الناس بضرورة تحررهم”. وعندما سألت الفايننشال تايمز أعضاء الحكومة عن تصوراتهم حول عودة البرلمان كان الجواب “أن عودة البرلمان سوف يساعد على التدخل في الشؤون الداخلية”. وأن “إيران سوف تحرض الشيعة”. ولو كانت الجريدة قد أجرت التحقيق ذاته في الخمسينات والستينات، فإن الدولة التي كان ستتدخل في الشؤون الداخلية هي مصر، بينما لو كانت الفترة في مطلع السبعينات فإن الدولة كانت ستكون اليمن الجنوبي. وخلصت الفايننشال تايمز بالقول: “إن المتحررين سياسيا يؤكدون بإن الأشخاص على رأس السلطة، وخصوصا رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان، وببساطة لا يريدون مجلسا وطنيا ولا يرونه مهما ويقولون أن وجود برلمان سيعطل مسيرة التنمية”.
لقد صورت الفايننشال تايمز وبصورة دقيقة طرفي المعادلة السياسية في البحرين. الطرف المطالب بعودة البرلمان والطرف الماسك بزمام الحكومة والذي يرى في البرلمان “تعطيلا لمسيرة التنمية”. والحقيقة فإن الادعاءات بتعطيل التنمية من جانب والتدخل في الشؤون الداخلية من جانب آخر يتم عرضها للتغطية على حقيقة أخرى وهي عدم استطاعة العقلية الحاكمة تطوير ذاتها للوصول إلى مستوى الوعي المنتشر في أوساط الشعب وتحمل المسؤولية بروح عصرية متطورة تعتمد على مفاهيم المجتمع المدني.
لقد عبرت النخبة السياسية وجماهير الشعب عن المطالب الديمقراطية في العام 1938، وفي انتفاضة 1954ـ1956، وحركة 1965. وفي كل مرة تقوم السلطة المدعومة بالجيش البريطاني (قبل 1971) بسحق المعارضة ونفي قادتها وسجن الناشطين وشن حملات قمع واسعة لإخراس الشعب. ولو رجعنا قليلا للعشرينات فسنرى أن المستشار البريطاني شارلز بليغريف قد أسس الإدارة الحديثة للدولة ابتداء من العام 1926 حتى إخراجه من البحرين بعد الانتفاضة الشعبية في العام 1957، أسسها معتمدا على نهج خاطئ، عندما دمج التركيبة القبلية بإدارة الدولة. ومع انتشار التعليم الحديث وظهور طبقة عمال النفط في الثلاثينات بدأت الفعاليات الوطنية برفع شعارات حكم القانون (الدستوري) والانتخابات والبرلمان والمشاركة الشعبية. ولكن شارلز بليغريف وقف بشد ضد تطلعات شعب البحرين وقال أن البحرينيين غير مؤهلين للديمقراطية ولو بعد مائة عام. غير ان العائلة الحاكمة احتاجت لرضا الشعب في مطلع السبعينات عندما أعلنت بريطانيا عزمها الانسحاب من شرق السويس والخليج. وبدأت العائلة الحاكمة تتقرب من الأوساط الشعبية لأول مرة، وكان من نتيجة ذلك أن أعلن استقلال البحرين في العام 1971، وانتخب نصف أعضاء المجلس التأسيسي الذي صادق على دستور البلاد وانتخب المجلس الوطني في 1973. إلا إن المجلس الوطني سرعان ما اصطدم بعقلية الحكم المتطرفة الرافضة في الأساس لمفهوم المشاركة الشعبية، وكانت الأزمة قد تصاعدت عندما حاولت الحكومة فرض قانون أمن الدولة السيئ الصيت، وعندما أسقط البرلمانيون ذلك القانون اغتنم رئيس الوزراء الفرصة وانسحب مع وزرائه من المجلس الوطني وقام الأمير بحل المجلس الوطني في 26 أغسطس 1975. ما بين 1975 و1979، كانت الحكومة قد استخدمت الفائض النقدي الذي وفرته الطفرة النفطية لإسكات المطالب بينما كان رموز المعارضة الوطنية يرزحون في السجون. أما الهدية الكبرى للعائلة الحاكمة فجاءت بعد العام 1979 اثر انتصار الثورة الاسلامية في ايران. فقد وفر العداء بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية الناشئة والولايات المتحدة الفرصة لاتهام أي تحرك بارتباطه بإيران ومن ثم ممارسة أشد أنواع العذاب والقسوة ضد كل مصلح يرفع صوته من أجل حقوقه وحقوق المواطنين. واستغلت العائلة الحاكمة سنوات الثمانينات لتعزيز الحكم القبلي الصارم من خلال استخدام التفرقة الطائفية والعنصرية بشكل سافر لم يعد ذلك مخفيا على أي فرد عرف البحرين أو عاش في البحرين لفترة حتى لو كانت وجيزة.
