انتهاكات روتينية وإنكار روتيني
انتهاكات روتينية وإنكار روتيني
الحقوق المدنية والأزمة السياسية في البحرين
تأليف: هيومان رايتس ووتش (منظمة مراقبة حقوق الانسان)
هيومان رايتس ووتش منظمة مكرسة لحماية حقوق الإنسان للشعوب في العالم أجمع.
نحن نقف إلى جانب الضحايا والنشطاء لمنع التمييز وإعلاء الحريات السياسية وحماية الناس من السلوك اللاإنساني في أوقات الحروب وجلب المنتهكين أمام العدالة.
نحن نحقق ونكشف انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين.
نحن نتحدى من يمسكون بالسلطة لوضع حد للممارسات الصارخة واحترام شرعة حقوق الإنسان العالمية.
نحن نستنهض الجمهور والمجتمع العالمي لدعم قضية حقوق الإنسان للجميع.
حول هذا التقرير
تم جمع مواد هذا التقرير من قبل منظمة مراقبة حقوق الإنسان ـ الشرق الأوسط في الفترة ما بين مارس 1996 وفبراير 1997. لقد رفضت حكومة البحرين طلبنا لإرسال وفد رسمي لجمع المعلومات إلى البحرين لكن ممثلي المنظمة زاروا البحرين لفترة قصيرة. حيث التقوا محامي الدفاع وأفراد سبق أن اعتقلوا من قبل السلطات وشخصيات معروفة من مختلف المهن والأعمال. ولان الزيارة كانت غير رسمية، فلم يتمكن المندوبون من اللقاء والتحدث مع المسؤولين الحكوميين، كما أن كون عددا ممن التقيناهم تحت المراقبة فقد حد ذلك من لقاءاتنا معهم. وافق البحرينيون في بلادهم بمن فيهم المحامون على الحديث لممثلي المنظمة بشرط واحد وهو عدم الكشف عن هوياتهم. التقينا كذلك ببحرينيين في المنافي مثل دبي والكويت وبيروت ودمشق ولندن ولوند وكوبنهاغن، ومع بحرينيين يعيشون في الولايات المتحدة. من هنا فإن المقابلات المتضمنة في هذا الكتاب تشير إلى أنها جرت خارج البحرين ما لم ينص العكس على ذلك.
كتب هذا التقرير السيد جو ستورك، مدير برنامج الشرق الأوسط في منظمة مراقبة حقوق الإنسان فيما ساهم السيد ستيف روثمان، باحث في المنظمة، والسيدة شيرا روبنسون، مشاركة في برنامج المنظمة مساهمة ثمينة في البحث. كما ساهم كلاري بنكومو وجميل أبو علي من المنظمة في ترجمة الوثائق العربية. ساهم نشطاء حقوق الإنسان الكويتيون في ترجمة المقابلات التي جرت هناك. قدم عدد من المحامين البحرينيين مساعدات لا تقدر بثمن وتوضيحات للعديد من النقاط حول قوانين البحرين لكننا لا يمكن ذكر أسمائهم حرصا على سلامتهم الشخصية. أشركنا السيد سعيد السلمي من منظمة المادة 19 في معلومات لتقرير لم ينشر لمنظمة المادة 19 يتعلق بالحريات الصحفية في البحرين.
حرر هذا التقرير السيد جيري لابر، المستشار بمنظمة مراقبة حقوق الإنسان وإريك جولدستاين المدير التنفيذي بالوكالة لقسم الشرق الأوسط للمنظمة فيما أعدت شيرا روبنسون ووالي سمارة المساعدان في قسم الشرق الأوسط للمنظمة التقرير للنشر.
المحتويات:
- المقدمة
- توصيات
- خلفية تاريخية
- جذور الأزمة الحالية
- حملة العريضة
- المظاهرات
- رد الحكومة
- انتهاكات حقوق الإنسان
- انتهاك الحقوق المتضمنة في الإجراءات
- نظام المحاكم والنظام القضائي
- انتهاكات أجهزة الأمن خلال عمليات الاعتقال
- التعذيب وإساءة معاملة المعتقلين، والحرمان من الاتصال بالمحامين وانتزاع الاعترافات بالإكراه
- الاعتقال التعسفي
- انتهاك الحقوق السياسية: حرية التنظيم (التجمع)، حرية التعبير، حرية الصحافة، النفي القسري
- دور المجتمع الدولي: العالم العربي، إيران، الولايات المتحدة الأمريكية
- ملحق
اولا: المقدمة
تتنوع انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين ويمكن تصنيفها إلى مجموعتين أساسيتين. المجموعة الأولى تتعلق بالقضايا المتعلقة بتنفيذ القانون وإدارة العدالة. وتغطي هذه المجموعة سلوك قوات الأمن تجاه من يجري اعتقالهم واحتجازهم، واثناء مواجهة الاضطرابات المدنية والاعتقال التعسفي والانتهاكات الجسدية والمعنوية بحق المعتقلين، والحرمان من اتصال المعتقل بمحاميه، والحرمان من حق عرض المتهم على قاض محايد وبالسرعة المطلوبة. أما المجموعة الثانية من انتهاكات حقوق الإنسان فتتعلق بمجموعة واسعة تشمل الحرمان من الحقوق السياسية والمدنية الأساسية، بما في ذلك الحق في التعبير وحرية التنظيم والتجمع والحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة. وبالنسبة لعدد الناس الذين انتهكت حقوقهم، فقد تأثر الكثيرون مع احتدام الأزمة منذ نهاية 1994 مدشنة بذلك مرحلة من الاضطرابات المدنية التي استمرت حتى كتابة هذا التقرير في ربيع 1997(1). اتخذت هذه الاضطرابات طابعا متزايدا من الصراع ما بين الغالبية الشيعية من ناحية والأسرة الحاكمة السنية والمؤسسة العسكرية من ناحية أخرى. أما حكومة البحرين فقد اعتبرت الاضطرابات من عمل “إرهابيّي حزب الله” المدعوم من قبل إيران.
إن قضية احترام حقوق الإنسان قضية إشكالية في البحرين، حيث أن ممارسة هذه الانتهاكات مستمدة من السياسة البريطانية في هذا البلد قبل الاستقلال في 1971. عمد الحكم البريطاني الاستعماري إلى إدخال إصلاحات قضائية وإدارية عديدة منذ بداية القرن العشرين على السلطة السياسية المحلية المتمركزة حول أسرة آل خليفة. وقد كان أبرز حوافز إدخال هذه الإصلاحات التحولات في الاقتصاد الذي كان أساسا ذا طابع إقطاعي إلى اقتصاد معقد قائم على التجارة والصناعة وإنتاج النفط والتصدير. وفيما كان حكم القانون يترسخ في مجالات عديدة في مرحلة ما قبل الاستقلال، فإنه جرى التعاطي مع المعارضة السياسية للسلطة الاستعمارية وسلطة آل خليفة بأسلوب تعسفي، ودون أي اعتبار للمفاهيم الدولية المتنامية في مجال الحقوق المدنية والسياسية.
مثلت السنوات الأولى للاستقلال 1972 حتى 1975، استثناء من نوع ما. قام المجلس التأسيسي المنتخب جزئيا، بوضع دستور البلاد والذي يتضمن عددا واسعا من الحقوق المدنية والسياسية المعترف بها دوليا، ونص على إجراء انتخابات للمجلس الوطني المكون من 30 عضوا منتخبا و15 عضوا معينا بصفتهم أعضاء مجلس الوزراء. وأنيطت بالمجلس صلاحيات مراجعة وليس اقتراح التشريعات ومساءلة الحكومة. وبالرغم من بقاء الأحزاب محرمة، فقد أدت انتخابات المجلس الوطني في 1973 إلى بروز ثلاث كتل وهي كتلة الشعب وهم يمثلون اليسار والقوميين، والكتلة الدينية وتشكل من علماء الدين والقضاة ممن يمثلون المناطق الريفية أساسا وكتلة الوسط.
انتهت مرحلة الانفراج في الأسرة الخليفية الحاكمة ومختلف قوى المجتمع المدني في 1975. عندما فشلت الحكومة في تأمين موافقة المجلس الوطني على قانون أمن الدولة، والذي يسمح باعتقال وسجن أي إنسان حتى ثلاث سنوات دون توجيه اتهام رسمي أو محاكمة لأعمال أو أقوال غير محددة لا يمكن أن تشكل تهديد لأمن البلاد الداخلي أو الخارجي. وفي أغسطس 1975، حلت الحكومة المجلس الوطني بأمر أميري. ينص الدستور على أنه في مثل هذه الحالة، فإنه تجرى انتخابات لمجلس جديد خلال شهرين. لكن الأسرة الحاكمة رفضت على امتداد ما يقارب اثنين وعشرين عاما القيام بذلك، وهذا الرفض سبب رئيسي للاضطرابات الحالية.
في السنة التالية لحل المجلس، أي عام 1976، سنّت الحكومة قانونا جديدا للعقوبات ألغت بموجبه جميع الحقوق والحريات المدنية والسياسية التي يحميها الدستور وجرّمت عددا واسعا من النشاطات السياسية. وعلى امتداد أكثر من عقدين من الحكم غير الدستوري بموجب أوامر ومراسيم أميرية، فقد ترتب عليها المزيد من إحباط الحقوق السياسية والإجرائية. وكنتيجة لذلك فإن البحرين ومنذ 1975، هي بلد يواجه فيه المواطن خطر التعرض للتفتيش والقبض والإساءة دون تهمة رسمية أو محاكمة نتيجة التحدث علنا بطريقة تعتبرها الحكومة معادية أو انتقادية. إن التأييد العلني لعودة العمل بمواد الدستور التي تتضمن عودة المجلس الوطني تقع ضمن المحظورات. كما أنه يتم مراقبة الاتصالات بين المواطنين أو بين المقيمين وأشخاص خارج البحرين. تعتبر الأحزاب والمنظمات السياسية محظورة وكذلك الأمر بالنسبة للاتحادات النقابية المستقلة. وبالنسبة للاجتماعات والتجمعات العامة فإنها تتطلب ترخيصا مسبقا حيث لا يمنح مثل هذا الترخيص عادة. تسيطر الدولة مباشرة على وسائط الراديو والتلفزيون فيما تسيطر على الصحافة من خلال مزيج الرقابة الحكومية المباشرة والرقابة الذاتية باستبعاد مناقشة السياسات المحلية أو العلاقة مع دول الجوار. وفي حين يحرم دستور البحرين والقانون الدولي انتهاكات حقوق الإنسان مثل التعذيب والنفي القسري فإنها تمارس روتينيا كونها سياسة رسمية.
ترتب على المراسيم الأخيرة التوسع في مواد قانون العقوبات التي تقع تحت اختصاص محكمة أمن الدولة حيث تغيب تماما أية ضمانات إجرائية للمتهمين. ومن بين آلاف الأشخاص الذين جرى اعتقالهم بموجب ذلك خلال سنتين ونصف من الاضطرابات المستمرة، فإن غالبيتهم جرت محاكماتهم أمام محكمة أمن الدولة. يستمر احتجاز المتهمين لأشهر وأحيانا لأكثر من عام قبل محاكمتهم. وحسب إفادات محاميّيْ الدفاع ومعتقلين سابقين، فإنه يجري عادة تعريضهم للضرب والاعتداءات الجسدية الأخرى خلال عملية الاعتقال والحجز، ويقوم رجال الأمن بذلك كنوع من العقاب الإضافي خارج نطاق القانون. وتصبح هذه الاعتداءات شديدة من أجل انتزاع اعترافات بحيث تصل إلى مستوى التعذيب. يلتقي المعتقل لأول مرة مع محاميه في اليوم الأول لمثوله أمام المحكمة، فيما تتم هذه اللقاءات عمليا بعد انتهاء الجلسة في الأيام اللاحقة. يتم عقد جلسات المحكمة سريا، ويتم الاستناد إلى الاعترافات المنتزعة قسريا وفي غياب محامي الدفاع كقرائن لإدانة المتهم. ولا يمكن استئناف أحكام محكمة أمن الدولة. إنه ليس في علم منظمة مراقبة حقوق الإنسان أن قامت السلطات البحرينية بإجراء تحقيق إثر اتهامات بممارسة التعذيب، أو اتخاذ إجراءات تأديبية بحق مرتكبي مثل هذه الأعمال.
