الذكرى السنوية لانطلاق تيار الوفاء الإسلامي “بيان الإنطلاق”
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين
قال الله تعالى: { إن أريدُ إلا الإصلاحَ ما استطعتُ وما توفيقي إلا باللهِ عليه توكلتُ وإليه أنيب } ( هود: 88 ) .
لقد ابتلي هذا الوطن العزيز بنظام شموليٍ يقوم على تغييب شعبه ، وسرقة خيراته ، وإهدار مقدراته ، وتجاوز إرادة أبنائه ، وانتهاك حقوقهم ، وخنق حرياتهم ، ومطاردة الأحرار منهم ، هذا الشعب المستضعف الذي يهفو للعيش في ظل العزة والكرامة والحرية ويأبى ـ كل الإباء ـ أن يعيش العبودية إلا لخالقه العظيم (عز وجل).
وفي كل مرة يشعر النظام بجدّية الشعب وإصراره على المطالبة بحقوقه المغتصبة ، يعمد إلى تحكيم القبضة الأمنية ، وتغييب لغة العقل ، وإغلاق كل أبواب الحوار الحقيقي الجاد ؛ فيطلق لأجهزته الأمنية العنان في الذهاب إلى أبعد حدود القمع ، من أجل إسكات الحركة المطلبية الشعبية ، غيرَ معتبرٍ بما سبق ، ولا متعلِّم مما مضى ؛ متجاهلا أن هنا شعباً لا تسكته سياط الظلم ، ولا تثنيه عن المطالبة بحقوقه صنوف الطغيان والتعسُّف.
وها هو النظام يكرّر نفس أخطائه السابقة التي دفعت بالوطن وأهله إلى المنزلقات الأمنية الخطيرة ، والتي كان آخرها ما وقع في فترة التسعينيات ، حيث تعامل النظام حينها مع الحركة المطلبية السلمية بكل وحشية وعنف ؛ فأدخل الوطن في معاناة صعبة ، تمثلت في أزمة عميقة متعددة الجوانب ، دامت لسنوات ، لم يكن خيار النظام فيها غير الأسلوب الأمني المقيت ؛ ففتح المعتقلات وأسقط الشهداء والجرحى ، مما تسبّب في تداعيات كبيرة على الشعب ، لازالت جراحاتها لم تندمل بعد ، وآثارها لم تمحَ من الذاكرة والواقع ؛ حيث لا يزال الجلادون والمعذبون مطلقي اليد تحت حماية القانون ، دون محاسبة على ما اقترفوه من جرائم بحق الوطن وأهله.
وعندما وضعت الأزمة أوزارها بعد تضحيات جسام ، ونشاط مكثف للمعارضة في الداخل والخارج ، ولاحت بشائر الانفراج فيما سمى بـ” المشروع الإصلاحي” ، قرّر هذا الشعب العظيم الصابر ، أن يعضَّ على جراحه ، ويثبت للعالم كله أنه شعب عظيم حضاري مسالم ، قد تحرّك للمطالبة بحقوقه بعد أن كوته الأرض من تحته ، وألجأته السياط إلى رفع صوته ، فقرّر أن يستجيب لدعوة الإصلاح التي طالما سبق الآخرين في التأكيد عليها ، والدعوة إليها ، ودفع من أجلها غالي الأثمان حين كان النظام يصمُّ عنها الآذان ، ويختار بدلها العنف والطغيان.
ولقد دخل الوطن فيما يشبه العرس الشعبي الكبير ؛ استبشاراً بالوعود التي قطعت ، وفرحاً بالعهود التي كانت ، فتجاوز آلامه المريرة كلها ، وأثبت بأن مصلحة الوطن هي التي كانت شغله الشاغل وهدفه المنشود ، فاستقبل الذين كانوا جزءً من معاناته بما لم يستقلبهم به أحد ، وصوّت للميثاق مستجيباً لدعاة الإصلاح من علمائه ورموزه الذين قادوا تلك المرحلة الصعبة وعلى رأسهم سماحة العلامة الشيخ عبد الأمير الجمري ( رحمه الله ) بكل جدارة وكفاءة ، فكانت نتيجة التصويت أعظم مما تصوّره ذلك النظام الذي لم يعرف الثقة في شعبه في أي يوم من الأيام ، وكان ” الميثاق “.