الانتفاضة الشعبية الحالية:
بعد انتهاء الغزو العراقي للكويت في العام 1991، واكتساح الرياح الديمقراطية لأجزاء كبيرة من العالم بدأت النخبة السياسية في البحرين التحرك للتعبير عن إرادة الشعب ومطالبه الحقوقية، ونتج عن ذلك عريضة نخبوية وقع عليها أكثر من 300 شخصية في العام 1992. وتصدر العريضة لجنة مثلت الاتجاهات الفكرية الإسلامية والوطنية ومثلت كذلك مجتمع البحرين بقسميه الشيعي والسني. وعبرت العريضة عن الطرح المتقدم للمعارضة الوطنية التي قادت الحالة السياسية إلى نهج دستوري حقوقي معتدل. ولكن العائلة الحاكمة رفضت الاستماع لتلك المطالب. ولهذا السبب شرعت النخبة السياسية ذاتها لطرح المطالب السياسية على الجماهير واستطاعت في العام 1994، من الحصول على 25 ألف توقيع من المواطنين يطالبون بعودة الحياة البرلمانية وحكم القانون الدستوري وإعطاء المرأة حقها السياسي وإنقاذ البلاد من التراكمات السيئة الناتجة عن تغييب الدستور ومنع الحريات العامة.
كان الخامس من ديسمبر 1994، اليوم الذي انفجرت فيه الأوضاع وذلك عندما قررت قوات الأمن حسم المطالب السياسية من خلال شن هجمة شرسة ضد الناشطين السياسيين شملت الشيخ علي سلمان. وهكذا خرجت الجماهير إلى الشوارع لا بتخطيط من المعارضة وإنما كردة فعل على استخدام العنف والقوة من قبل أجهزة الأمن. وتبنت السلطة استراتيجية محددة وركزت الهجوم على أبناء الطائفة الشيعية فقط. وبهذا ارادت
تحقيق عدة أهداف. فمن جانب فإن الحكومة ستتحدث عن ارتباط الشيعة بإيران وستحصل على رخصة دولية لقمع الشعب من خلال قمع الشيعة. ومن جانب آخر فإن الحكومة ستعزل أبناء الطائفة السنية من خلال الإيحاء لهم بأن العائلة الحاكمة لا تستهدفهم بل العكس ستحميهم من “الخطر الشيعي”. واعتقدت العائلة الحاكمة أن استهداف الشيعة أمر مربح ومقبول إقليميا ودوليا. وعلى هذا الأساس لم تتورع قوات الأمن من ارتكاب أسوأ أنواع القمع من قتل تحت التعذيب وقتل خارج القانون واعتداء على الأطفال والنساء والكبار وتخريب المنازل والمساجد وتنظيم حملات عقوبات جماعية وسجن الآلاف في المعتقلات والخيام واستيراد مزيدا من الجنود الأجانب ومنحهم الجوازات البحرينية وتسليطهم على أبناء الشعب. بل أن العائلة الحاكمة لجأت إلى الحكومات الخليجية الأخرى طالبة المساعدات المالية “لمواجهة الخطر الشيعي”. وبالفعل انهالت المساعدات المالية لتعزيز الحالة الدكتاتورية في محاولة لخلق واقع يقول بأن العودة إلى البرلمان أمر مستحيل في البحرين، وأن إصلاح الحكومة الحالية باتجاه إدخال العامل الشعبي في المحاسبة وتحمل المسؤولية العامة هو آخر أمر يفكر فيه المسيطرون على زمام الحكم. وعندما حاول بعض أصحاب النفوذ السياسي التوسط بين الأطراف لحلحلة الأمور صعدت الحكومة وتيرة المواجهة من خلال الإعلان عن موعد لمحاكمة عدد من أفراد المعارضة في الخارج في مطلع نوفمبر 1997. وجاء هذا الإعلان لقطع الطريق أمام عدد من المحاولات المخلصة من البحرين والخليج للتوصل لمخرج للأزمة السياسية المستمرة. وكانت الحكومة قد رفضت اللقاء بأي وفد وطني مشترك بين الشيعة والسنة. وأصرت خلال شهور الانتفاضة على اللقاء بأشخاص مقربين للسلطة، واستقبلت هؤلاء على مجموعتين منفصلتين: مجموعة شيعية وأخرى سنية. وعندما حاول عدد من