تنكر حكومة البحرين أنها تجيز التعذيب أو أي شكل من أشكال الانتهاكات المماثلة. كما أنها تصر على أن سياساتها لا تنتهك بأي شكل من الأشكال مقاييس حقوق الإنسان المعترف بها دوليا. ففي رده على رسالة من منظمة مراقبة حقوق الإنسان إلى حكومة البحرين، ذكر سفير دولة البحرين في واشنطن الدكتور محمد عبد الغفار “إن الادعاءات الموجهة ضد البحرين نابعة من مجموعة صغيرة لكنها مجموعة حاذقة من المتطرفين والأصوليين والمندفعين المرتبطين بالإرهاب في البحرين. إنهم يبثون دعاياتهم مستخدمين وسائط الإعلام والحركة الدولية لحقوق الإنسان”(2). في ذات الوقت فإن الحكومة تكرر رفضها منح سمات دخول، تسمح لممثلي منظمات حقوق الإنسان المستقلة بإجراء بحث ميداني أو مراقبة المحاكمات، مما يفقد نفي السفير أي مصداقية.
إن دولة البحرين ليست طرفا في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، أو ميثاق مكافحة التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية والحاطة بالكرامة (CAT)(3). توصلت حكومة البحرين مؤخرا إلى اتفاقية مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC)، لتفقد السجناء ومقابلة المعتقلين. وقد بدأت اللجنة بالقيام بزيارات منذ نوفمبر 1996. وفيما يعتبر ذلك تطورا إيجابيا، فإنه ليس ضمانة بانكشاف مثل هذه الانتهاكات حيث أن سياسة اللجنة هو الإبقاء على سرية مهماتها وتشاطر هذه النتائج مع حكومة فقط.
إن إصرار حكومة البحرين بأن الاضطرابات التي تشهدها البلاد هي من عمل إرهابيين بدفع من إيران قد لقي دعم الدول العربية في المنطقة خصوصا المملكة العربية السعودية. أما حلفاء البحرين السياسيين والعسكريين خارج المنطقة فهما الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة. فالبحرين هي مقر قيادة الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية. وتدعم حكومة البحرين السياسة الاستراتيجية والعسكرية للولايات المتحدة في منطقة الخليج. تمثل الولايات المتحدة المصدر الرئيسي لتسليح قوة دفاع البحرين. وتدعم الولايات المتحدة علنا ادعاءات حكومة البحرين، بأن الاضطرابات الحالية هي نتيجة التدخلات الإيرانية، فبإستثناء الفصل الخاص بالبحرين في التقرير السنوي لأحوال حقوق الإنسان في بلدان العالم، فإنها ترفض دائما انتقاد حكومة البحرين حول أوضاع حقوق الإنسان. أما سلوك المملكة المتحدة فهو شبيه بالسلوك الأمريكي، لكنها وبسبب الوجود المسموع للمعارضة البحرينية في لندن، فإنها عبرت علنا عن قلقها بعبارات عامة حول ممارسات حقوق الإنسان لحكومة البحرين.
ثانيا: التوصيات
توصيات إلى حكومة البحرين فيما يتعلق بإنفاذ القانون وممارسة العدالة:
- تعديل قانون أمن الدولة لعام 1974، وقانون العقوبات لعام 1976، وجميع المراسيم والقوانين الأخرى بحيث تحذف المواد التي تنتهك حقوق الإنسان بموجب دستور البحرين بما في ذلك المواد التي تسمح بالاعتقال التعسفي أو غير المحدود. إجراء تعديلات على القوانين بحيث تضمن حق المعتقل في تحري قانونية اعتقاله أو اعتقالها أمام سلطة قضائية، والحق في اللقاء الفوري مع أفراد العائلة والمحامي بموجب المستويات الدولية.
- وضع حد لاعتقال الأشخاص لفترات غير محددة أو طويلة دون توجيه اتهام رسمي أو المثول أمام محكمة بسبب أعمال أو أقوال غامضة. إطلاق سراح جميع الأشخاص المعتقلين فورا، أو توجيه اتهامات رسمية لهم ومحاكمتهم أمام محكمة قانونية حيث تتوفر كلية حقوق الدفاع القانوني، والحق في جلب شهود الدفاع، واستجواب شهود الادعاء والحق في الاستئناف أمام محكمة أعلى بموجب المستويات العالمية لمحاكمة عادلة.
- ضمان امتثال إدارات وزارة الداخلية للأمن العالم والتحقيقات الجنائية وأمن الدولة لمتطلبات إجراءات قانون العقوبات بما يتوافق مع مستويات إنفاذ القانون الدولي في القيام بالاعتقال والتفتيش للأماكن الخاصة بالعمل والسكن.
- إصدار تشريع بموجب دستور دولة البحرين بإنشاء المجلس الأعلى للقضاء للإشراف على المحاكمة (المادة 102[د])، وأن يكون الجهاز القضائي مخولا في الحكم على مدى دستورية القوانين والتشريعات (المادة 103).
- وضع حد لممارسة استجواب المعتقلين بدون حضور محام. إطلاق سراح جميع المحكومين أو إجراء مراجعة قضائية مستقلة للذين جرت إدانتهم استنادا فقط إلى اعترافات قسرية جرى انتزاعها في غياب محامي الدفاع. ويتوجب أن تكون تلك المراجعة في محاكمة علنية تشمل المتهم ومحامي الدفاع باختياره.
- إلغاء محكمة أمن الدولة ووضع حد لمحاكمة المعتقلين أمام أي محكمة مغلقة أمام الجمهور، وحيث لا يتم ضمان الحدود الدنيا لمحاكمة عادلة. إطلاق سراح جميع الأشخاص الذين أدانتهم محكمة أمن الدولة، أو إجراء مراجعة قضائية مستقلة لقضاياهم، وإلغاء أو تعديل الأحكام الصادرة بحقهم تبعا لذلك. ويتوجب أن تكون هذه المراجعة عبارة عن محكمة علنية تتضمن المتهم ومحامي الدفاع باختياره.
- نقل مكتب الادعاء العام من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل والشؤون الإسلامية واتخاذ الخطوات الضرورية للفصل التام بين مؤسسات الأمن العام والإدارات المعنية بعمل القضاء.
- تعيين مدع عام مستقل للتحقيق في حوادث القتل على أيدي قوات الأمن، بما في ذلك تلك التي جرت أثناء الاعتقال، والاتهامات بممارسات التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والحاطة بالكرامة من قبل ضباط مخابرات أمن الدولة (SIS) والتحقيقات الجنائية (CID) وقوات الأمن العام. ويتوجب أن تكون للمدعي العام هذا صلاحيات نشر أعمال التحقيق وتوجيه اتهامات لأي ضابط متورط مسؤول عن إصدار الأوامر لارتكاب هذه الأعمال أو القيام بها أو غض النظر عنها وترتب عليها موت الضحايا. ويتوجب أن يحضى المدعي العام هذا بدعم علني من قبل رئيس الدولة الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة، وأن تكون مدة انتدابه كافية لتأكيد استقلاليته.
- تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في جميع الأجهزة المولجة بإنفاذ القانون وإدارات العدل التابعة لوزارة الداخلية ووزارة العدل والشؤون الإسلامية. وإصدار توصيات بإدخال تغييرات على قانون العقوبات لعام 1976 وقوانين إدارة العدل مما يجعل هذه الإدارة في توافق مع دستور دولة البحرين والمستويات الدولية.
- وضع سجل علني للمعتقلين بموجب المستويات الدولية، يتضمن أسماءهم وأماكن اعتقالهم وتواريخ اعتقالهم، وأوامر اعتقالهم والتهم الموجهة إليهم، وتحديد المعلومات على أسس دورية ومتواترة، وتوفير هذه المعلومات دون قيود، للقضاة والمحامين وعائلات المعتقلين ومنظمات حقوق الإنسان.
- وضع تشريع يسمح لضحايا التعذيب والاعتقال التعسفي أو المطول أو ضحايا الانتهاكات الأساسية لحقوق الإنسان وعائلاتهم للحصول على تعويضات من الحكومة ومن أولئك المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
- اتخاذ الخطوات الضرورية للتصديق على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وميثاق مكافحة التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية والحاطة بالكرامة.
توصيات إلى حكومة البحرين بشأن ضمان الحقوق السياسية الأساسية:
- تعديل قانون العقوبات لتصفية أو تعديل المواد والنصوص التي تحد من قدرة مواطني البحرين على الممارسة السلمية لحقوقهم في حرية التنظيم والتجمع والتعبير وبالخصوص المواد 134أ، 163، 164، 165، 168، 178، أو 222.
- إعادة حق المواطنين البحرينيين للمشاركة في الشؤون العامة والحكم مباشرة أو عن طريق ممثليهم بحرية بموجب القانون الدولي ونصوص دستور دولة البحرين.
- وضع حد لمراقبة البريد والاتصالات الهاتفية والإلكترونية فيما بين الأشخاص داخل البحرين، ومع الأشخاص خارج البلاد، إلا بموجب رقابة سلطة قضائية مستقلة، وذلك طبقا للمادة 26 من الدستور.
- وضع حد للنفي القسري بحق المواطنين البحرينيين والإعلان عن حق البحرينيين المقيمين في الخارج في العودة بحرية إلى بلادهم، وإذا ما كانت السلطات تعتقد أن أحد الأشخاص المقيمين في الخارج مذنب بارتكاب جريمة ما، فيتوجب توجيه اتهام رسمي لهذا الشخص ومحاكمته أمام محكمة قانونية حيث يتوفر له محام باختياره وحق استدعاء شهود الدفاع واستجواب شهود الادعاء، والاستئناف أمام محكمة أعلى للحكم الصادر بحقه وذلك طبقا للقانون.
- تعديل قانون الجمعيات الاجتماعية والثقافية والأندية، لاستئصال العقبات غير المعقولة لممارسة النشاطات السياسية والنقابية السلمية.
- تعديل المرسوم الأميري رقم 14/1979، فيما يتعلق بالمطبوعات وذلك لاستئصال القيود اللامبررة على الحق في حرية التعبير وتلقي المعلومات.
- إعادة القيادات الإدارية المدنية إلى وزارة التربية والتعليم وجامعة البحرين والعودة إلى سياسة توظيف العاملين وقبول الطلبة في الجامعة بدون تمييز تبعا للمذهب أو التوجه السياسي.
- اتخاذ خطوات لتسوية أوضاع البحرينيين “البدون” والذين يسكنون البحرين لسنوات طويلة دون التمتع بالجنسية وتسهيل حصولهم على الجنسية وجوزات السفر والسماح للبدون ممن غادروا أو أبعدوا من البحرين اضطرارا بالعودة.
- السماح للمنظمات البحرينية والدولية لحقوق الإنسان للعمل وممارسة حقوقها في السعي والحصول وتوزيع المعلومات الخاصة بأوضاع حقوق الإنسان في البحرين.
توصيات إلى الولايات المتحدة:
إلى إدارة الرئيس كلينتون:
إن العلاقات الراسخة والعالية المستوى سياسيا وعسكريا بين الولايات المتحدة والبحرين تمثل فرصة للولايات المتحدة تلعب دور مؤثر وعلني في التعاطي مع انتهاكات حقوق الإنسان المتواترة في البحرين. لقد أخبر المسؤولون الأمريكيون منظمة مراقبة حقوق الإنسان بأن يتم إيصال اهتمامات الولايات المتحدة في هذا الخصوص بشكل منتظم إلى حكومة البحرين بواسطة السفير الأمريكي في المنامة. فإذا كان الوضع كذلك فلا تبدو هناك أية علامات على ظهور أية نتائج مترتبة على ذلك. لذا فإننا نحث إدارة الرئيس كلينتون أن تضع في أولوياتها:
- الانتقاد العلني لانتهاكات حقوق الإنسان في البحرين المتواترة والمنهجية كجزء من سياسة الدولة ووضع حد لسياسة السكوت على هذه الانتهاكات.
- مناقشة المواضيع الواردة في هذا التقرير مع المسؤولين البحرينيين على مستويات عالية وحث حكومة البحرين لاتخاذ إجراءات محددة لتنفيذ هذه التوصيات.
- إصدار تعليمات لطاقم السفارة في المنامة للسماح لممثليها بحضور المحاكمات أمام محكمة أمن الدولة وإظهار قلق الولايات تجاه إجراءات المحكمة التي هي دون المستويات الدولية لمحاكمة عادلة.