ولكن تلك الفرحة لم تدم طويلاً ، حيث كشف النظام عن وجهه الغادر حين انقلب سريعاً على وعوده ، ونكث عهوده ، وانقلب على الوثيقة التي كان يستند إليها في شرعيته ( وهي دستور 1973م ) وحاك على مقاساته ” دستور المنحة ” ( وهو دستور 2002م ) الذي لا يلبّي طموحات الشعب ، ولا يضمن له حقوقه ، ولا يتناسب مع المرحلة المتقدمة التي وصل إليها ، فكانت تلك بداية الانتكاسة والدخول في متاهات الفراغ الدستوري ، والتراجعات عن الإصلاح ، والتأزيم الأمني الذي محا صورة الإصلاح وحقيقته تماما.
وبرغم كل ما أمنّه النظام لنفسه من ضمانات في ذلك الدستور المنحة ، عمد إلى إعطاء المجلس المعيّن صلاحيات تشريعية مخالفة لميثاق العمل الوطني ، تفوق في حقيقة الأمر الصلاحيات التشريعية للمجلس المنتخب ، وقام بتفريغ العملية الانتخابية من أية مصداقية ، بما رسمه من دوائر انتخابية ظالمة ، لا توصل إلى التمثيل الصادق الصحيح ، مما جعل التغيير من داخل البرلمان الصوري القائم على دستور المنحة ، أمرا مستحيلاً ، وهذا ما أثبته الواقعُ ، وعكسته تصريحاتُ المشاركين فيه.
وإنه لمن المفارقات العجيبة ، أن تكثر سرقات الأراضي ، والتجنيس السياسي الممنهج ، وتصدر القوانين الظالمة المقيّدة لحريات الشعب وحراكه في ظل هذا البرلمان ، فكان قانون الصحافة والجمعيات السياسية والتجمُّعات والإرهاب وغيرها ، التي تهدف كلها لشلِّ حركة الأصوات المعارضة للنظام ، وأن يسقط الشهيد العزيز علي جاسم بيد مرتزقة النظام ، وتمتلئ السجون والمعتقلات بأبناء هذا الوطن الشرفاء ، مما أدى إلى دخول البلاد في نفق التدهور والأزمات.
وما فاقم التأزيم الأمني ، وكاد أن يأخذ البلاد إلى منزلق اللاعودة ، هو الاعتقال الظالم المتهوّر لرمزين كبيرين من رموز الشعب ، هما فضيلة الأستاذ المجاهد حسن المشيمع ، وفضيلة الشيخ محمد حبيب المقداد ؛ ظناً من السلطة ، بأن تلك الحملة الأمنية الشرسة ـ بكل اعتقالاتها ومسرحياتها المفبركة الباهتة وعذاباتها ـ يمكن أن تؤدي إلى إسكات صوت الشعب ، إلا أن رعاية الله ( سبحانه وتعالى ) لهذا الشعب وعنايته به ، أدت إلى انقلاب السحر على الساحر ، فعادت كل تلك الممارسات على النظام بما لم يكن يتوقعه ؛ من إجماع شعبي شامل على رفض سياساته وطريقة تعاطيه مع شعبه ، والمطالبة بضرورة السير باتجاه الحلحلة الواقعية للأمور ، والإصلاح الحقيقي للأوضاع ، هذا الإجماع الذي تجلّى بأوضح صورة في تضامن الشعب أفراداً ومؤسسات ، مع الاحتجاج السلمي الحضاري على التدهور العام للأوضاع في البلد ، والذي تمثل في الاعتصام والإضراب عن الطعام بمنزل الأستاذ عبد الوهاب حسين.
إننا ومن خلال تكليفنا الشرعي ومسؤوليتنا الوطنية ، وإخلاصاً منا لدماء الشهداء ، وتضحيات المعتقلين والمعَذَّبين ، وانتصاراً لعطاءات هذا الشعب ، وتثميناً لتضحياته الكبيرة ، نجد بأنه لا يصح أن يُسكتَ أبداً عن كل هذه الفظائع التي يتعرّض لها شعبنا ووطننا ، وأنه لابد من القيام بوظيفة الصد للتدهور والتراجعات والسعي للتصحيح والإصلاح ؛ لتعود قاطرةُ الوطنِ إلى سُكّتِها الصحيحة ، التي تجنّبه المنزلقات الأمنية ، والتداعيات الخطيرة ، مهما كلّفَنا القيامُ بذلك من تضحيات.