الوجهاء جمع شخصيات شيعية وسنية للمبادرة بحل الوضع السياسي، تم الاتصال بهم مباشرة وأخبروا بأن عليهم التوقف عن هذا النوع من العمل لأنه خط أحمر. وهذه الحقيقة (أن السلطة تتعامل بصورة طائفية بحتة في اللقاءات) أشار إليها بيتر والدمان في تقريره من البحرين الذي نشر في جريدة الوول ستريت جورنال بتاريخ 12 يونيو 1995، إذ يقول “المطالبة بالديمقراطية وحدت الطائفتين المسلمتين. ففي ربيع هذا العام طلبت شخصيات شيعية وسنية مرموقة اللقاء بالأمير لمناقشة الأوضاع، ولكن طلبهم رفض. وفي المقابل، اجتمع الحكام بصورة منفصلة مع مجموعة من كلتا الطائفتين. وحسب ما قاله الذين حضروا الاجتماعين، فإن المجموعة السنية تم الحديث معها بلطف وأخبروا بأن الشيعة قد تمت السيطرة عليهم. أما المجموعة الشيعية فإنهم أمروا بلهجة شديدة صدرت من الأمير نفسه، بأن عليهم ايقاف العنف فورا، وقبل الحديث عن أي موضوع”.
تحديات حرجة:
هناك فرق رئيسي بين الانتفاضة الحالية والانتفاضة التي ظهرت في 54ـ1956. فلقد كانت انتفاضة الخمسينات تحظى بدعم عدد من الدول العربية، من بينها مصر، ومن جانب آخر لم تكن الطائفية السياسية قد وصلت إلى الجماهير بالدرجة التي وصلت إليها منذ مطلع الثمانينات. ففي الخمسينات كان سنة البحرين (و يتمركز ثقلهم السياسي في مدينة المحرق بالأساس) يتظاهرون مع إخوانهم الشيعة ويرفعون نفس المطالب. فالحركة الجماهيرية كانت مشتركة. أما في التسعينات فإن الحركة الجماهيرية (الشارع العام) المتحركة تمركزت في الطائفة الشيعية. ويرجع هذا الأمر إلى أن الحرمان السياسي والبعد النفسي بين النظام الحاكم وأبناء الطائفة الشيعية قد ازداد بدرجات كبيرة خلال فترة الثمانينات. يضاف إلى ذلك أن الحركة الدينية الشيعية والسنية لم تستطع أن تعبر الحدود المذهبية الضيقة التي فرضتها طبيعة الفكر السياسي الذي انتشر في الثمانينات وفرضتها كذلك سياسة الحكومة الطائفية. ولهذا ففي الوقت الذي اتحدت فيه النخبة السياسية والطبقة المتوسطة بصورة عامة حول برنامج العمل السياسي الوطني، كانت الحكومة تعي أن الشارع المؤهل للتحرك
هو الشارع الشيعي، ولهذا استهدفت الطائفة الشيعية بقسوة ودون أي رادع إنساني وسجنت الصغير والكبير، الرجل والمرأة، واعتدت على حرمات المنازل والمساجد وكل منطقة كانت تعتبر منطقة لها حرمة في يوم ما. والحكومة تعلم أن الهجوم على فئة من المجتمع سوف يولّد ردود فعل مضادة كانت الحكومة استعدت لاستخدام العنف لمواجهتها. ولكن ما لم تتوقعه الحكومة هو أن الوعي الحقوقي قد تغلغل في الأوساط الشعبية وأن الطائفة الشيعية، وبسبب استمرار الحرمان السياسي لها، قد حصنت نفسها لتظهر تحملا وصمودا ومواصلة وحماسا لم تكن تحسبه أجهزة الأمن والمخابرات. وقد بدا واضحا أن