- إصدار تعليمات إلى مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل جون شاتوك للتركيز أكثر ووضع إمكانيات أكبر لرصد أوضاع حقوق الإنسان في الشرق الأوسط بما في ذلك البحرين.
- ضمان التزام حكومة البحرين بالمستويات الدولية لحقوق الإنسان ووضع ذلك على جدول أعمال الاجتماعات وعلى مستوى عال بين المسؤولين الأمريكيين والبحرينيين بما في ذلك اللقاءات التي تتم أثناء زيارة المسؤولين العسكريين الأمريكيين ومسؤولي وزارة الدفاع.
- إصدار تعليمات إلى طاقم السفارة في المنامة لطلب زيارة الشيخ عبد الأمير الجمري لإظهار قلق الولايات المتحدة لاستمرار الاحتجاز دون تهمة رسمية أو محاكمة للعديد من الأشخاص الذين لا تتوفر تجاههم قرائن بارتكابهم أو تشجيعهم للعنف.
- الطلب من طاقم السفارة تحسين رصدهم وتدقيق تقاريرهم لأوضاع حقوق الإنسان في البحرين، كما يتوجب أن تنعكس في الجزء الخاص بالبحرين من تقرير الخارجية الأمريكية حول أوضاع حقوق الإنسان لمختلف البلدان، وذلك بجعل التقرير يعكس تدقيقا أكبر لادعاءات الحكومة فيما يتعلق بسياساتها والتقييم المباشر والتدقيق في الاتهامات الموجهة لحكومة البحرين من قبل منظمة حقوق الإنسان في البحرين ولجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين.
- التوضيح بجلاء لحكومة البحرين علنيا وفي اللقاءات الخاصة بأن الانتهاكات المتواترة والمتكررة لحقوق الإنسان ستؤثرا سلبا على عمق ونوعية العلاقات مع الولايات المتحدة، بما في ذلك العلاقات الأمنية والعسكرية وبالمقابل فإن تحسين أوضاع حقوق الإنسان سيقوي هذه العلاقات.
- إصدار تعليمات إلى السفير في المنامة والمسؤولين العسكريين والدبلوماسيين الذين يزورون البحرين لطرح قضية حقوق الإنسان في لقاءاتهم مع وسائط الإعلام البحرينية.
- حث حكومة البحرين للتصديق على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وميثاق مكافحة التعذيب.
- حث حكومة البحرين بالرد علينا إيجابيا لطلبات المنظمات الدولية لحقوق الإنسان لزيارة البحرين والقيام بمهمات بحث هناك.
توصيات إلى أعضاء الكونجرس:
- تحديد موعد لجلسة استماع للجنتي العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ والنواب حيث يناقش سجل حكومة البحرين على جدول الأعمال.
- استجواب المسؤولين خلال جلسات الاستماع وتقديم التقارير حول التطورات في الشرق الأوسط والخليج بخصوص تطورات أوضاع حقوق الإنسان في البحرين.
- الطلب من الإدارة إصدار تقييم في تقرير معلن حول الخطوات المتخذة من قبل حكومة البحرين لضمان الحقوق المدنية والسياسية الأساسية لجميع مواطني البحرين.
توصيات إلى المملكة المتحدة:
إن العلاقات التاريخية السياسية والعسكرية الوثيقة بين المملكة المتحدة ودولة البحرين تتيح للمملكة المتحدة أن تلعب دورا رئيسيا لإحداث تحسينا في سجل البحرين لحقوق الإنسان. لقد أخبر المسؤولون في حكومة المحافظين السابقة منظمتنا وغيرها من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، بأنهم كانوا يثيرون بانتظام هذه القضايا مع حكومة البحرين في إطار من السرية. وكما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة، فإن هذا الأسلوب لم يعد مجديا أو كافيا، ولذا فإن منظمتنا تحث حكومة المملكة المتحدة على أن تضع في أولوياتها ما يلي:
- الطرح العلني لانتهكات حقوق الإنسان من قبل حكومة البحرين بصورة متواترة ومنهجية كسياسة رسمية، ووضع حد لسياسة الصمت تجاه هذه الانتهكات.
- إصدار تعليمات إلى طاقم السفارة البريطانية في المنامة للطلب من السلطات حضور المحاكمات في محكمة أمن الدولة وإظهار قلقها حول إجراءات المحكمة التي هي دون المستويات الدولية لمحاكمة عادلة.
- ضمان التزام البحرين مع المستويات الدولية لحقوق الإنسان ووضع ذلك على جدول أعمال جميع الاجتماعات على مستوى عال بين المسؤولين البريطانيين والبحرينيين بما في ذلك الاجتماعات التي تتم أثناء زيارة مسؤولي وزارتي الدفاع ووزارة الخارجية وشؤون الكومنولث إلى البحرين.
- إصدار تعليمات إلى طاقم السفارة البريطانية في المنامة لطلب السماح لهم بزيارة الشيخ عبد الأمير الجمري لإظهار قلقهم تجاه الاعتقال المطول دون توجيه اتهام رسمي أو محاكمة لأشخاص لا توجد ضدهم وقائع بارتكاب أعمال العنف أو التحريض عليها.
- إفهام حكومة البحرين بوضوح علنيا وعلى انفراد بأن الانتهاكات المتواصلة والمتكررة لحقوق الإنسان ستؤثر سلبا على عمق ونوعية العلاقات بين المملكة المتحدة ودولة البحرين بما في ذلك العلاقات العسكرية والأمنية في حين أن احترام حقوق الإنسان سيقوي هذه العلاقة.
- حث حكومة البحرين على التصديق على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وميثاق مكافحة التعذيب.
- حث حكومة البحرين بالرد إيجابيا على طلبات المنظمات الدولية لحقوق الإنسان لزيارة البحرين والقيام بمهام بحثية.
ثالثا: الخلفية التاريخية
تستمد البحرين اسمها من أكبر جزيرة فيها، وهي عبارة عن أرخبيل من الجزر الصغيرة الواقعة في منتصف الخليج العربي وتبعد عن الساحل العربي ما يقارب 25 كلم حيث ترتبط بجسر مع العزيزية على ساحل المملكة العربية السعودية. تبلغ المساحة الكلية للبحرين 694 كلم مربع. تبلغ مساحة الجزيرة الأم 89% من المساحة الكلية، وتتبعها من حيث المساحة جزيرتي المحرق وسترة حيث تستقطب الجزر الثلاث السكان والنشاط الاقتصادي(4).
بلغ عدد السكان 598 ألف عام 1996، من بينهم 62% بحرينيين والباقي عبارة عن عمال من جنوب وشرق آسيا وعرب(5). يعيش 85% من السكان في المدينتين الرئيسيتين العاصمة المنامة والمحرق وباقي المدن الأصغر مثل جدحفص وسترة والرفاع ومدينة عيسى، في الثلث الشمالي من البلاد. مما يجعل سكان البحرين من أكثر البلدان تمركزا في المدن. لقد استوعب التوسع الهائل لمدينة المنامة الكثير من القرى والمدن المحيطة بها وجعلها ضواح للعاصمة. كذلك الأمر بالنسبة لسترة حيث اندمجت القرى في مدينة واحدة.
تعتبر البحرين تاريخيا مركزا للتجارة الإقليمية ويتكون شعب البحرين من عناصر متمايزة. يشكل الشيعة 70% من السكان وغالبيتهم من السكان العرب الأصليين ويطلق عليهم البحارنة، وهناك أقلية منحدرة من المهاجرين الإيرانيين الشيعة. يشكل السنة 30% من مجموع السكان المواطنين بمن فيهم أحفاد القبائل العربية التي رافقت آل خليفة في غزوها للبحرين عام 1783، بعد قرنين من الحكم الفارسي. أما باقي مكونات السكان السنة فهم أحفاد المهاجرين العرب من منطقة نجد ووسط وشمال الجزيرة العربية خلال نهاية القرن الثامن عشر. إضافة إلى عرب آخرين وهنود وغيرهم من المهاجرين إلى البحرين وشرق الجزيرة العربية(6).
إن هذا التباين لمجموعات السكان وخصوصا احتكار السنة للسلطة السياسية واحتكار آل خليفة للأراضي، قد لعب دورا رئيسيا في الحركة السياسية حتى يومنا هذا(7).
يهيمن على تاريخ البحرين السياسي الاقتصادي والاجتماعي خلال القرن العشرين عاملان. الأول هو الحكم البريطاني من 1868 حتى استقلال البحرين في 1971، حيث كانت البحرين محمية بريطانية. وأحد أهم النتائج المترتبة على ذلك هو استمرار هيمنة آل خليفة حيث الحكم وراثي في آل خليفة، كما هو منصوص عليه في المادة (1) في دستور 1973. الأمير الحالي هو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة المولود في 1933، والذي أصبح أميرا في 1961. ومنذ بداية هذا القرن عين الإنجليز وكيلا سياسيا مقيما في البحرين، وبدأ يلعب دورا متزايدا في الشؤون المحلية. اتخذ المقيم السياسي البريطاني في الخليج من البحرين مقرا له بعد الحرب العالمية الثانية بعد أن كان مقيما حينها في بوشهر في إيران. واكتسبت قاعدة سلاح الطيران الملكي وتسهيلات سلاح البحرين الملكي أهمية كبيرة لبريطانيا مع تعزيز السيطرة البريطانية الإقليمية. كذلك أضحى للولايات المتحدة وجودا عسكريا رسميا في الخليج حيث كانت ترابط قوة من ثلاث قطع بحرية تتخذ من قاعدة الجفير قاعدة لها(8).
أما العامل الثاني فهو النفط. فقد كانت البحرين أول موقع يكتشف فيه النفط في الجزيرة العربية وذلك في العام 1932. حازت كالتكس وهي عبارة عن كونسترتيوم من كل من تكساكو وستاندرد أوبل أوف كاليفورنيا (شيفرون حاليا) شركة نفط البحرين (بابكو) كمشغل محلي. بدأ الإنتاج من أجل التصدير عام 1933، وأقامت بابكو مصنعا ضخما للتكرير جرى افتتاحه في 1937. ظلت صادرات البحرين من النفط متواضعة مقارنة بالاكتشافات والصادرات النفطية في المنطقة لكنها رغم ذلك أسست لأول اقتصاد قائم على النفط في المنطقة. أدى إنتاج النفط وتكريره إلى تطور صناعات وخدمات مرتبطة به، وأسهمت عائدات النفط في إقامة جهاز الدولة الحديث، بما في ذلك التوسع في أول نظام تعليمي علماني في المنطقة. ظلت البحرين لعقود ميناء الوصول الأساسي إلى شرقي الجزيرة العربية، واستفادت بالتالي من النمو الاقتصادي اللاحق لتطور صناعة النفط في السعودية.
إن نمو الجهاز الإداري والنمو الاقتصادي من جراء وجود شركات النفط الغربية قد أدى إلى توظيف مستخدمين من خارج البلاد. احتل المستخدمون من شبه القارة الهندية بصفتهم مواطنون بريطانيون حتى 1974 الوظائف العليا (White Collar) وكانوا في مقدمة المستفيدين من صناعة النفط، فيما احتل مواطنو المناطق المجاورة منها عمان وإيران الوظائف التي لا تحتاج إلى مهارة أو التي تحتاج إلى شيء من المهارة. ويمكنا لقول أن نمو قطاعات التجارة والخدمات الصناعية والإدارة في البحرين أبكر منه من سائر المناطق المجاورة وأنتج تمايزا طبقيا انعكس على الحركية السياسية والنقابية لا تتوافر إلى حد ما في مناطق الجزيرة العربية الأخرى. وأخيرا فإن عوائد النفط الكبيرة وخصوصا بعد اتفاقيات تنفيق الريع (المشاركة في الأرباح) مع حكومات الدول المنتجة في 1950، أعطى الأمير امتياز امتلاك ثروة كبيرة، مما مكن الأسرة الحاكمة من الإكتفاء اقتصاديا والهيمنة الاجتماعية مقابل العائلات التجارية التقليدية ومشايخ العشيرة الأخرى.