وإننا نجد بأن السبيل إلى الصد وتحقيق الإصلاح ، هو تصعيد التحرك الشعبي السلمي المنظم والفاعل ، ولقد وطّنا أنفسَنا على التصدي والتضحية ، ونحن نعلم بأنه لا قدرة لنا على النهوض بهذه المسؤولية الضخمة والنجاح فيها ، بدون توفيق من الله سبحانه وتعالى وتسديده ، ودعم أبناء شعبنا ومساندتهم.
وقد أثبتت التجربة وأدرك الجميع ، بأن الحلول الترقيعية ، والمعالجات الشكلية ، ليست السبيل الصحيح للتعاطي مع المشكلات القائمة ، وحلحلة الملفات والقضايا الساخنة ، وأن المجاملة والمساومة في قضايا الشعب وحقوقه ، لن تعود على الجميع ، إلا بالمزيد من التراجعات والأزمات الخطيرة ، فالحلول الجذرية الواقعية هي وحدها التي يمكن أن يُستند إليها في بناء الوطن والنهوض بالإنسان.
ولقد أثبتت التجارب المريرة السابقة ، التي تجرّعها الوطن وأهله ، بأنه لا يمكن أن ينعم هذا الوطن العزيز بالأمن والاستقرار ، إلا بالمساواة في الحقوق والواجبات ، وكان الأمن للجميع ، وتمَّ الاعتراف بكافة الحقوق الطبيعية لهذا الشعب المظلوم ، وتكاملت الأدوار بين الحكومة والشعب في صياغة حاضره ومستقبله.
ونؤكد في هذا المقطع من البيان : بأننا إنما قمنا بمسؤولية التصدي ، لأننا وجدنا فراغا يجب أن يملأ ، وقد صبرنا طويلا نراقب وندرس ونقيم ونشاور العلماء حول تكليفنا الشرعي على ضوء ما هو موجود بالفعل ، حتى انتهينا إلى نتيجة قطعية مفادها : أن براءة ذمتنا أمام الله سبحانه وتعالى لا تكون إلا بهذا التصدي ، ونحن كبقية أبناء هذا الشعب ، نسعى للقيام بواجباتنا الدينية والوطنية المتعينة ، ولا نرجو من أحد سوى الله عز وجل جزاء ولا شكورا ، ولا نتطلع لمنصب أو موقع أو شهرة ، ولا ننافس أحدا على شيء من حطام الدنيا وزخارفها الفانية . ونرى بأن المسؤولية في غاية الضخامة ، ونريد أن تتكامل جهودنا ومساعينا مع بقية المخلصين من أبناء هذا الشعب ، ونحن على استعداد تام لأن نكون جنودا لكل من يسد هذا الفراغ ممن له الحق ويتحمل هذه المسؤولية بكفاءة وفاعلية.
ومن هذا المنطلق ومن حرصنا الشديد على مصلحة هذا الوطن وأهله فإننا لنؤكد على ما يلي:
أولاً : لقد فقد هذا النظام شرعيته منذ أن انقلب على الوثيقة القانونية التي تعطيه الحق القانوني في ممارسة صلاحيات الحكم ، وذلك عبر انقلابه المشئوم على دستور عام 1973م ، وميثاق العمل الوطني ؛ فلم تعد هناك وثيقة قانونية يصح للنظام أن يستند إليها في شرعية حكمه وإلزام الشعب بها ، وأننا نعيش الآن فراغاً دستورياً وقانونياً لا يمكن حلّه وإزالة كافة تداعياته وتبعاته إلا بسن دستور جديد يحفظ للشعب كافة حقوقه ، ويصون الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم على أساس من العدل والإنصاف ، وأنه لا قيمة مطلقاً لدستور المنحة الذي سنّه النظام بإرادةٍ منفردة ، ولم يعد الميثاق بعد الانقلاب عليه من قبل السلطة ملزما لأبناء الشعب.