الهجمة، بالإضافة لكونها غير إنسانية، استهدفت تقديم الشيعة قرابين لتنفيذ الاستراتيجية التي التزمتها الحكومة منذ الأيام الأولى. تلك هي استراتيجية اتهام الحركة المطلبية بارتباطها بالمذهب الشيعي وبإيران، وبالتالي الحصول على دعم الولايات المتحدة (بالأساس) ودعم الدول الإقليمية لقمع تطلعات شعب البحرين، والاستمرار في النهج الدكتاتوري في الحكم. ومن أجل كل ذلك لم تتردد الحكومة وممثليها (وخصوصا في واشنطن ولندن وجنيف) من تكرار اسم “حزب الله” و”إيران” لكي تتهم شيعة البحرين بارتباطهم بقوى خارجية. ولو تم إحصاء عدد المرات التي ذكرت فيها الحكومة اسم “حزب الله” لاستنتجنا “الهوس” الذي أصاب النظام و”الوله” بهذا الاسم الذي قالت بشأنه المعارضة تكرارا ومرارا بأن ما تذكره السلطة ما هو إلا من صنع خيال “غير خصب” لم يستوعب حقيقة العصر وتطورات الفكر والعمل السياسي في العالم والمنطقة وفي البحرين. لقد وصل “الهوس” إلى الدرجة التي صرح فيها سفير البحرين في واشنطن لتلفزيون (ANN) في 26 أكتوبر 1997، بأن المعارضين [الشيعة] باطنيون، وهذا الاتهام الخطير ينم عن خلفية عنصرية لا تليق بشخص يدعي أنه يمثل بلد يتكون من شيعة وسنة. وهذا “الشتم” الرخيص ليس له مجال في عالم اليوم.
إدانات دولية:
ولكن سياسة الحكومة لاستهداف الحركة المطلبية من خلال تركيز الهجوم على الشيعة، بدأت تنقلب على منفذيها. ففي 3 يونيو 1997، بعد عام واحد بالضبط من إعلان الحكومة اكتشافها لمؤامرة قلب نظام حكم، صرح وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، السيد ديريك فاتشت بأن “المعارضة في البحرين معتدلة ومطالبها معتدلة”. وقد أحدث هذا التصريح هزة كبيرة لدى المؤسسة الحاكمة في البحرين، التي شنت هجوما عنيفا هو الأول من نوعه ضد بريطانيا. وفي 24 يوليو 1997، أصدرت اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أخطر إدانة تصدر ضد أي دولة خليجية عربية على الإطلاق، عندما أدانت اللجنة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، والتمييز ضد الشيعة وطالبت حكومة البحرين بإعادة البرلمان المنتخب واحترام حقوق الإنسان، كما طلبت اللجنة الفرعية من مفوضية حقوق الإنسان إدراج موضوع انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين خلال الإجتماع السنوي القادم للمفوضية والذي سيعقد في مارس ـ أبريل 1998. وفي 18 سبتمبر 1997، أصدر البرلمان الأوروبي إدانة مماثلة دعا فيها حكومة البحرين لإعادة الحياة البرلمانية، واحترام حقوق الإنسان، وإطلاق سراح المعتقلين، وعودة المنفيين، وفتح حوار مع المعارضة لحل الأزمة السياسية. وردا على هذه الإدانات، شنت الحكومة البحرينية هجوما عنيفا ضد البرلمان الأوروبي والمؤسسات الدولية متهمة الجميع بالتدخل في الشؤون الداخلية للبحرين. وهذا الحديث ليس له صحة، إذ أن حكومة البحرين وقعت، مع دول العالم جميعها، على إعلان فيينا لعام 1993، الذي أصر على عالمية حقوق الإنسان وعدم إمكانية تجزيئها أو فصلها عن مكوناتها الأساسية. كما أن هذا الإعلان مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948، والمعاهدات الدولية الأخرى يعطون الحق لأجهزة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التدخل لحماية حقوق الإنسان في أي بلد في العالم. إن رفض الحكومة المطالب المعتدلة واتهام المعارضة باتهامات رخيصة لا يمكن أن يحل الأزمة. والتاريخ يحدثنا عن كل حاكم رفض مطالب بسيطة لم