إن مزيجا من الحكم البريطاني الأجنبي وتوسع الاقتصاد الحديث وجهاز الدولة، قد أنتج حركية سياسية تشابه ما كان يجري حينها في مصر وإيران أكثر مما تشابه ما كان يجري في الجانب العربي من الخليج. ترافق النضال الوطني والنضال من أجل الإستقلال بنشاط نقابي سري مواز في مواقع مثل معمل تكرير بابكو والذي شهد أول إضراب عمالي في 1943. شهدت البلاد بدءً من 1953 أحداثا واضطرابات سياسية واجتماعية وعمالية بما في ذلك نزاعات طائفية بين السنة والشيعة في عدد من المناسبات. سارع زعماء الشيعة والسنة إثرها إلى تجميع جهودهم وأقاموا “هيئة الاتحاد الوطني” في 1954، لكن محادثات سرية بين الهيئة والأسرة الحاكمة انهارت على صخرة “مبدأ الانتخابات كقاعدة شرعية للسلطة”(9).
وشهدت السنوات اللاحقة سلسلة من الإضرابات والاشتباكات حول قضايا محلية وإقليمية، وصلت ذروتها مع الغزو البريطاني الفرنسي الإسرائيلي للسويس في نهاية 1956. قمعت الحكومة المظاهرات الجماهيرية للمعارضة ونفت خمسة من زعمائها إلى جزيرة سانت هيلانة. تبع ذلك تصعيد الحكومة لقدراتها القمعية من خلال توظيف عناصر أمنية من العراق وغيره وإنشاء “القسم الخاص” تحت قيادة ضباط انجليز ضمن قوات الشرطة لتتخصص في القضايا السياسية(10).
وفيما عارضت السلطات بشدة أي إصلاح بنيوي، فقد عمدت إلى اتخاذ خطوات لتعزيز قاعدتها السياسية بتشريع ظروف عمل أفضل وإعطاء دور طاغ للقطاع الخاص للعائلات التجارية المعروفة. فعندما اندلعت اضطرابات عمالية وسياسية في 1965 ومن بين القضايا المطروحة حينها الحق في إقامة تنظيم عمالي ووضع حد لتعديات الشرطة، فقد سارعت السلطات حينها إلى اعتقال المشاركين في الأحداث ونفي من اعتبرتهم قيادات التحرك(11).
اقترن الإعلان البريطاني في العام 1968 بالانسحاب العسكري من الخليج وإنهاء دورها السياسي المباشر في منطقة الخليج، ببذل الجهود لإقامة اتحاد سياسي فيدرالي لإمارات الخليج الصغيرة التي حكمتها بريطانيا. أما النتيجة النهائية فكانت إقامة الإمارات العربية المتحدة، في حين اختارت البحرين وقطر الاستقلال لوحدهما. كان على البحرين أن تواجه الادعاءات الإيرانية بالسيادة عليها استنادا إلى احتلالها للبحرين خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. كان من المؤكد أن أي استفتاء شعبي سيترتب عليه رفض الادعاءات الإيرانية، ولكن لم تكن أيا من بريطانيا أو آل خليفة راغبا في الرجوع إلى هذه الوسيلة المباشرة والبسيطة لقياس المشاعر السياسية. وبدلا من ذلك فقد جرى تحييد الادعاءات الإيرانية في مارس 1970 من خلال عملية “الاستشارات” على حد تعبير ممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة يو ثانت “للمنظمات والمؤسسات البحرينية التي تشكل الطيف الواسع من آراء شعب البحرين”(12). وترتب على ذلك إعلان استقلال البحرين في 16 أغسطس 1971.
إن تميز تاريخ البحرين السياسي من دون سائر بلدان الخليج الأخرى، بوجود حركة ذات قاعدة جماهيرية لجميع الطبقات ونشطات نقابية واضحة، قد جعل الأسرة الحاكمة استبدال القوة البريطانية الاستعمارية المنسحبة بنوع من أنواع الشرعية المحلية. ففي 16 ديسمبر أصدر الأمير عيسى مرسوما بقرب قيام برلمان وطني وأعلن قرار انتخاب المجلس التأسيسي الذي سيضع دستورا للبلاد. تشكل المجلس التأسيسي من 22 عضوا منتخبا وثمانية أعضاء معينين، وبدأ عمله في 1 ديسمبر 1972(13).
نصت الوثيقة التي جرت صياغتها في 1973 على انتخاب المجلس الوطني من 30 عضوا منتخبا وما لا يزيد عن 14 وزيرا كأعضاء بحكم الأمر الواقع. لم يكن من صلاحيات المجلس اقتراح التشريعات ولكن كان بإمكانه إبداء الرأي في التشريعات والمشاريع الحكومية القائمة والمقترحة(14). جرت الانتخابات العامة في 7 ديسمبر 1973 وأضحى الدستور حيز التنفيذ بانعقاد أول جلسة للمجلس الوطني في 16 ديسمبر 1973(15).
بقت الأحزاب غير مشروعة، وتقدم المرشحون للانتخابات كمستقلين ولكنهم يمثلون ثلاث كتل واضحة هي كتلة الشعب من ثمانية نواب يساريين وقوميين ولهم ارتباطات بالمنظمات السرية (الشيوعيين ممثلين بجبهة التحرير الوطني البحراني والقوميين ممثلين بالجبهة الشعبية في البحرين)، والكتلة الدينية من ستة نواب من رجال الدين والقضاة المنتخبين عن دوائر ريفية شيعية وكتلة الوسط المستقلة من 16 نائبا غير مرتبطة بكتل أخرى تنظيميا أو أيديولوجيا وتمثل جمعا من أصحاب الثروة والتعليم والعائلات البارزة والنفوذ الحكومي ومن هم أصحاب نفوذ لتوظيف المواطنين لدى الحكومة(16).
تمتع أعضاء الوزارة الأربعة عشرة بنفس حقوق وامتيازات الأعضاء المنتخبين، مما يعني أنه يمكن للحكومة تأمين أغلبية أي تصويت أو تشريع بدعم من أقل من ثلث الأعضاء المنتخبين رغم أنها تفصل في الممارسة دعم الأغلبية المنتخبة.
لم تستمر تجربة البحرين في التمثيل السياسي المشترك سوى أقل من سنتين. وحسب قول أحد النشطاء السياسيين للمنظمة فقد شعر الناس بالجسارة “فالنساء يقمن بتوزيع العرائض تطالب بحقوقهن، والملالي المحافظين يقومون بجمع التواقيع مطالبين بالعزل بين الجنسين في الأماكن العامة ومؤسسات الدولة. كانت الأندية تنظم دروسا حول إدارة الإضرابات والمفاوضات العمالية. وبالنسبة لوجهة نظر الحكومة فقد خرج الأمر عن نطاق سيطرتها”(17).
على إثر سلسلة الإضرابات كما في مصنع الألومنيوم (ألبا) والحوض الجاف وطيران الخليج، وعددا آخر من المؤسسات الأقل شأنا، أصدر الأمير قانون بتدابير أمن الدولة، في أكتوبر 1974، والذي يسمح بموجبه للحكومة باعتقال والسجن دون محاكمة أي شخص يشك في ارتكابه أعمالا أو أقوالا أو ممارسته نشاطات أو إجراءه اتصالات داخل البلاد أو خارجها ذات طبيعة تعتبر تهديدا للأمن الداخلي أو الخارجي للبلاد(18).
طالب عدد من أعضاء المجلس الوطني بطرح القانون أمام المجلس لإقراره أو تعديله قبل تنفيذه. لكن الحكومة وفي حسابها، الاحتجاجات والعرائض المشهرة والتي جرى تقديمها مطالبة بتعليق العمل بقانون الأمن العام لعام 1965، لم تكن راغبة في عرض القانون الجديد على المجلس. وقد فشلت الحكومة من خلال المساومات خلف الكواليس، في كسر وحدة تحالف الكتلتين (الشعب والدينية). إضافة إلى عدد من النواب المستقلين حول هذه القضية “كان واضحا أنه كلما ظلت القضية مدار جدل علني، كلما أضحى موقف الحكومة أضعف” على حد تعبير خوري(19). انسحبت الحكومة في مايو 1975، من الجلسة المخصصة لمناقشة القانون. وبحلول أغسطس 1975 حيث بدا أن الإجازة الصيفية لن يغير من حركية الصراع، عمدت الحكومة إلى حل المجلس الوطني(20).
أجاب وزير الإعلام محمد إبراهيم المطوع في رده على سؤال في بداية العام 1996، حول أسباب حل المجلس الوطني بالقول “بأنه أعاق الحكومة” لكنه يجب إعادته “عندما نشعر أننا نحتاجه وعندما يكون ملائما لمجتمعنا والتنمية”(21).
عمدت الحكومة في 1976، وفي ظل قانون أمن الدولة لإحلال قانون العقوبات لعام 1955 بقانون عقوبات جديد وشرعت لمحكمة أمن الدولة لمحاكمة المتهمين بموجب المواد المتعلقة بالأمن الداخلي والخارجي(22). اتبعت الحكومة حلها للمجلس الوطني القيام بحملة اعتقالات وسجن بدون محاكمة والنفي القسري مما تسبب في فشل المعارضة اليسارية والعلمانية بنهاية عقد السبعينيات. كما جرى إحباط المعارضة المستندة إلى الحركة العمالية في الثمانينات بأحداث تغييرات اقتصاديــة-اجتماعية شملت التحول من التصنيع إلى الخدمات وخصوصا الخدمات البنكية والسياحة وزيادة كبيرة في أعداد العمالة الأجنبية(23).
حركت الثورة الإيرانية 78-1979 مختلف فئات المعارضة وأثرت عميقا على الأغلبية الشيعية والتي عبرت عن نفسها بلغة دينية وتفاعلت معها بحماس مع طروحات آية الله الخميني الذي حدد موقع الشيعة أنهم من المستضعفين في الأرض. إن طروحاته منذ الأيام الأولى للثورة بإقامة جمهورية إسلامية أسهمت في استقطاب المعارضة اليسارية والقومية في أوساط السنة والشيعة على السواء. أما المعارضة الشيعية القحة فقد عبرت عن نفسها بمنظمات خاصة بها وخصوصا الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين ولكن أيضا من خلال تكتل المجتمع في مواجهة ظلامات الحكومة وخصوصا سياسة التمييز الطائفي التي استهدفت معيشتهم ومشاركتهم في السلطة. عمدت الحكومة في ديسمبر 1981 إلى اعتقال 73 شخصا معظمهم بحرينيون إلى جانب بعض الشيعة من المملكة العربية السعودية وغيرها من بلدان الخليج بتهمة التآمر بدعم من إيران للإطاحة بالنظام (24).
وبعد أشهر من الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي وتعرضهم أثناءها للتعذيب، وإدخال تعديلات جوهرية
على بنود قانون أمن الدولة لعام 1976، بأثر رجعي مما يسمح للحكومة بمحاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة، جرى تقديم المتهمين للمحاكمة في مارس 1982 وحكم عليهم في مايو. حيث حكم على ثلاثة منهم بالسجن مدى الحياة وتسعة وخمسون بالسجن لمدة خمسة عشرة عاما لكل منهم وعلى عشرة منهم بالسجن لمدة سبع سنوات لكل منهم (25). وعلى امتداد السنوات اللاحقة، استمرت الحكومة في اعتقال ونفي نشطاء المعارضة. سواء أكانوا إسلاميين أم يساريين على السواء.انضم عدد من الطلبة البحرينيين الدارسين في الخارج إلى منظمات بحرينية وعربية تعتبرها الحكومة معادية وبالتالي لم يسمح لهم بالرجوع إلى وطنهم. استمرت أسرة آل خليفة في احتكار السلطة السياسية بين أعضاء مجلس الوزراء الذي عينه الأمير عيسى في 1971، هناك 7 وزراء من آل خليفة. وفي حين أنه جرت استقالة عدد من الوزراء بصورة فردية، فإن الوزارة ظلت كما هي طوال عقدين منذ الاستقلال في أغسطس 1971 حتى يونيو 1975، عندما قدم رئيس مجلس الوزراء استقالة حكومته، لكن الحكومة الجديدة كما السابقة حصرت رئاسة الوزراء والوزارات الرئيسية على آل خليفة.
رابعا: جذور الأزمة الحالية
انتهز البحرينيون الفرصة السانحة إثر حرب الخليج بالضغط من أجل إصلاحات سياسية. وفي مناقشة مع المنظمة، ذكر عدد من النشطاء الإصلاحيين البحرينيين، أنهم استلهموا الحركة الواسعة الجارية حينها في الكويت والمطالبة بالإصلاح السياسي بما في ذلك إجراء انتخابات وإعادة البرلمان الذي جرى حله في 1986.