وإن هذه المسألة لتشكِّل محورَ الحل لكافة المسائل والقضايا الأخرى ، وإذا ما تم العمل بها فهي الضمانةُ للانتقال بالوطن من حكم مطلق مستبد قائم على القبلية والتمييز الطائفي والفئوي ، إلى نظام دستوري قائم على أساس العدالة والمساواة بين المواطنين وضمان الحقوق والحريات.
ثانياً : نعتبر بأن قضية التجنيس السياسي ـ بالإضافة إلى التمييز الطائفي في التعليم والتوظيف والخدمات ـ هي لون من ألوان التطهير الطائفي ، وأنه لخيانة في حق الوطن يمارسها النظامُ ضد أبناء هذا الشعب المظلوم ؛ من أجل الإبادة ، وليؤمِّن بالأكثرية المستوردة من المستوطنين تغييب صوت المعارضة والسيطرة المطلقة على السلطة ومقدّرات الوطن وخيراته ويستأثر بها.
إن وطننا الحبيب المحدود في رقعته الجغرافية ، وموارده وثرواته ، والذي يعجُّ بالآلاف من أبنائه العاطلين ، ويعاني من خلل واضح في بنيته التحتية ونقص كبير في الخدمات ، لا يمكن أن يحتمل أبداً استيراد كل هذه الآلاف المؤلفة من المستوطنين الغرباء .
فهاهم أبناء هذا الوطن يلمسون ويرون بأم أعينهم التداعيات الخطيرة لهذا التجنيس السياسي الممنهج : في الاقتصاد والثقافة والتعليم والصحة والخدمات الأخرى والوضع الاجتماعي وغيرها الكثير ، وكلها نتيجة توطين الآلاف من البعيدين عن ثقافة هذا الشعب وعاداته وتقاليده الأصيلة ، وقد جلبهم النظام بدوافع سياسية غير مشروعة ، ولا صلة لذلك أبدا بالدوافع الإنسانية والتنموية ، فنحن لا نعترض على أصل التجنيس وفق القانون ، وقد طالبنا بمنح الجنسية لمن يستحقها ، وحل مشكلة البدون ، نظرا لكونها قضية إنسانية ، وتأتي وفق القانون .
ثالثاً : يشكّل التمييز الطائفي الذي يمارسه النظام بشكل فاضح صارخ ، جريمة أخرى تضاف إلى جرائمه بحق الشعب والوطن وتهديداً جدّياً لمصلحته وأمنه . والذي يزيد الأمر سوء وبشاعة أن ذلك التمييز الطائفي البشع لم يقتصر على جانب معيّن ، بل صار هو السمة العامة لسلوكيات النظام تجاه الشريحة الأكبر من شعبه ، فها هو التمييز في الحريات الدينية ، والمنح والبعثات الدراسية ، والوظائف العليا وفرص العمل ، والخدمات الإسكانية والتنمية المناطقية ، وفي التعاطي الأمني والقانوني مع من يتهمهم النظام في قضايا أمنية ، وفي التجنيس ، والدوائر الانتخابية ، والظهور في الإعلام حيث حرمان طائفة من أن يكون لها صوت ومساحة في الإعلان الرسمي للدولة وكذلك في المناهج الدراسية ، وغير ذلك مما أصبح سمة عامة لسلوكيات النظام ومخططاته وبرامجه القائمة على التمييز الطائفي المقيت .
إننا نقدّر بأن ظلم النظام قد طال جميع أبناء الشعب بدون استثناء ، فجميع المواطنين محرومون من حقوقهم الطبيعة الأساسية في صناعة القرار ، وحرية التعبير ، والثروة والخدمات وغيرها ، ولكن ذلك لا ينفي وجود التمييز الطائفي ، فهو واقع معاش وحقيقة تدعمها الأرقام . مع التأكيد بأن التمييز الذي يمارسه النظام ليس نابعاً من وحي الشعور الديني ، فإن الدين لبريء من أن يجيز للحاكم أن يميّز بين المحكومين على هذا الأساس الطائفي المقيت ، وإنما هو نابع من الدافع السياسي والمصالح الضيقة للفئة الحاكمة ، فهي تخطب ودَّ طائفة سياسيا ، على حساب تهميش طائفة أخرى وعزلها عن كل مواقع التأثير ، لتنفرد بعد ذلك بالسلطة وصناعة القرار، وتنقضّ على ثروات الوطن ومقدراته وتستأثر بها دون أبناء الشعب ، وذلك من خلال التشطير الطائفي وغيره.