يسلم حكمه في النهاية. هذا ما حدث لتشارلز الأول ملك انجلترا، لملكية فرنسا، لقيصرية روسيا، لشاه إيران، ولكل من حاول إنكار سنن التاريخ. قد تتصور الحكومة أن الوضع الإقليمي والدولي الحالي يساند النهج الدكتاتوري، ولكن عليها أن تعي أن ما هو باق يتمثل في شعب البحرين،المرتبط بشعوب المنطقة وتطلعاتها من أجل غد مشرق ومتحرر من عهود التخلف السياسي. وعليها أن تعلم ان استقرار الحكم وبقاءه يعتمد على رضا الشعب لا على قهره. فلو كان القهر السياسي هو الحل لما حدثت الانتفاضة، لأن القهر السياسي كان موجودا لفترة طويلة ولم يستطع أن يمنع الشعب من المطالبة بحريته ولن يستطيع أن يقف أمام أجيال تمرست في المقاومة المدنية وتشربت بمفاهيم الحرية والكرامة الانسانية.
3 نوفمبر 1997
جراح البحرين تبتسم في جنيف
حسبوا أن المال يشتري كل شيء، حتى الشرف وحتى الإنسانية. اعتقدوا أن الكذب والاحتيال المصحوب بالمال الوفير يعمل لهم المعاجز. استهزأوا عندما علموا أن اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بدأت بمناقشة انتهاكات حقوق الإنسان في بحريننا الحبيبة. ولكنهم لم يكونوا يتوقعون أن يتقدم عدد من الخبراء المستقلين بمشروع لادانة حكومة الظلم والتمييز والبطش. تداولوا الأمر فيما بينهم، وسرعان ما عاودوا استهزاءهم. فقد طمأنوا أنفسهم أن هناك صكا مفتوحا لشراء أكثر من نصف الخبراء البالغ عددهم 26 شخصا اختارتهم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. راجعوا قائمة أسماء الخبراء وحللوا شخصية كل واحد منهم وركزوا على أولئك الذين يسهل شراؤهم لأنهم قادمون من دول فقيرة أو دول لديها حكومات باستطاعتها الاتصال بذلك الخبير (أو تلك الخبيرة) وإصدار الأوامر له (أو لها) ليقف أمام مشروع قرار الإدانة. بعثوا بأشخاص جدد وصلاحيات واسعة لعمل أي شيء وصرف أي شيء، مهما كان ثمنه للوقوف أمام إصدار الإدانة. التقى هذا الوفد بالخبراء واحدا واحدا، لا لكي يحدثوهم عن بدائل للقرار ولا لكي يتنازلوا عند منتصف الطريق كما تفعل الحكومات الأخرى التي تبدي استعدادها للاستجابة لمعظم ما هو مطلوب للحيلولة دون إصدار قرار. كلا، كلا، لم يكن أي شيء من ذلك. اللقاء جاف من الطرح وخالٍ من الإنسانية ومن الشرف. اللقاء يتم على أساس واضح:
ما هو المطلوب دفعه لكي تقف أمام هذا المشروع؟ وزعوا كتيبا ملونا (لاطلاع الخبراء فقط) يحمل منشورات مزورة تدعوا للقتل، متهمين المعارضة-زورا وبهتانا- باصدارها. كان واضحا من الكتيب –كما قال احد الخبراء- ان “الحكومة البحرينية تحقد على القسم الشيعي من المجتمع البحريني”.