وحتى السعودية فقد شهدت حركة تقديم عرائض من قبل الليبراليين والإسلاميين على السواء مطالبة بجعل الحكومة عرضة للمحاسبة ووضع حد للفساد. أما على المستوى العالمي، فقد وضع انهيار الاتحاد السوفيتي حدا للحجة القديمة التي يتعلل بها أعداء الشيوعية في لجوئهم إلى القمع. ويرتبط بذلك تطور آخر وهو الترويج للديمقراطية من قبل الحكومات الغربية وخصوصا الولايات المتحدة. كما تجلت في الضغط الأمريكي على الأسرة الحاكمة في الكويت، لإجراء انتخابات ووضع حد للانتهاكات الفاضحة للحقوق المدنية، لكن هذه الضغوط لم تمارس ويا للعجب على السعودية والبحرين. وعلى حد تعبير أحد المحامين الإصلاحيين “يمثل دستور البحرين لعام 1973، تسوية وسطا وعقدا، فهو يعطي الشرعية لآل خليفة كأسرة حاكمة. كانت هناك مجادلات مطولة في المجلس التأسيسي فالمحافظون أرادوا مجلسا وطنيا معينا فيما أراد الليبراليون مجلسا منتخبا بالكامل. أما المحصلة فهي تسوية والحقيقة أنها تسوية مثالية. فمن ناحية وضعت قيودا على الأمير فيما حافظت على كثير من امتيازاته. إنها خلطة بحرينية مثالية(26)”.
وفيما اتخذ آل خليفة موقفا معاديا للداعين للإصلاح السياسي، فإنهم في ذات الوقت أدركوا قيمة اتخاذ مبادرات لوضع حد لتآكل شرعيتهم كظاهرة تشمل الأسرة الخليجية الحاكمة، وذلك إثر الغزو العراقي للكويت وما تلاه من أحداث.
أطلقت الحكومة خبرا غير رسمي في أبريل 1992 بأنه سيسمح لما يقارب 120 بحرينيا في المنفى بالعودة إلى البلاد(27). وفي الشهر التالي وبمناسبة عيد الفطر والذي يعتبر مناسبة سعيدة للمسلمين حيث يصدر الأمير عادة عفوا عن بعض السجناء بإطلاق سراحهم أو تخفيض مددهم، جرى إطلاق سراح عدد من السجناء لكنه لم يعرف عما إذا كانوا جنائيين أو سياسيين. وفي مايو 1992، اتخذت الحكومة، بالرغم من مصاعبها المالية، إجراءات من شأنها زيادة الدعم للإسكان والخدمات لمعالجة الشكاوى المتزايدة للفقراء وخصوصا الشيعة.
حملة العريضة
كانت مبادرات الحكومة دون القيام بإصلاح سياسي يحدّ من سلطة العائلة الحاكمة المطلقة. وبالمقابل فقد كانت هذه الإصلاحات على قائمة النخبة السياسية وخصوصا العمل على إعادة العمل بالمجلس الوطني من خلال انتخابات نيابية. ومع الأشهر الأولى لعام 1991، فقد بدأ بتداول هذه الأفكار من خلال المجالس التي تعقد في البيوت، حيث أن الاجتماعات العامة محظورة. وعلى حد تعبير أحد القيادات السياسية “لقد كنت من ضمن 15 شخصية تجتمع بانتظام لمناقشة كيفية عودة العمل بالدستور جرت بعض هذه الاجتماعات في بيتي، وبدأ مزيد من الناس بالمشاركة(28)”. وعلى حد تعبير آخر، “فقد بدأت مجموعات مناقشة بالتشكل. ومن بين هذه المجموعات جرى تشكيل منظومة لجان لتحريك الأمور إلى الأمام بشكل أكثر فعالية(29)”.
جرت صياغة عريضة في أكتوبر 1992. بدأ التوقيع على العريضة في بيت الشخصية اليسارية المعروفة علي ربيعة وهو نائب منتخب سابق بالمجلس الوطني. وجرى تداولها بشكل غير معلن حتى تم جمع ما يقارب 280 توقيعا لشخصيات من التجار والمحامين والكتاب وأصحاب الاختصاصات الأخرى، بما في ذلك بعض النواب المنتخبين. وكما ذكر أحد القائمين على العريضة للمنظمة “فقد كانت عملية محصورة بالمثقفين، لكنهم في ذات الوقت يمثلون مختلف قطاعات الشعب”. أما العريضة عبارة عن صفحتين وهي تمتدح الأمير لدوره في إصدار دستور 1973، وتطلب منه إصدار أمره لانتخاب المجلس الوطني كما هو منصوص عليه في الفصل الرابع من الدستور(30). “لقد عبرنا عن احترامنا الشديد للأمير ولسنا معارضة متشددة”، كما عبّر عن ذلك أحد المشاركين في العريضة(31).
كان رد فعل الحكومة غامضا. فمن ناحية عمدت الحكومة إلى إحباط مطلب إعادة المجلس الوطني وذلك بتعيين مجلس الشورى من ثلاثين عضوا، ومهمته الرئيسية هي إبداء الملاحظات على القوانين والتشريعات التي تقترحها الحكومة المعينة. وقد علق أحد رجال الأعمال البحرينيين على ذلك بقوله “لقد جرت صياغة 95% من مجلس الشورى في السعودية”، وأضاف قائلا للمنظمة “لقد فوجئ الوزراء من غير آل خليفة عندما أعلن عن تشكيل مجلس الشورى(32)”.
وكما جاء في نهاية عريضة 1992، “فان الموقعين يعترفون بحق الأمير في تعيين أي هيئة” لكنها كما جاء في النص “لا تحل محل المجلس الوطني كسلطة دستورية وتشريعية(33)”.
رأى بعض المشاركين في العريضة أنه من الضروري تقديم العريضة إلى الأمير قبل الإعلان عن قيام مجلس الشورى، فيما رأى آخرون ضرورة التذرع بالصبر حيث يمكن اجتذاب الشخصيات الليبرالية المقبولة وليس المناضلين المزمنين لقيادة التحرك. وفي النهاية تغلب رأي المجموعة الأولى. وفي يوم 15 نوفمبر 1992، قام وفد من ستة أشخاص ثلاثة منهم من الشيعة وثلاثة من السنة ويضم قاض شيعي هو الشيخ عبد الأمير الجمري، وشخصية دينية شيعية هو عبد الوهاب حسين (مدرس) وشخصية فكرية إصلاحية هو الشيخ عبد اللطيف المحمود، والسيد محمد جابر الصباح وهو نائب سابق والسيد عيسى الجودر وهو شخصية سنية معروفة والسيد حميد صنقور وهو محام شيعي بارز، بالالتقاء بالأمير الشيخ عيسى. وقد توفي السيد حميد صنقور وهو رئيس سابق لجمعية المحامين. وهو الوحيد من الأعضاء الباقين الغير مرتبط بالحركة السياسية. كان لقاء الأمير بالوفد جافا وباردا وقصيرا. وعلى حد قول أحد أعضاء الوفد فقد “قابلنا الأمير وأخبرنا أنه مقدم على مبادرة إقامة مجلس الشورى وهو الشيء الوحيد الذي يجب أن تتوقعوه(34)”. وأضاف آخر بقوله “بالرغم من جميع الالتماسات لدى الديوان الأميري طوال شهور فلم نحض برد رسمي(33)”.
وهذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها الحاكم بوفد يشمل شخصيات شيعية وسنية ويلاحظ أن الأمير رفض لاحقا كل الطلبات للقاء وفود تشمل شيعة وسنة وأصر على لقاء وفود سنية ووفود شيعية كلا على انفراد. ويقول منتقدو النظام هذه هي أحد أساليب الحكم لتعميق الخلافات بين الطائفتين.
في 16 ديسمبر 1992 وهو اليوم الوطني للبحرين أعلن الأمير الشيخ عيسى بن سلمان الخليفة عن تعيين مجلس الشورى، الذي بدأ أول جلساته في يناير 1993. جرى تعيين الثلاثين عضوا لمدة أربع سنوات ومعظمهم من رجال الأعمال إضافة إلى مجموعة صغيرة من المحامين والقضاة وأعضاء سابقون في المجلس الوطني، وعين وزير المواصلات السابق السيد إبراهيم حميدان رئيسا للمجلس. جميع جلسات مجلس الشورى مغلقة أمام الجمهور ولا تتوافر محاضر بجلساته. في مقابلة مع الأمير في نوفمبر 1993، وصف المجلس بأنه إطار “للمناقشات الجادة”. ووصف نشاطاته بأنها تتميز بالنقاشات الجادة وتعكس أفضل ما في الحوار الديمقراطي وفي إطار من التفاهم المتبادل ما بين الحكومة والمجلس(36). لكن من خلال المقابلات العديدة التي أجرتها لجنة مراقبة حقوق الإنسان في أوساط رجال الأعمال وأصحاب الاختصاصات البحرينيين، فإن أيا منهم لم يعتبر أن مجلس الشورى يعكس جديا أي مبادرة للإصلاح. فمعظم البحرينيين الذين تحدثوا مع المنظمة بمن فيهم وزراء سابقين بأنه لم يعد حتى مجلس الوزراء مكانا للمناقشات الحقيقية للسياسات المتخذة وأضحى عبارة عن ختم للتصديق على قرارات رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، أخ الحاكم، الذي لا يستمع إلا لمجموعة ضئيلة من المسؤولين المؤثرين في مقدمتهم وزير الداخلية الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة، ابن عم الأمير. إن هذه النظرة اللامبالية في أوساط البحرينيين تجاه مجلس الشورى تتناقض مع التقييم الإيجابي في السر والعلن لحلفاء البحرين وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية(37).
وفيما استمرت الأزمة السياسية في التفاعل خلال 93-1994، عانى اقتصاد البحرين من الكساد وتراجع مجمل النشاط الاقتصادي في المنطقة بشكل عام والسعودية بشكل خاص.
فقد تسبب ذلك في تراجع النشاط الاقتصادي والتحويلات المالية إلى البحرين من جيرانها الأغنياء ترتب
على ذلك تراجع الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 1.8% عام 1994 و1% عام 1995(38). ارتفعت نسبة العاطلين عن العمل إلى 15% من قوة العمل وقدرة نسبة البطالة في أوساط الشباب الشيعة بأنها ضعف ذلك في أوساط الشباب السنة، وذلك لأن النمو في فرص العمل أقل بكثير من النمو في قوة العمل(39). واستمر النمو في توظيف غير البحرينيين بوتيرة أعلى من توظيف البحرينيين، بالرغم من الوعود الحكومية للحد من عدد رخص العمل الممنوحة للأجانب(40).
أخبر العديد من دعاة الإصلاح السياسي منظمة مراقبة حقوق الإنسان باستمرار الاتصال بكبار المسؤولين الحكوميين. فرئيس الوزراء مثلا يقيم مساء كل أربعاء مجلسا ويدعو أحيانا شخصيات بنكية واقتصادية بارزة، وأحيانا محامين وقضاة، كما يتم دعوة بعض المنتقدين للحكومة أحيانا.
المظاهرات
انتقلت حالة التذمر الاقتصادية والسياسية خلال 1994 من الغرف المغلقة ومكاتب النخبة إلى الشوارع. ففي يناير 1994. فرقت قوات الأمن بالقوة احتفالا دينيا في جامع مؤمن بالعاصمة المنامة في ذكرى أربعينية آية الله العظمى سيد محمد رضا كلبيكاني، وهو إيراني من المراجع الخمسة الكبار للشيعة(41) كان الشيخ علي سلمان وهو رجل دين شاب درس الفقه في قم، من بين المتحدثين المقرّرين. وذكر الشيخ علي سلمان للمنظمة في لندن بأن سلطات البحرين تفرض ترخيصا على مثل هذه الاحتفالات، لكن المنظمين لم يسعوا للحصول على ترخيص وهو ما جعل السلطات تتعامل معها بعصبية. تجمع ما يقارب ألف شخص بهذه المناسبة في مساء 19 يناير، لكن أيا من الحاضرين لم يقدّر خطورة وجود قوات الأمن التي أحاطت بالمسجد. على حد قول الشيخ علي سلمان(42). لكن ما تبع ذلك تمخض عن مواجهة عنيفة لا سابق لها. وذكر أحد من شاركوا في الاجتماع المنظمة أنه بعد ساعة من بدء الاحتفال، أعلنت قوات الأمن عبر المكبرات أنه يتوجب على الحاضرين مغادرة المكان خلال خمس دقائق.