رابعاً : لم يكن الخيار الأمني في أي وقت من الأوقات وبأي حال من الأحوال سبيلاً صحيحاً لعلاج أزمات الوطن ولا لإعادة الهدوء والاستقرار إليه ، ولن يكون كذلك ، ولقد جرّب النظام مراراً هذا الخيار المشئوم ولم يحقق من خلاله أية مكاسب تُذكر، حتى في الفترة التي ذهب فيها إلى استخدام أبشع أساليب القمع والإرهاب ، والتي تسبّبت في امتلاء السجون بالآلاف من أبناء هذا الشعب المظلوم وسقوط العشرات من الشهداء الأبرار، وخلّفت جراحات عميقة غائرة في جسد الوطن وروحه .
ولقد كان على هذا النظام أن يتعلّم من أخطائه السابقة وتجاربه البائسة الماضية ولكن غطرسته وغروره وضيق أفقه تجعله يغلّب مصلحته الخاصة الموهومة على مصلحة الشعب والوطن.
ونرى بأن لا سبيل إلى علاج هذا الخلل الفظيع ، إلا بتحقيق مطالب الشعب العادلة ، وتفهم حقه في العيش الكريم ، وتقييد الأجهزة الأمنية بقانون عادل يحفظ للإنسان كرامته ، ولدور العبادة حرمتها ، وللشعائر قداستها ، وللعلماء والرموز الشعبية موقعيتها ، وللنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان حقهم في العمل ، وأن يقف الجميع بين يدي القانون العادل سواء.
خامساً : إننا وفي الوقت الذي نتمسّك فيه بثقافة الحوار ونؤمن به كوسيلة حضارية من وسائل التفاهم ، وأداة ناجعة من أدوات التوصُّل إلى حلحلة الأمور بين الشعوب وحكوماتها ، فإننا نرفض الحوار الذي يكون فيه الشعب هو الطرف الأضعف الذي يتلقى إملاءات السلطة بلغة فوقية ، حيث لا ترى السلطة له وجوداً يجب أن يحترم ، ولا تقدر حقوقه الطبيعة ، وترفض التنازل له من أجل الصالح العام ، وذلك تغليباً لنزواتها ومصالحها وشهيتها المنفتحة على السلطة المطلقة والاستئثار الكامل بالثروة ، ونتمسّك بالحوار الذي تتوفر فيه مقوّمات الواقعية والجدّية وفرص النجاح المستدامة.
وبناء على ذلك فإن أية مبادرة للحوار تنطلق من الخلفية التي لا تُحفظ فيها للمحاوِر من أبناء الشعب حقه وكرامته ، ولا تراعي مطالب الشعب المُحقة العادلة ، فإنها مرفوضة لدينا رفضاً قاطعاً ، ونرى بأن الدخول فيها إضرار بالشعب وحقوقه المشروعة العادلة .
ونداؤنا إلى كافة الجماهير الوفية من أبناء هذا الشعب الصابر الوفي هو :
( 1 ) : إن هذه المرحلة الخطيرة لتفرض على كافة فئات الشعب وأطيافه ، أفراده ومؤسساته ، أن يؤسسوا لمرحلة جديدة تقوم على : وحدة الكلمة ، والانسجام ، ورصّ الصفوف ، والتنسيق ، والتلاقي ، والتمسك بالعمل المشترك : الإسلامي والوطني ، فلم يعد بالإمكان أبداً القبول بثقافة التعصب والتشتيت والإقصاء ، ففي ذلك إضعاف للجميع ، وتشتيت للطاقات الخلاّقة للشعب ، وتقوية للنظام الظالم الذي يضطهد الجميع.