هكذا يتعاملون مع خلق الله في كل مكان، دون شعور بالخجل ودون أي إحساس بالإنسانية. دفعوا مئات الآلاف وربما الملايين من الدولارات، ولا يستبعد أن يكون بعضهم قد استغنى من وراء ذلك. اطمأنوا بعد اسبوعين من العمل المتواصل أن أكثر من نصف الأصوات لن يصوت لصالح القرار. وليس هذا فحسب، فقد حصلوا على إحدى الخبيرات اللاتي تبنين المشروع، لكي تظهر أمام الجميع وتعلن استنكارها للمشروع، بل والمطالبة بإلغائه تماما. نعم، كان الوفد الرسمي الذي تمت مضاعفته يبتسم وبدت عليه علامات النصر قبل التصويت. كان الوفد قد أعد العدة لإقامة احتفال النصر. كان الوفد الرسمي مشغولا بدعوة الوفود الرسمية الأخرى لحضور الاحتفال الذي سيقام لشراب نخب النصر وسحق صوت المظلومين من المحفل الدولي. ليس ذلك فقط، فقد كان هناك اثنان من الأشخاص ـ ذوي الأجساد الضخمة والعقول غير الكبيرةـ يمارسون نشاطهم داخل الاجتماعات، وكأنهم في سجون التعذيب داخل البحرين. كان هذان الاثنان يجولان في القاعة ويقفان خلف وفد المعارضة ويؤشران على أشخاص المعارضة، بينما يتبادلان القهقهات والابتسامات التافهة التي تدربوا عليها من أجل ممارسة المهنة الرسمية لهم: احتقار أهل البحرين. كانوا متأكدين 100% أنهم منتصرون وأن صوت المظلومين سيخنق وأن الكؤوس ستملأ وأن القهقهة ستستمر. لم يكتف الشخصان ذوا الجثتين الضخمتين بقلة أدبهما، بل طاردا أحد أفراد المعارضة خارج القاعة وشتماه وبصقا بالقرب منه. لم يعلما أنهما في قاعة الأمم المتحدة. والعتب ليس عليهما وإنما على من أرسلهما إلى جنيف ولم يخبرهما بالآداب المتوقعة منهما. كان الجسدان الضخمان يعتقدان أن حصانتهما الدبلوماسية كافية لأن يصدرا إرهابهما إلى جنيف. ولم يعلما أن سكرتارية المؤتمر سجلت الحادثة وأن خبيرين من الأمم المتحدة سجلا كل التفاصيل وذهب أحدهما ليحذر الممثل الرسمي من هذه الأساليب الطفولية. لم يعلم هذان الأخرقان أنهما حققا نصرا للمظلومين في البحرين، لأن الخبراء الشرفاء علموا ما هي نوعية الحكم الذي يسيطر على بلادنا بالقهر والظلم والتعذيب والحقد المقنن.
استمرت قهقهات الوفد الرسمي وهو يستمع إلى الخبراء الذين وعدوا بإسقاط المشروع يتحدث الواحد منهم تلو الآخر، عن أحقية حكومة الظلم والتمييز في استخدام وسائل القهر ضد شعب البحرين. قهقهاتهم وابتساماتهم بدأت تتبدد [ما عدا واحدا منهم، ويبدو أنه لا يعلم ماذا كان يدور في القاعة والتزم بتنفيذ الأوامر الصادرة له بالاستمرار في قلة الأدب].. بدأت تتبدد عندما وقفت الخبيرة الشريفة كلاير باليه لتعلن للملأ أن حكومة البحرين تمارس “الفساد” السياسي داخل الأمم المتحدة، من خلال تقديم مئات الآلاف من الدولارات وممارسة اساليب غير مقبولة. صعق الحاضرون بما سمعوا، وعلا الضجيج في قاعة الاجتماعات وأعلن رئيس اللجنة تأجيل النقاش حتى يوم الغد لتحاشي حرف مسيرة المؤتمر.
