قضية ساخنة: ما بعد الانتخابات الصّوريّة
شهدت البحرين في الأيام الأخيرة انتخابات شكليّة لمجلس النواب الصّورية، وقد أعلن النظامُ الخليفي أن نسبة المشاركين كانت ٦٧%، بينما كانت نسبة المشاركة الحقيقية – حسب رصدنا الخاص – لاتتجاوز نسبة ٢٠٪، تتشكّل أساساً من بعض شرائح الموالاة والمجنسين.
ماذا تعني النتائج؟
بطبيعة الحال؛ فإن النّظام – الذي بطشَ وأسرف في جرائمه على شعبنا الكريم لأجل حماية عرشه – لن يتوانى في تزوير حقيقة نسبة المشاركة في الانتخابات، بعكس الحقيقة التي كانت صادمة للنظام. فبعد كلّ الجهود الكبيرة التي قامت بها السّلطة الخليفيّة، والتي بدأت قبل أكثر من ٨ أشهر من ترغيبٍ وترهيب وإعطاء الصّلاحيات الكاملة لجهاز المخابرات الخليفي لإدارة الإنتخابات، وبالرغم من كلّ ذلك فقد عجز من الحصول على أكثر من ٢٠٪ من المشاركين، والذين شاركوا مدفوعين بثلاثة أسباب رئيسية:
– الأول: مازالت شريحة المشاركين من الموالاة، التي لم ترَ نتيجة ومنافعَ من التجربة النّيابيّة، مدفوعة بالخوف من حساب مقاطعتها للانتخابات أنه تأييد للمعارضة السياسيّة.
– ثانيا: نجاح السّلطة الخليفيّة في خلق شعور زائفٍ بالوطنيّة، والتوجُّس من التحدّيات الدّاخليّة والخارجيّة لدى شريحة الموالاة
– ثالثا: يرى المجنسون أن مشاركتهم في الانتخابات هو جزءٌ من معركة الوجود وإثبات الذات، في ظلّ رفض شرائح الشعب وطائفتيه لسياسة التجنيس الهدامة، وإحلال المجنسين في مواطن القوة والنفوذ على حساب سكان البلد الأصليين.
أما الذين تحرّروا من هذه الأسباب؛ فقد صمدوا مثل كلّ استحقاق، وأثبتوا أن الركون للظالمين بعيد كل البعد عن قواميسهم.
حقائق على ضوء نتائج المشاركة
١- إن أي نظام في العالم يتباها أمام العالم بمدى شرعية وجوده والرضا العام في أوساط الناس عن طريق نسبة المشاركين في الانتخابات التي ينظمها، وقد حاول الخليفيون القيام بالمثل (رغم كون الإنتخابات صورية)، حيث إنه جيّش كلَّ امكاناته خدمةً لهذا الهدف، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وجاءت النتائج عكسية ليتعرّف العالم أجمع مدى الضعف السّياسي لهذا النظام السفاح، ومدى افتقاده للشرعية السياسية.
٢- منذ اليوم الأول للثورة سعت الأنظمة الغربية للإبقاء على هذه السلطة عن طريق مدّها بشتى أنواع المساعدات، وبعد سنوات من الدعم فإن خطتهم وحيلهم قد نفذت، ولا زال الشعب البحراني صامداً وواقفاً في وجه كلّ الأهوال، ليثبت أيضاً أن الغرب أعجز اليوم من ذي قبل عن الدفاع عن هذا النظام، وإنهاء الثورة.
٣- عند النظر لتركيبة المجلس فإنها توحي بفترة نيابية مزوّرة وأكثر ضعفا، تملؤها قراراتٌ سياسيّة واقتصادية واجتماعية ستؤدي الى إفقار وتهميش المواطن بشكل أكبر.
٤- لاحظنا أن النظام الخليفي قام بإبعاد رجال الدين القريبين من النظام، وتمكين عدة وجوه نسائية ضعيفة من الوصول الى قبة البرلمان، بالإضافة لشخصيات مغمورة، هذا الأمر له غايات منها اتخاذ المجلس القادم واجهةً وساتراً لقرارات سياسيّة واقتصادية خطيرة ومدمرة، منها التطبيع مع الصهاينة، وخصخصة الخدمات الحكومية وغيرها، وسوف تتضح الصورة كاملة من وراء تركيبة المجلس الحالي الذي خلا حتى من الأصوات المروّجة للانتخابات، بل ومن بعض “علماء السلطان” وغيرهم، فالنظام يريد أصوات نيابية موافقة بنسبة ١٠٠٪، كساتر لسياسات النظام المدمرة القادمة.
كيف تبني المعارضة على نتائج الانتخابات والمقاطعة الواسعة
هذا الانتصار الكبير الذي حقّقته المعارضة بشتى طوائفها يجعلنا نتوقف للحظات، ونتأمل كيف أن النتائج تكون أعظم عند العمل على هدف واحد. نأمل أن تستفيد المعارضة بجميع انتساباتها من هذه التجربة وتجعله الخطوة الأولى في طريق التعاون في ملفات واستحقاقات قادمة وقبول بعض الاختلافات التي بينها برحابة صدر.
كما أن النتيجة السياسية التي يمكن الانطلاق منها نحو اسقاط الدكتاتورية في البحرين -وهو هدف مشترك بين أطياف المعارضة- هو اعتبار نتيجة الانتخابات استفتاءاً على أصل العملية السياسية التي انطلقت عام ٢٠٠٢م، والانطلاق في خارطة طريق جديدة للتأسيس لعملية سياسية أخرى تعتمد على إرادة الشعب وصوته.