“لكن قبل انتهاء الخمس دقائق، بدأوا بإطلاق القنابل المسيلة للدموع في المسجد، واستمروا في إطلاق هذه القنابل. وقد أثار ذلك الفزع في نفوس الحاضرين. حث الشيخ على الحاضرين بعدم الخروج، وعدم المواجهة مع الحكومة، لكننا لم نتمكن بسبب الغاز الخانق من البقاء واندفعنا إلى الخارج. وعندما أصبحنا في الخارج، بدأنا بإلقاء الحجارة على الشرطة، فيما أطلقوا علينا القنابل المسيلة للدموع ولاحقتنا سيارات الشرطة، وجرى اعتقال ما يقارب من 24 شخصا(43)”.
جاء في تقرير مقتضب لرويتر استنادا إلى مقابلات أجرتها بعد الحادث مع شهود عيان “بأن قوات الأمن عمدت إلى إطلاق العديد من القنابل المسيلة للدموع في باحة الجامع واعتقلت 24 شخصا وأغلقت المنطقة وكذلك أغلقت الجامع(44)”.
استعاد عدد من الأشخاص وقائع عام 1994 للمنظمة ووصفوا مشاعرهم “بأنها محبطة” فيما كان الوزراء يتحدثون عن “فرص اقتصادية أعظم”، فيما استمرت البطالة في التدهور. شهد ذلك الصف مظاهرات كبيرة عديدة للشباب العاطل عن العمل أمام وزارة العمل في مدينة عيسى. انطلقت أولاها 29 يونيو وضمت ما يقارب 200 شاب وانتهت بسلام عندما أخبرهم المسؤولون بأن عليهم أن يعودوا في 2 يوليو لتسجيل أنفسهم كباحثين عن عمل. وعندما تجمل ما يقارب 1500 منهم ليسجلوا أنفسهم وحاولوا تنظيم اعتصام في الوزارة جرى استدعاء قوات الشغب التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم. تكرر ذات الشيء في 31 أغسطس و3 سبتمبر(45). وجرت اعتقالات عديدة في أوساط العاطلين عن العمل حسب ما ذكره الشيخ علي سلمان والذي كانت له علاقة بتنظيم التظاهرات. جرى اعتقال الشيخ علي سلمان من قبل قوات الأمن ليوم واحد ثم أطلق سراحه بعد مصادرة جوازه(46).
تزايد الإحباط السياسي فيما كانت الحملة من أجل عودة البرلمان تواجه المحبطات الحكومية. عمد بعض المنظمين لعريضة 1992، بتدشين حملة لإصدار عريضة شعبية ثانية، والتي تضمنت القضايا الجوهرية في العريضة الأولى، لكنها كانت أكثر انتقادية عن الأزمة الاقتصادية و”القوانين التي أصدرت في ظل غياب البرلمان والتي تحد من حرية المواطنين وتناقض الدستور(47)”.
دعت العريضة الثانية أيضا إلى “مشاركة المرأة في العملية الديمقراطية” وفي هذا الصدد فقد كانت الدكتورة منيرة فخرو أستاذة علم الاجتماع في جامعة البحرين وواحدة من أبرز الشخصيات المرموقة في البلاد، وأحد الأربعة عشرة الأوائل في توقيع العريضة وحسب ما يقوله منظمو جمع التواقيع فقد تمكنوا خلال شهرين من جمع ما بين 20 إلى 25 ألف توقيع. لكنه وفي حين كانت تواقيع العريضة الأولى موزعة بالتساوي بين الشيعة والسنة فإن غالبية عشرات الآلاف من موقعي العريضة الشعبية من الشيعة. عاكسة بذلك الشعور القوي بالاضطهاد والتهميش من قبل البحرينيين الشيعة والدور النشط لرجال الدين الشيعة بمن فيهم الشيخ علي سلمان في دعم حملة جمع التوقيعات من خلال الاحتفالات الدينية وفي الأماكن الدينية كالمأتم(49).
شارك معظم الذين دعموا العريضة الأولى في دعم العريضة الشعبية الثانية، رغم أن البعض منهم، اعتبر نقل حملة الإصلاح السياسية إلى الشارع خطأ استراتيجيا وبالتالي إعطاء الحجة للنظام لتصوير الحركة بأنها حركة طائفية للشيعة ضد السّنة. واستثارة ما يدعى بالخطر الخارجي خلال المرحلة اللاحقة للعملية بمعنى الدعم الإيراني لنشاطات المعارضة للأغلبية الشيعية البحرينية.
حدثت المواجهة في 25 نوفمبر 1994، حول سباق الماراثون الذي يشارك فيه بحرينيون وغربيون على السواء، وذلك لجمع تبرعات لمشاريع خيرية. كان ممر الماراثون يمر عبر قرى شيعية قريبة من العاصمة المنامة(50). وقد نظم شباب من الشيعة احتجاجا على ذلك، وذكر أنهم اعتبروا الملابس الرياضية للنساء الغربيات المشاركات فاضحة وتشكل انتهاكا للقيم السائدة. ورفع المحتجون يافطات احتجاج وأطلقوا شعارات وذكر أنهم رموا المشاركين بالحجارة. وحسب قول الشيخ علي سلمان والذي اتهمته الحكومة لاحقا بالتحريض على المواجهة “شارك ما يقارب مائة شاب في الاحتجاج لمدة ساعة. لقد رفعوا يافطات الاحتجاج ضد السباق. وقد جرى تفريقهم عند الساعة الثالثة ظهرا. تقول الحكومة أن الشباب ألقوا الحجارة، وقد يكون ذلك صحيحا لكنه لم يوقف السباق من الوصول إلى فندق ديلمون بالعاصمة المنامة حيث انتهى الساعة الخامسة بعد الظهر”.
وحسب قول الشيخ علي سلمان، فقد جرى اعتقال ما يقارب عشرين شابا في الليل وجرى إطلاق سراح عشرة منهم بعد أسبوعين، لكن تسعة منهم لا يزالون في الاعتقال في منتصف 1996، أي بعد مرور سنة ونصف على الحادث(51). جرى اعتقال الشيخ علي سلمان في 5 ديسمبر 1994، من قريته بلاد القديم، وذلك بتهمة إثارة حادثة الماراثون وتنظيم الاحتجاجات ضد الاعتقالات التي تلتها.
ترتب على اعتقال الشيخ علي سلمان، احتجاجات عنيفة واشتباكات في الشوارع في المناطق المزدحمة بالسكان في العاصمة المنامة وسترة خلال ديسمبر 1994، ويناير 1995. وحسب ما ذكرته وزارة الداخلية والتي عمدت إلى التقليل من حجم الاضطرابات في فترة سبقت الاجتماع الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي في منتصف ديسمبر، فقد كانت المظاهرات تجري كل يوم تقريبا(53). وفيما تصاعدت الصدامات، فقد ترافقت المظاهرات هجوما بالقنابل الحارقة ضد مراكز الشرطة والبنوك والممتلكات التجارية. وعمدت قوات الأمن في 12 ديسمبر إلى إغلاق منطقة بلاد القديم وحي المخارقة بالمنامة. واستخدمت قوات الأمن الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، كما استخدمت طائرات الهليوكوبتر من أجل ذلك(54). استخدمت قوات الأمن الذخيرة الحية في مواجهة المظاهرات في السنابس مما تسبب في مقتل هاني عباس خميس وهاني أحمد الوسطي. كما قتل في شهر ديسمبر مواطن وشرطي أيضا. وحسب تقدير السفارة الأمريكية فإن السلطات اعتقلت ما يتراوح ما بين 500 و600 شخصا، ومئات غيرهم في يناير(55). فبالإضافة إلى العديدين الذين جرى اعتقالهم في الشوارع فقد عمدت قوات الأمن إلى شن حملات اعتقال في الدراز وسترة والسنابس وجدحفص والدير وغيرها من المناطق.
أكد وزير الداخلية في لقائه مع أربعة من وجهاء الشيعة الذين التقوه ملتمسين إطلاق سراح الشيخ علي سلمان “أن لدى الحكومة اعترافات ووثائق دامعة تؤكد دور الشيخ علي في إثارة الاضطرابات السياسية”. وحسب أحد المشاركين في الإجتماع فإن وزير الداخلية أخبر المجموعة أن الحكومة لن تطلق سراح الشيخ علي سلمان وأنها ستقدمه إلى المحاكمة وتثبت التهم الموجهة ضده(56). لكنه وفي 15 يناير 1995، أعلنت الحكومة ذلك اليوم أنها قامت بنفي مجموعة من “المتسللين الذين كانوا يثيرون الاضطرابات”(57). وهؤلاء هم الشيخ علي سلمان إضافة إلى رجلي دين آخرين وهما الشيخ حمزة الديري والشيخ حيدر الستري الذين اعتقلا في نهاية ديسمبر. كذلك جرى اعتقال الشيخ عادل الشعلة، 28 عاما، في 7 يناير وجرى نفيه إلى سوريا في 18 يناير. كما جرى حسب بيان لمنظمة العفو الدولية نفي الشيخ محمد خوجستة وشخصين آخرين في يناير 1995.
رد الحكومة
شهد شهر ديسمبر 1994، اندلاع اضطرابات اجتماعية متواصلة ومع حالات انحسار فإن الاضطرابات في سنتها الثالثة. وشهدت الأشهر التي تلت ديسمبر 1994، احتجاجات مستمرة في الشوارع والمزيد من الاعتقالات وصدور العديد من البيانات الحكومية بإطلاق سراح معتقلين. وفي نهاية فبراير 1995، أعلن رئيس الوزراء أن 300 شخص لهم علاقة بالاضطرابات لا يزالون في المعتقل، فيما ذكرت رويتر أن السكان المحليين يقدرون أن عدد المعتقلين بـ2000 معتقل(58).
تصاعدت في شهري مارس وإبريل وتيرة الأحداث وارتفع معها عدد المعتقلين وحدث المزيد من الإصابات. وفي حين أن البعض جرى اعتقالهم لاتهامات محددة تتعلق بالعنف والتخريب وآخرين لنشاطات غير عنيفة مثل توزيع المنشورات والكتابة على الجدران أو حث الحكومة علنا على التفاوض مع المعارضة، فإن العديد من الاعتقالات عشوائية وأنه لم يجرِ توجيه اتهامات رسمية لمعظم المعتقلين.
من بين المعتقلين الذين لم توجه لهم تهم رسمية من القادة السياسيين البارزين الشيخ عبد الأمير الجمري، عضو المجلس الوطني الذي جرى حله والقائد غير الرسمي لأحد فصائل المعارضة ذات القاعدة العريضة وهي حركة أحرار البحرين الإسلامية(59). جرى اعتقال الشيخ عبد الأمير الجمري في 1 أبريل 1995، مع العديد من قادة الشيعة ومنهم عبد الوهاب حسين وحسن مشيمع والشيخ خليل سلطان والذي عبر عن ذلك بقوله للمنظمة “لم نتفاجأ باعتقالنا فقد كنا نعرف أنهم يسجلون جميع احتفالاتنا”(60). ولم توجه لأي من القادة المعتقلين أي تهمة رسمية طوال الخمسة أشهر من الاعتقال(61). لكن السلطات عمدت بعد فترة قصيرة من اعتقالهم إلى إجراء حوار معهم. وكما عبر عن ذلك الشيخ خليل سلطان للمنظمة “بدأت المفاوضات في وقت ما من شهر مايو وبنهاية الشهر وافقوا على جمعنا مع بعض في سجن المخابرات”. وأضاف الشيخ خليل بقوله “عقد ما يقارب من 20 اجتماعا في الفترة ما بين مايو وأغسطس بمعدل ساعة إلى ساعتين مع إيان هندرسون مدير المخابرات والأمن أو أحد مساعديه (عادل فليفل) وعقدت عدة اجتماعات مع وزير الداخلية”(62).