وهكذا جاء اليوم التالي، يوم الخميس 21 أغسطس 1997، الساعة العاشرة صباحا، والقاعة مملوءة والجميع يتحدث عما دار في اليوم السابق، والجميع ينتظر النتيجة. كان الخبراء قد راجعوا أنفسهم. نعم، لقد ضمنت حكومة البحرين قرابة نصف الأعضاء بوسائلها الرخيصة، وكان هناك ثمانية خبراء شرفاء لا يقبلون الشراء، وكان هناك البقية الذين كانوا سيمتنعون عن التصويت لمحاذير سياسية. وعلى هذا الأساس كان الوفد الرسمي متأكدا أن ثمانية أصوات سوف تخسر أمام 11 أو 12 صوتا رافضا بالتأكيد. لم يكونوا يحسبون حسابا آخر. لم يكونوا يعلمون أن الخبراء الآخرين الذين كانوا سيمتنعون عن التصويت لهم ضمير ولهم شرف ولهم آداب ولهم أخلاق ولهم عقل ولهم إنسانية تفوق ما يمكن أن يحصلوا عليه من دولارات رخيصة. لم يتصور الوفد الرسمي أن الخبراء من أمريكا اللاتينية والشمالية ومن آسيا ومن أفريقيا ومن أوروبا الغربية والشرقية، لهم من الشرف ما يدعوهم ليقولوا كلمتهم ويبرؤوا أنفسهم من فساد مستشر يحاول منع العدل والخير عن المظلومين. لم يكونوا يتوقعون كل ذلك، ولذلك لم يتحملوا الصاعقة عندما صوت الذين كان يتوقع أن يقفوا على الحياد لصالح شعب البحرين المظلوم ورفعوا ظلامته في المحافل الدولية وحققوا نصرا سياسيا سلميا وحضاريا للمظلومين.
كان المشهد تاريخيا. فما أن أعلن رئيس الجلسة نتيجة التصويت، وإذا بوفود المنظمات غير الحكومية والصحافيين يتجمهرون حول أفراد المعارضة لتهنئتهم والاستماع لتصريحاتهم. كان المشهد وسيبقى تاريخيا. وكان احتفال المعارضة دمعات فرح في جنيف وابتسامات في البحرين من أم لشهيد وأم لسجين وأم لشريد.
جنيف ـ منصور الجمري
21 أغسطس 1997
يوم صدور قرار إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين
إذاعة لندن BBC
العالم هذا المساء / الساعة 9.30 مساء السبت ـ 8/11/1997
حصاد اليوم الإخباري / الساعة 11.30
البي بي سي/ 8 نوفمبر 1997
البحرين: بدء محاكمة (8) من الشيعة بتهمة قلب نظام الحكم
بدأت في البحرين محاكمات غيابية لثمانية أشخاص ينتمون إلى المعارضة ويعيشون في الخارج ويتهم الرجال الثمانية وكلهم من البحرين بتشكيل جماعة سياسية تسعى للإطاحة بالحكومة بالقوة.
وتشهد البحرين أعمال عنف متفرقة منذ ثلاثة أعوام ولكن مراسلنا فرانك غاردنر يستبعد أن يقدم المتهمون للمحاكمة. ويمضي مراسلنا في تقريره من دبي قائلا: تبدو قائمة أسماء المتهمين مثل قائمة بأسماء أبرز منتقدي الحكومة البحرينية، فعلى رأسها الدكتور منصور الجمري المتحدث باسم حركة أحرار البحرين في لندن، ومنهم أيضا علي سلمان وهو عالم شيعي كانت السلطات البحرينية، قد طردته من البلاد عام 1995، وهو الآن يشن حملات من أجل إعادة البرلمان البحريني الذي لم يعمر طويلا. ويقيم خمسة من المتهمين في بريطانيا ويعتقد أن بقيتهم تقيم في إيران. وقالت الحكومة أن المحاكمة التي بدأت يوم السبت (8 نوفمبر) ستستمر حتى الـ(15) من تشرين الثاني نوفمبر الجاري. وقال مسؤول حكومي أن المحكمة توالي جلساتها في مبنى محكمة أمن الدولة. وذكر أن الحكومة ستقدم إلى المحكمة مزيدا من الدلائل ضد المتهمين في سياق المحاكمة. وتشمل قائمة التهم التخطيط للإطاحة بالحكومة بالقوة والتواطؤ مع دولة أجنبية لم يذكر اسمها. لكن الدكتور منصور الجمري أبلغ هيئة الإذاعة البريطانية أنه وزملاؤه المقيمين في لندن لم تكن لهم أية صلة بأي قوى أجنبية. وقال أنهم على استعداد للعودة إلى البحرين لمهاجمة المحكمة إذا ما سمحت السلطات هناك لمراقبين دوليين لحضور جلساتها.
ويذكر أن البحرين كانت قد اتهمت إيران العام الماضي بالتخطيط لقلب نظام الحكم في البحرين بالقوة، لكن إيران نفت تلك التهمة. وتعد البحرين الدولة العربية الخليجية الوحيدة التي تشكل الشيعة غالبية سكانها.