ولا نعني بالوحدة هنا إلغاءَ الوجودات والقناعات وتغييب الرأي الآخر ؛ وإنما هي الوحدة التي تقوم على تفهم الآخر ، وتنوّع الأدوار وتكاملها ، والعمل على ضوء المشتركات ، وعدم إضعاف الآخرين ، والحذر من إضاعة البوصلة وتحويل الصراع إلى غير وجهته .
ومن هنا فإننا لنؤكد على ضرورة الخطاب الوحدوي وآليات التنسيق ، وتجنّب كل ما من شأنه إثارة الفرقة والشتات ، وأنَّ هذه مسؤولية شرعية وواجبٌ وطنيٌ بامتياز ، يجب علينا جميعاً أن نتمسّك به ، ولا يصح التفريط فيه أبداً ، خصوصاً في المرحلة الراهنة العصيبة التي يمرّ بها الشعب المظلوم والوطن العزيز بمخاطر جمة .
( 2 ) : نؤكد على الدور المحوري المنظم للجماهير ، ونرى بأنه السبيل الوحيد بعد الله سبحانه وتعالى في ظل الوضع الراهن إلى الإصلاح الحقيقي وتحقيق المطالب الوطنية العادلة ، فقد ثبت بالتجربة عجز المشاركة في مؤسسات السلطة عن التغيير والإصلاح ، ولم يبق خيار سوى الرجوع إلى الجماهير ، وهذا لا يلغي التحرك عبر الآليات الأخرى ، ولا يعد بديلا عنها ، وإنما يكملها ويعزز دورها . فنحن نؤكد على ضرورة حضور الجماهير المنظم : نساء ورجالا في كافة ساحات العمل ، والمساهمة الجادّة في المسيرة الوطنية والحركة المطلبية وصياغة حاضرها ومستقبلها بالرأي والفعل والتقييم والتقويم ؛ فحضور الجماهير برأينا هو الضمانة الوحيدة لديمومة الحركة المطلبية واستمرارها وتطويرها ونجاحها في تحقيق أهدافها ، بدون إلغاء أهمية الآليات والأساليب الأخرى.
( 3 ) : ندعم ونحثُّ جميع فئات الشعب العزيز على مواصلة الحركة المطلبية ، وممارسة كافة صور المطالبة المشروعة والاحتجاجات السلمية ، ونوصي بالعمل على تهذيبها وتشذيبها وتطويرها لتكون فاعلة وحضارية ، ونربأ بهم من أن يختاروا أي أسلوب لا يتوافق مع الضوابط الشرعية ، ولا يخدم أهدافنا المحقة ومطالبنا العادلة ، أو يؤدي إلى تشويه صورتها الناصعة ، وكلنا ثقة بأنهم سيُذهِلون الجميع بما سوف يجسّدونه بعبقريتهم الفذة من أساليب حضارية تجمع بين الحكمة والسلمية والفاعلية.
( 4 ) : نؤكد على ضرورة مساهمة علماء الدين والخطباء في الحركة المطلبية الشعبية ، وأن يقوموا بدور التثقيف والإرشاد والتوجيه للجماهير؛ فمن شأن ذلك أن يعطي قوة دافعة وفاعلية للحركة ، ويحافظ على سلامتها في الفكر والممارسة . وإننا لنحفظ بصدق وإخلاص مكانة الرموز العلمائية الكبيرة ، وسوف نعمل على التواصل معهم ، ونثمن دعمهم ومساندتهم لهذا التحرك وتسديده بالنصح والإرشاد ، وأن يكونوا معنا ومع غيرنا على بعد واحد.
( 5 ) : ندعو جماهيرنا العزيزة الوفية في كافة مناطق الوطن العزيز إلى الاستعانة بالدعاء لاسيما الدعاء الجماعي لاستمطار اللطف الإلهي ، وتوظيف الفن والأدب ، مثل : الشعر والمسرح والأناشيد وغيرها في خدمة الحركة المطلبية ، وتشكيل فرق شعبية تطوّعية لتنظيم العمل الجماهيري والإشراف عليه من أجل المزيد من التنظيم والتنسيق والفاعلية ، ورفد العمل الإسلامي والوطني بجهودها البنّاءة الخيّرة ، ولتظهر الحركة المطلبية الشعبية بمظهر حضاري مشرق ، ولنبتعد عن حالة الارتجال والفوضى في حركتنا المطلبية الجماهيرية .