ويضيف الشيخ خليل بقوله “كانوا متضاربين منطقيا. ففي البداية قالوا أن إعتقالاتنا أدت إلى تهدئة الأمور، وبعد ذلك قالوا بأنهم يريدون التعهد بتهدئة الأمور من أجل ضمان إطلاق سراحنا. ظلوا يؤكدون أننا لا نساوي شيئا ولذا فقد كانوا مترددين للاعتراف بأننا قادرون على تهدئة الأمور”. وحسب قول الشيخ خليل وغيره من مصادر المعارضة فإنه تم التوصل إلى اتفاق في أواسط أغسطس حيث تعهدت المعارضة بإيقاف احتجاجات الشوارع مقابل اتخاذ الحكومة لعدد من الخطوات التي تستجيب للمطالبة بإعادة العمل بالدستور وإعادة المجلس الوطني وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. والسماح للمنفيين بالعودة. “لكنه وتحت إلحاح الحكومة فإنه لم يجر تدوين ذلك كتابيا” على حد قول الشيخ خليل. في حين أن معارضا مستقلا أخبر منظمتنا “أن الحكومة لم تذهب أبعد من الوعد بالنظر في هذه المطالب”. جرى إطلاق سراح الشيخ خليل سلطان وحسن مشيمع وتم التفاهم معهما بأن يذهبا إلى دمشق ولندن لإقناع معارضي النظام المنفيين لإنهاء نشاطاتهم. جرى إطلاق سراح عبد الوهاب حسين في 9 سبتمبر وجرى إطلاق سراح الشيخ عبد الأمير الجمري في 26 سبتمبر. كما جرى إطلاق سراح عددا من الأشخاص الذين جرى اعتقالهم خلال حملات المداهمة الجماعية من مناطق مختلفة طوال الأشهر التسعة الماضية.
تراجعت احتجاجات الشوارع، لكن معارضي الحكومة اتهموها لا تتصرف بنية حسنة. فقد أنكرت الحكومة وجود أي اتفاق وتدهور الوضع بسرعة. وبحلول ديسمبر اندلعت احتجاجات الشوارع إثر إصدار محكمة الاستئناف العليا حكما بالإعدام ضد رجل متهم بقتل شرطي، وتلا ذلك الاستئناف اعتقالات واسعة(64).
استأنف الشيخ عبد الأمير الجمري وقادة الشيعة الآخرين انتقاد الحكومة في خطبهم “لتحركاتها الاستفزازية” واستأنفوا الدعوة إجراء انتخابات وإطلاق سراح المعتقلين وأضحت المساجد مواقع للصدامات مع قوات الأمن مرة أخرى. تسبب انفجار تحذيري في مجمع تجاري في 31 ديسمبر وانفجار قنبلة صغيرة في حمامات فندق ميريديان في 17 يناير أثناء انعقاد مؤتمر عن صناعة النفط في حملة اعتقالات وصدامات(65). جرى استدعاء الشيخ الجمري وآخرين إلى وزارة الداخلية فيما يتعلق بخطبهم وملاحظاتهم العلنية. وفي 23 يناير، أكدت وزارة الداخلية اعتقال الشيخ عبد الأمير الجمري وعبد الوهاب حسين وغيرهما(66). وأكد مسؤول حكومي بإن هناك وقائع ووثائق مدعمة بالصور تثبت تورط المجموعة في الحوادث وأنهم سيقدمون إلى السلطات القضائية المختصة(67).
وحتى مايو 1997، أي بعد ستة عشر شهرا، لم توجه اتهامات رسمية للشيخ الجمري وزملائه، وذكر أنه سمح لهم بزيارات عائلية قصيرة. وفي يناير 1996 بدى أن الحكومة قد تعلن الأحكام العرفية وأن تستخدم قوة دفاع البحرين (8000 رجل) إلى جانب 11 ألف من قوات الأمن العام(68). وحتى الآن بقيت مواجهة الاضطرابات الداخلية مناطة بقوة قوامها من الأجانب وتحت إمرة وزير الداخلية والمدير العام للأمن العام إيان هندرسون(69).
وفي الأشهر التالية، حدثت تفجيرات لمتفجرات محلية الصنع بما في ذلك تفجير يوم 11 فبراير في فندق الدبلومات الذي تسبب في جرح عدد من الأشخاص وتفجير سيارة رئيس تحرير صحيفة الأيام الموالية للحكومة حيث لم يصب أحد بجراح وانفجار في فرع للبنك الوطني تسبب في جرح اثنين ومقتل ثالث يشك في كونه مدبر التفجير. وفي بداية مارس جرى
حرق مطعم في سترة يرتاده عمال بنغاليون حيث قتل سبعة منهم حرقا، مما رفع عدد الضحايا منذ بداية الاضطرابات في ديسمبر 1994 إلى 24، بمن فيهم ثلاثة من رجال الشرطة وعدد من حالات القتل المؤكدة في المعتقل، كنتيجة للتعذيب والضرب المبرح(70). استخدمت الحكومة محكمة أمن الدولة تكرارا لمحاكمة المئات من الأشخاص الذين يتم اعتقالهم بارتباط بالاضطرابات. وبالنسبة للسيد عيسى قمبر 29 عاما، المتهم بقتل شرطي في مارس 1995، فقد نجح محامو الدفاع أمام محكمة الاستئناف العليا في مايو لأنه لم يحل لمحكمة أمن الدولة وتمت محاكمته أمام محكمة الجنايات.
لكن الحكومة توصلت إلى قناعة مفادها أن ذلك قد يخلق سابقة غير مرغوب فيها، مما يضطر إلى إحالة القضايا المتعلقة بتخريب الملكية وإلحاق الأذى الجسدي إلى المحكمة الجنائية، حيث تتطلب مستوى أعلن من القرائن وإجراءات قيمة(72). لذا فقد صدر المرسوم الأميري في 19 مارس 1996، والذي حول التفويض للنظر في ما يزيد عن أربعة عشرة مادة في قانون العقوبات في المحاكم الجنائية إلى محكمة أمن الدولة(73). أما الجرائم الإضافية التي يتوجب النظر فيها أمام محكمة أمن الدولة فتشمل أعمال التخريب واستخدام النار والمتفجرات (المواد 277 حتى 281)، و”الاعتداء أو التهديد بالاعتداء ضد الموظفين المدنيين أو الضباط المناط بهم الخدمة العامة” (المادة 220) أو “الاعتداء بأية صورة حتى بدون النية في قتل الضحية، إذا ما أدى الاعتداء إلى وفاة الضحية” (المادة 336). وعمدت الحكومة في بداية 1996 إلى توسيع محكمة أمن الدولة من دائرة واحدة إلى ثلاث دوائر لتتماشى مع حالات الاعتقال المتزايدة (أنظر لاحقا). وعلى امتداد الأشهر العشرة اللاحقة جرت إدانة أكثر من 180 شخصا من قبل محكمة أمن الدولة مقارنة بما يقل عن خمسين شخصا خلال 1995(74). وقد شهدت هذه الفترة ارتفاعا في أعداد النساء والأطفال المعتقلين(75).
أعلنت الحكومة في يونيو 1995 عن تغييرات في المناصب الوزارية. بقيت المناصب الوزارية الرئيسية، رئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير العدل والشؤون الإسلامية دون تغيير ويحتلها آل خليفة. رحب بعض الدبلوماسيين الغربيين بتعيين عبد النبي الشعلة وهو رجل أعمال شيعي كوزير للعمل والشؤون الاجتماعية، كمؤشر للتعاطي مع قضايا البطالة والرفاه الاجتماعي والتي تسهم في الاضطرابات(76). أما منتقدو حكومة البحرين فأشاروا إلى إزاحة الدكتور علي فخرو وهو تكنوقراطي إصلاحي وزيرا للتربية، بالعميد عبد العزيز الفاضل المسؤول السابق عن التدريب في قوة الدفاع كمؤشر على تزايد القمع بدلا من الإصلاح الليبرالي لهذا التغيير. عمد الفاضل بسرعة إلى إزاحة د. إبراهيم الهاشمي من رئاسة الجامعة وأحل محله العقيد محمد جاسم الغتم الضابط السابق في قوة الدفاع. أكد عدد من أساتذة الجامعة واختصاصيين شيعة قابلتهم المنظمة على اتهامات المعارضة بتزايد ظاهرة التمييز ضد الشيعة الراغبين في الالتحاق بالجامعة وطرد الشيعة من عدد من المناصب القيادية في الجامعة(77).
يبدو أن التمييز ضد الشيعة أخذ يتزايد سوءا. أخبر أحد الشيعة المنظمة أنه إضافة إلى موظف شيعي آخر قد جرى صرفهما من الخدمة من مكتب مبيعات الطيران في المطار، بعد أن تم سحب بطاقة التعريف لكل منهما في أغسطس 1995. وعندما اتصل مسؤولهما بالسلطات لحل المشكلة قيل له “أننا لا نرغب في وجود مثل هؤلاء الأشخاص في المطار”(78). تلقت المنظمة تقارير عديدة غير مؤكدة أن سياسات التوظيف والصرف تستهدف تقليل الشيعة في الوزارة والشركات الحكومية تعتبر سابقا معاقل للشيعة مثل وزارة الكهرباء ووزارة الأشغال وشركة البحرين للاتصالات السلكية واللاسلكية (بتلكو)(79).
أعلنت الحكومة في بداية يونيو أنها اكتشفت شبكة مدعومة من قبل إيران أسمتها “الجناح العسكري لحزب الله، البحرين”، وحملتها مسؤولية الاضطرابات منذ ديسمبر 1994(80). وفي يونيو 1996، أذاعت السلطات بثا تلفزيونيا لاعترافات عدد من قادة الشبكة المزعومين(81).
ادّعت الحكومة أنها حصلت على اعترافات من تسعة وعشرين متهما جرى اعتقالهم سابقا وبعد بضعة أيام أعلنت أن عدد المعتقلين فيما يتعلق بالمؤامرة المزعومة قد ارتفع إلى ستة وخمسين. ادعت الحكومة كذلك بأن الاعترافات أثبتت تورط الشيخ عبد الأمير الجمري في تأييد الخطة بالإضافة إلى عدد من المعارضين المنفيين البارزين كشركاء في التآمر، بمن فيهم د. منصور الجمري ود. سعيد الشهابي من حركة أحرار البحرين في لندن، والشيخ خليل سلطان في بيروت. وفي 1 مارس 1997، بدأت جلسات محكمة أمن الدولة لمحاكمة تسعة وخمسين متهما حضوريا واثنين وعشرين متهما غيابيا(82). وفي 26 مارس 1997، صدرت أول دفعة من الأحكام من قبل محكمة أمن الدولة ضد علي المتغوي بالسجن لمدة 15 عاما وجاسم الخياط لمدة 12 عاما وأربعة عشرة متهما آخر بالسجن لفترات تتراوح ما بين ثلاث إلى ثمان سنوات. جرت تبرئة أحد عشر متهما. كذلك جرى تغريم المتغوي مبلغ 18 ألف دولار وتغريم الخياط مبلغ 13 ألف دولار. وفي 29 مارس صدرت أحكام على عشرين آخرين بالسجن لمدد متفاوتة تصل إلى سبع سنوات وتمت تبرئة اثنا عشر آخرين(83).
وبنهاية 1996، أعلنت الحكومة عن توصلها إلى اتفاق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر تسمح بموجبها للصليب الأحمر بتفقد المعتقلات والمعتقلين البحرينيين. وكان هناك ممثل للصليب الأحمر في البلاد في نهاية 1996 وبداية 1997. لكنه وبموجب سياسة الصليب الأحمر فإنه لا يعلن نتائج مهمته.
خامسا: انتهاكات حقوق الإنسان
تزايدت أعداد الناس الذين جرت انتهاكات حقوقهم منذ بداية التسعينات وخصوصا مع تصاعد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية منذ نهاية 1994.
أما نمط وصنوف هذه الانتهاكات فإنها تتوافق مع سياسات وممارسات تعود إلى 1975، عندما قررت الأسرة الحاكمة تعليق مواد الدستور المتعلقة بالمجلس الوطني والانتخابات. إن معظم هذه الممارسات تجد جذورها في السياسات القائمة في ظل الحكم البريطاني حتى استقلال البحرين في 1971.