لقاء مع د. الجمري: كان هذا تقرير فرانك غاردنر من دبي.
وعن أسباب وجود المعارضة البحرينية في الخارج واستمرار المواجهات بينها وبين الحكومة البحرينية اتصل محمد شقير بالدكتور منصور الجمري زعيم حركة أحرار البحرين المعارضة ومقرها لندن. فقال:
د. الجمري: المعارضة في الخارج ناتج عن سياسة الحكومة خلال الثمانينات التي تسببت في خروج وتشريد الآلاف من أبناء شعب البحرين في الوقت الذي تستجلب فيه الحكومة الأجانب في كافة المجالات. هذا السبب الأول.
السبب الثاني: المعارضة في الداخل ليست معارضة واحدة وتملكها فئة محددة وإنما هي معارضة شعبية عامة، دخل بها الصغير والكبير ومختلف فئات المجتمع. ولكن الحكومة ركزت فقط على الطائفة الشيعية من أجل عزل الطائفة السنية التي تشترك مع الشيعة، في نفس المطالب الإنسانية وهي احترام حقوق الإنسان حسب ما نص عليه دستور دولة البحرين.
BBC: كيف تفسرون ادعاءكم بعدم وجود روابط بينكم وبين أي دولة في الخارج وأنتم تقيمون في الخارج وهناك تنسيق بينكم وبين المعارضة في داخل البحرين؟
د. الجمري: لا تستطيع الحكومة أن تمنع أي مجموعة بحرينية تعمل في أي مكان توجد فيه حرية التعبير عن الرأي. اليوم البحرينيون منتشرون في كل مكان في اسكندنافيا في استراليا في أميركا في أوروبا في كل مكان تنتشر مجموعات كبيرة، وكذلك في الشرق الأوسط كالشام وإيران وغيرها من الدول. وبالتالي في كل مكان تتوفر فيه حرية التعبير عن الرأي كما هو في لندن فسوف يعبرون عن رأيهم. لا يمكن لحكومة البحرين أن تنتشر أساليبها الدكتاتورية فتمنع المعارضة من الحديث. سوف نتحدث كما تحدثنا منذ العام 1982.
BBC وفي هذا هل الأمر يقتصر على الحديث فقط أم أنكم تلجأون أحيانا إلى ما هو أبعد من ذلك مما قد يؤدي إلى أحداث بعض الاضطرابات من خلال استخدام العنف أو اللجوء إلى أساليب أخرى؟
د. الجمري: نحن لم ندعو للعنف ولا يوما واحد. نحن دعونا لمقاومة مدنية سلمية، وهذه الدعوة دعوة مقبولة على جميع المستويات الدولية والحضارية. فكل شعب يسلط عليه ظلم وقمع كما هو مسلط على شعبنا في البحرين من حق هذا الشعب أن يقاوم مقاومة مدنية سلمية.
BBC مقاطعا: الدكتور منصور الجمري أنت أعربت عن استعدادك للعودة والوقوف في ساحة المحكمة أمام القضاء إذا كان هناك مراقبون دوليون لهذه المحاكمة، فما الذي تعنيه بمراقبين دوليين؟ وهل تعني بذلك الإعلام الدولي أو غيره، يعني هل تعتقد أنه طلب منطقي؟
د. الجمري: في الحقيقة أن طلب الحكومة طلب غير منطقي ونحن نجيبها بطلب منطقي. أعيدوا العمل بدستور دولة البحرين، لأن الدستور يحدد صلاحيات الحكومة بأن ليس لها حق أن تمارس تطبيق أي قانون إلا برقابة المجلس الوطني وبموافقة النواب الذين ينتخبهم الشعب. في البحرين الدستور يقول يجب أن يكون هناك مجلس قضاء أعلى، أما الحكومة فحولت القضاة لعدد من الموظفين الذين يأتمرون بوزارة العدل. فهناك لا يوجد قضاء عادل. إذا وجد القضاء العادل وهذا القضاء العادل برقابة دولية وينفذ بنود دستور دولة البحرين أنا أول واحد يرجع وغيري يرجع أيضا ويقف أمام المحكمة ويقف أمام المحكمة كذلك من قتل وعذب أبناء شعبنا.