( 6 ) : يجب أن تكون الشعارات دقيقة وحكيمة بحيث تعبِّر عن مطالبنا العادلة وأهدافنا المشروعة خير تعبير ، وأن يتم تجنّب تلك الشعارات التي تحرف بوصلة الصراع إلى غير وجهته ، ولا تخدم الحركة المطلبية السلمية ، أو التي يمكن أن يستغلها الآخرون في تشويه وجه الحركة المطلبية الناصع في الرأي العام في الداخل والخارج .
أما مطالبنا التي نؤكد عليها كمطالب أساسية ، والتي نرى أنه من دونها لن يكون هناك أي حل واقعي وفاعل ، فهي التالي :
( 1 ) : صياغة دستور جديد يتسم بالشرعية الشعبية من خلال هيئة تأسيسية منتخبة لا يكون للمجنسين فيها أي دور ، يحفظ التعاليم الدينية ولا يتجاوزها ، ويضمن تداول السلطة ، واستقلالية السلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) وسلطة تشريعية منبثقة عن نظام انتخابي عادل تمثل الشعب تمثيلا حقيقيا ، ونظاما تعدديا قائما على حرية العمل الحزبي ، وإصلاح القضاء وضمان حياديته ، وصيانة كافة الحقوق الطبيعية للمواطنين . مع التأكيد على أن السلطة القائمة ليست قدر هذا الشعب ، فالسلطة يجب أن تعبر عن إرادة الشعب وتخدم مصالحه ، ومن حق الشعب أن يختار نظامه السياسي ويغير حكومته .
( 2 ) : ضمان حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية واستقلالية المؤسسات الدينية ، ومكافحة الفساد الأخلاقي .
( 3 ) : إطلاق الحريات وضمان كافة الحقوق ، وذلك بتعديل التشريعات والقوانين ، وإصلاح المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وحل المؤسسات الأمنية الاستثنائية ، مثل : جهاز الأمن الوطني والقوات الخاصة ، وإيجاد الآليات الفاعلة للرقابة والتصحيح وجبر الضرر .
( 4 ) : إيقاف التجنيس السياسي الممنهج ( التوطين ) وإلغاء جميع ما ترتب من آثار على استخدام الصلاحيات الاستثنائية في منح الجنسية خارج المتطلبات التي نص عليها القانون ، ثم تسليم ملف المجنسين بعد حل البرلمان في عام 1975م للسلطة التشريعية المنتخبة المشكلة بعد حل المسألة الدستورية .
( 5 ) : توفير فرص العمل الكريم لكل مواطن قادر عليه ، وضمان الحد الأدنى من الدخل لجميع المواطنين ، بما يحفظ كرامتهم ويلبي حاجاتهم وفق المعايير المشار إليها في الشريعة الإسلامية والمنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي انضمت إليه دولة البحرين ، والالتزام بالضمان الاجتماعي في حالة البطالة والعجز عن العمل .
( 6 ) : مكافحة الفساد بكافة أشكاله والقضاء عليه ، واسترجاع ما نهب من أراضي وثروات ، ورد الحقوق إلى أصحاب وجبر الأضرار ، ونؤكد على حماية البيئة ، وإصلاح ما لحق بها من تخريب .
( 7 ) : تحقيق العدالة والمساواة بين كافة المواطنين في الحقوق والواجبات وتجريم التمييز بينهم على أساس العرق أو الدين أو الطائفة أو غيرها والتوقف عن ممارسة التطهير الطائفي .
( 8 ) : إطلاق سراح كافة المعتقلين فوراً ومن دون قيدٍ أو شرطٍ وعلى رأسهم فضيلة الأستاذ حسن المشيمع وفضيلة الشيخ محمد حبيب المقداد ، وإيقاف التعذيب والتجاوزات وملاحقة المتورطين ، وعدم العودة إلى الحلول الأمنية من جديد . وإننا نرفض قرار المحكمة باستمرار حبس المعتقلين وتجاهل السلطة للإرادة الشعبية والنداءات المخلصة من الداخل والخارج المطالبة بالإفراج عنهم ، مما يزيد في درجة الاحتقان ويؤكد الدوافع السياسية في القضية برمتها .