يمكن تضييق انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين إلى مجموعتين أساسيتين. تنتمي المجموعة الأولى إلى ما يعرف بقضايا إنفاذ وإدارة العدالة. وتشمل هذه سلوك رجال الشرطة والأمن خلال الاعتقالات والحبس، والحماية القانونية والمؤسساتية في مواجهة الاعتقال التعسفي والتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والحاطة بالكرامة، والحق في الحصول على المساعدة القانونية والزيارات العائلية، والحق في الحصول على محاكمة عادلة دون تسويف، والحق الفعلي في استئناف الأحكام أمام سلطة قضائية أعلى(84). في حين يمكن تعرض أي إنسان مشتبه به لهذه الانتهاكات سواء أكان مواطنا أم أجنبيا، سنيا أو شيعيا، فإن الانتهاكات الخطيرة البعيدة النتائج، هي بحق الأشخاص المشتبه بارتكابهم مخالفات سياسية أو أمنية. خلال مرحلة السيطرة البريطانية والعقد الأول الذي تلى تعليق الدستور، كانت المجموعات اليسارية والقومية المعارضة مثل الجبهة الشعبية في البحرين وجبهة التحرير الوطني ـ البحرين، هم ضحايا هذه الانتهكات. لكنه ومنذ انتصار الثورة الإيرانية في 1979، وخصوصا منذ المرحلة الحالية بدءا بـ1994، فقد أضحى البحرينيون الشيعة سواء كانوا منتمين لمنظمات مثل الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين او جزء من التوجه الشيعي العام غير الراضي سياسيا، هم بالأساس ضحايا القمع.
أما المجموعة الثانية لانتهاكات حقوق الإنسان فتتعلق بالحرمان من الحقوق المدنية والسياسية مثل حرية التعبير وحرية التنظيم والتجمع والحق في المشاركة في تسيير الشؤون العامة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق ممثلين منتخبين(85).
يواجه البحرينيون السنة والشيعة على السواء خطر تعرضهم للتفتيش والاعتقال والحجز دون تهمة أو محاكمة وقد يواجه النفي القسري لمجرد الكلام العلني، فيما تعتبره الحكومة نقديا أو معاديا. تسيطر الدولة على وسائط الإعلام المرئية والمسموعة فيما تمارس وسائط الإعلام المطبوعة رقابة ذاتية. إن حيازة أو توزيع مطبوعات أو مناشير غير مرخصة تشكل سببا للاعتقال. لقد جرى طرد بحرينيين من أعمالهم ووضعوا على القائمة السوداء فيما يخص بالتوظيف لتوقيعهم على عرائض علنية. وتحرم الأحزاب والمنظمات السياسية والنقابات المستقلة. ويتوجب الحصول على ترخيص من قبل السلطات لعقد أي اجتماع أو تجمع وهو ما لا يرخص به عادة. أما التجمعات الدينية والتي تعتبرها الحكومة ذات محتوى سياسي فإنه يتم تفريقها أو منع قيامها. وتعتبر الدولة أي دعوة علنية لإعادة المجلس الوطني المنتخب جزئيا حسب دستور 1973، شيئا معاديا وسببا للاعتقال دون محاكمة أو اتهام بموجب قانون أمن الدولة لعام 1974، (أنظر لاحقا). إن هذه الانتهاكات الحكومية المنهجية للحريات الأساسية والحقوق السياسية قد أسهمت في المواجهة القائمة في البحرين اليوم.
انتهاك الحقوق المتضمنة في الإجراءات
ـ نظام المحاكم والنظام القضائي
يستمد نظام البحرين القضائي من مزيج من القانون العشائري التقليدي (العرف) والشريعة الإسلامية والقانون الحديث، الذي بدأ بالتطوير من قبل السلطات الاستعمارية البريطانية حتى 1971، وبمساعدة من الخبراء المصريين بعد ذلك(86). تختص المحاكم الشرعية حول قضايا الأحوال الشخصية مثل الزواج والتركة. أما ما يتعلق بالقضاء المدني المتضمن في هذا التقرير فيشمل المحاكمة من الدرجة الأولى حيث هناك فصل بين المحاكم المدنية والمحاكم الجنائية، ومحكمة الاستئناف العليا(87).
وتقوم محكمة الاستئناف العليا بدور محكمة أمن الدولة، بموجب المادة 185 لقانون العقوبات لعام 1976 حيث تختص بالأشخاص المتهمين في قضايا تتعلق بالأمن الداخلي والخارجي(88).
وتقدم محكمة الاستئناف العليا بدور محكمة أمن الدولة للنظر في قضايا المتهمين في قضايا بموجب قانون أمن الدولة لعام 1974(89).
حدد دستور البحرين السلطة القضائية كفرع مستقل من الحكومة. لكنه وفي الممارسة فإن هذه الاستقلالية شكلية. فوزير العدل الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة مسؤول أمام رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة وهو ذاته عضو في الأسرة الخليفية الحاكمة. وقضاة محكمة الاستئناف العليا التي تقوم بدور محكمة أمن الدولة هم من آل خليفة بمن فيهم رئيسها الشيخ عبد الرحمن بن جابر آل خليفة(90). ويتبع مكتب الادعاء العام وزارة الداخلية تحت إمرة وزير الداخلية الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة ابن عم الأمير وبالتالي فهي مرتبطة تنظيميا بمباحث أمن الدولة وليس بوزارة العدل. تتدخل وزارة الداخلية في جميع أوجه النظام القضائي والإجراءات القضائية، فمثلا يجري استجواب المتهمين من قبل قاضي التحقيق في مجمع وزارة الداخلية، كما أن المكلفون بالنظر في شكاوى التعذيب يختارون من قبل وزارة الداخلية، وهم عادة العاملون في الطب الشرعي التابع لدائرة المباحث الجنائية.
يتضمن دستور البحرين سلسلة واسعة من الحقوق المدنية والسياسية والضمانات الإجرائية(91). إن بعضها مثل الضمانات ضد التعذيب والنفي القسري المنصوص عليها بصراحة يتم خرقها من قبل السلطات وبالتالي فإن ذلك خرق فاضح للدستور وخرق للمواثيق الدولية. أما الضمانات الأخرى مثل حرية التعبير فهي التي ينص عليها الدستور ويلحق ذلك “حسب الأوضاع والإجراءات التي يحددها القانون”. فالمادة 19(ب) من الدستور تنص على ما يلي “لا يعتقل إنسان أو يحتجز أو يسجن أو يفتش إلا طبقا للقانون وتحت إشراف السلطات القضائية”. وحسب المادة 20(د) “يعتبر المتهم بريئا حتى إدانته من خلال محاكمة قانونية تكفل فيها كل الضمانات لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة بموجب القانون(92).
تشترط معظم مواد الدستور، تنظيم أو توسيع الضمانات الدستورية إناطة ذلك بالقانون. ولذا فإن القانون الذي لا يحقق هذه الغاية هو خرق للدستور. إن قوانين البحرين مجسدة بقانون العقوبات لعام 1976 وغيره من التشريعات المذكورة لاحقا تخول السلطات انتهاج ما يتناقض مع الدستور والمواثيق الدولية. إضافة إلى ذلك فإن الحكومة فشلت في الالتزام بالمادة 103 من الدستور والتي تنص على إقامة جهاز قضائي ذا سلطة للنظر في دستورية القوانين والمراسيم(93). ومن بين هذه القوانين قانون أمن الدولة لعام 1974 وقانون بمرسوم حول محكمة أمن الدولة لعام 1976، والتوسع في صلاحيات المحكمة والإجراءات المشمولة بالقانون. ونقدم مثلا على ذلك قانون بمرسوم تدابير أمن الدولة، فبسبب هذا القانون جرت المواجهة بين الأسرة الخليفية الحاكمة والمجلس الوطني مما أدى إلى حل المجلس وتعليق مواد الدستور المتعلقة بانتخابات المجلس. هذا القانون مصاغ بعبارات مطاطة ويخول القيام بتفتيش المطلوب واعتقاله وسجنه حتى ثلاث سنوات دون توجيه اتهام رسمي له أو محاكمته بتهمة وجود “قرائن جدية” دون التدقيق حول طبيعة هذه القرائن الجدية لأفعال أو أقوال أو اتصالات داخل البلاد أو خارجها، وكما جاء في النص “وذات طبيعة تعتبر انتهاكا للأمن الداخلي أو الخارجي للبلاد، ولمصالح الدولة الدينية أو الوطنية ونظامها الاجتماعي أو الاقتصادي، أو ما يعتبر عملا من أعمال التحريض قد يؤثر على العلاقات القائمة بين الشعب والحكومة أو ما بين مختلف مؤسسات الدولة أو ما بين طبقات المجتمع..”.
تنكر حكومة البحرين أن تكون ممارساتها وسياساتها تنتهك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. جاء في الرد الرسمي على مجموعة العمل حول الاعتقال التعسفي التابع للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في شهر أبريل 1995، أن منظمة حقوق الإنسان في البحرين هي تنظيم لحزب الله، وكما جاء بالنص: “أضحى شيئا روتينيا لمثل هذه المنظمات الادعاء الكاذب بوجود أعمال تعذيب وإساءة المعاملة والاعتقال التعسفي وغيرها على يد السلطات الشرعية والذين يسعون إلى تشويه سمعتها ونشر مثل هذه الأكاذيب في أوساط حقوق الإنسان كوسيلة يسعون من ورائها إلى الحصول على شرعية دولية لقضيتهم اللاشرعية”. إن حقوق الإنسان هي حجر الزاوية في سياسات الحكومة. وعلى أساس ذلك فقد بذلت الحكومة كل جهة طوال سنوات لضمان تنفيذ هذه السياسات عبر المجتمع وينعكس ذلك في الثقافة والتقاليد والدستور الراسخ ومجموعة متشعبة من القوانين المتطورة حيث تشرع الحقوق والحريات الأساسية للفرد وتتم حمايتها بموجب المبادئ المعترف بها دوليا لحقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة.
وفي مواجهة أي تهديد لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، فإن حكومة البحرين تعهد في تنفيذ أحكام المادة 30 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي إطار الفهم للمادة (5أ) للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فإن الحكومة لن تتردد في استخدام جميع الوسائل التي بحوزتها في إطار القانون لحماية مجتمع البحرين والدفاع عن الدستور وإعلاء شأن القانون وضمان احترام حقوقه الإنسان المعترف بها عالميا(94).
ـ انتهاكات أجهزة الأمن خلال عمليات الاعتقال
في تعاطيها مع الاضطرابات المتواصلة منذ ديسمبر 1994، فقد عمدت الحكومة إلى اعتقال الآلاف وحكمت على المئات بالسجن لفترات متفاوتة وفرض غرامات. وهناك العديد من المعتقلين ممن جرى اعتقالهم عشوائيا خلال صدامات الشوارع على يد قوات الأمن وخصوصا خلال الأشهر الأولى للانتفاضة. أما النمط السائد للاعتقالات فهو قيام قوات الأمن بتطويق القرى أو الأحياء وخصوصا إثر مواجهات الشوارع حيث تتم عمليات الاعتقال الجماعية أو حسب قوائم(95).
اتخذت هذه الاعتقالات طابع المداهمات للمنازل وخصوصا في منتصف الليل. فقد جرى اعتقال حسين (19 عاما) وهو من قرية شهركان وهي قرية لا يزيد سكانها عن 200 عائلة وتقع غربي المنامة، وكان طالبا يدرس العلوم الدينية في قم بإيران ورجع إلى البحرين في بداية 1995. وكما جاء على لسانه في شهادته للمنظمة “لقد مكثت في البلاد قرابة ستة اشهر. كنت نائما في بيتنا. وفي الساعة الثانية والنصف فجرا، حيث جرت العادة أن لا نغلق أبواب منازلنا”. جرى إيقاظي بوخز ماسورة بندقية في ظهري، وجرى سحبي من شعر رأسي من الفراش. كان هناك ما يقارب سبعة رجال أمن في الغرفة، حيث عمدوا إلى لكمي ورفسي لمدة 15 دقيقة تقريبا، ومن بينهم ضابطين أحدهما بحريني فيما بقية الجنود باكستانيون. لقد دمروا محتويات المنزل وقد صرخ في الضابط البحرين بأنهم يبحثون عن الدهان المستخدم في الكتاب على الجدران، وإذا لم يجدوه فسيغتصبون أختي وقال: “سنحطم رأسك الشيعي”. أجلسوني على الأرض وبنادق ثلاثة منهم مصوبة إلي ورفسوني، وبعدها جرى تقييدي وأنزلوني من على السلالم حيث كانت هناك 4 سيارات جيب والمزيد من الجنود. لقد ضربوني بأعقاب البنادق وهم يجروني إلى السيارة