( 9 ) : تسوية كافة الملفات العالقة الأخرى .
أما عن الخطوة القادمة فهي تتألف من ثلاثة عناصر كالتالي:
( 1 ) : سيقوم المعتصمون بزيارات لمختلف المناطق في البحرين واللقاء بجماهيرها ونُخبها كخطوة تمهيدية بهدف خلق الأرضية الجماهيرية القوية والمناسبة استعدادا للخطوات اللاحقة ، فهي زيارات عمل وليست من أجل الاستقطاب . ولهذا نهيب بأهلنا في مختلف مناطق البحرين بالتفاعل الايجابي مع هذه الخطوة والاستعداد لها نظرا لأهميتها القصوى في نجاح الخطوات اللاحقة ، وندعو أهلنا في مختلف المناطق إلى المبادرة من الآن في تشكيل فرق العمل الشعبية لتنظيم الفعاليات والإشراف عليها استعدادا لذلك .
( 2 ) : الاتصال بالرموز والشخصيات القيادية والمؤسسات بهدف التشاور والتنسيق وخلق الأرضية المناسبة القوية للعمل الإسلامي والوطني المشترك .
( 3 ) : كتابة رسالة إلى ملك البلاد يتم فيها تحديد المطالب التي يسعى المعتصمون وجماهير الشعب إلى تحقيقها والتأكيد على سلمية الأساليب ، ونشرها للرأي العام في الداخل والخارج ، وإيصالها إلى الأطراف المحلية والدولية ذات الصلة .
وفي الختام :
نعلن عن شكرنا العميق وامتناننا البالغ لشعبنا العظيم الذي عوّدنا على الوفاء والتضحية والإيثار على النفس ، ولجماهيرنا على الحضور المميّز في كافة فعاليات الاعتصام الذي أقيم احتجاجاً على التدهور العام في أوضاع البلاد ، وللمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم المشيمع والمقداد ، فلولا توفيق الله سبحانه وتعالى ثم حضوركم ـ أيها الأوفياء الصادقون ـ لما كان لهذا الاعتصام أن ينجح أبداً ، فالفضل لله سبحانه وتعالى ثم إليكم في نجاحه .
كما نشكر الرموز والشخصيات والعلماء والمؤسسات التي تضامنت مع الاعتصام وفي مقدمتهم سماحة آية الله الشيخ حسين النجاتي ( حفظه الله تعالى ) والمجلس العلمائي ، وجمعية وعد ، وجمعية أمل ، وجمعية الإخاء ، وجمعية المنبر التقدمي ، وشورى الوفاق والكتلة النيابية ، وجمعية الممرضين ، والأمانة العامة لحركة حق ، والتجمع الوطني الديمقراطي ، والجمعية البحرينية لحقوق الإنسان ، ومركز البحرين لحقوق الإنسان ، وجمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان ، وجمعية الزهراء لرعاية الأيتام ، والهيئات الشعبية ووفود المناطق .
ونشكر الإعلاميين الذين واكبوا الفعالية بمسؤولية وأمانة مهنية ، والصحف والمواقع الالكترونية التي قامت بالتغطية الإعلامية ، وفي مقدمتها ملتقى البحرين ، والصرح الوطني ، وموقع الأستاذ . ونشكر الكادر الطبي والفريق التنظيمي والإعلامي للاعتصام وفرق العمل في ساحة الاعتصام ، ونشكر أهالي قرية النويدرات العزيزة الذين احتضنوا الفعالية بكل محبة ووفاء وأريحية ، ولم يدخروا جهداً في خدمة المعتصمين والوفود والحشود الجماهيرية .
وآخر القول : أن ما جاء في هذا البيان قابل للنقد ، وهو مطلوب من الجميع ومن أصحاب الفكر والاختصاص خصوصا ، وما توفيقنا إلا بالله العلي العظيم عليه توكلنا وإليه ننيب .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
صادر عن المعتصمين المضربين عن الطعام بمنزل الأستاذ الفاضل عبد الوهاب حسين.
مساء الثلاثاء ـ ليلة الأربعاء
بتاريخ : 28 / صفر /1430هـ
الموافق : 24/ فبراير ـ شباط / 2009م.