محطات التشكّل والانطلاق: في الذكرى الهجريّة العاشرة لتأسيس تيّار الوفاء الإسلامي
على منوالِ كثيرٍ من الحركات التحرّريّة في العالم؛ وُلد تيّار الوفاء الإسلاميّ من رحم كتلةٍ متضخّمة من المضاعفات والتراكمات في تاريخ البحرين المعاصر. لم يقتصر الأمر على مضاعفات الانهيار في العقد الاجتماعي، أو انفراط الصّيغة الوطنيّة التعاقديّة، ولكن أيضاً مع الانكشاف الكامل للمشروع التآمريّ الذي يُهدِّد الوجود الأصيل للمواطنين في البحرين، وهو ما استدعى من قيادات الممانعة، وعلى مدى سنوات امتدّت من العام 2002م؛ إلى إعادة تنظيم الفعل المعارض، والعمل الحثيث على الخروج النهائيّ من الكذبة التي كان تُسمى بـ“المشروع الإصلاحيّ”.
مقدّمات التأسيس: النموذج الماثل:
كان مجلس “الثلثاء” مختبرا للنخبة والجمهور على حدّ سواء
بالصعود إلى المرحلة الزمنيّة التي انبثق فيها، ومنها، تيّار الوفاء؛ كان من الطبيعيّ أن يسبقَ ذلك سلسلةٌ من المواقف والتحرّكات المتعاقبة، والتي تُقدِّم بانوراما فكريّة وعملانيّة للتحرّك الجديد. وقد تولّى الأستاذ عبدالوهاب حسين، على وجه الخصوص، جُهداً مركباً في هذا المجال، واجتهدَ مع صحبه في زحزحةِ المفاهيم والتصوّرات التي تسرّبت إلى الواقع السياسي العام جرّاء هيمنة النظرة الرسميّة، وقوّتها النافذة في التحايل على الوعي العام وخداعه. وكان لمجلس الأستاذ (مجلس الثلثاء) الدورَ المؤثر في ذلك، بين أدوارٍ أخرى، حيث أضحى المجلسُ جزءا أساسيّاً في المشهد الداخلي، وكان بمثابة المختبر العملي للأفكار والأطروحات التي كان قادةُ الممانعة يعملون على بلورتها في “المطبخ المشترك”، ومن ثمّ على المنابر وفي الميادين.
وكانت أبرز المقدّمات التأسيسيّة، الفكرية والعملانيّة، التي سبقت إطلاق التحرُّك الجديد الذي سيحمل اسم “تيار الوفاء الإسلامي” لاحقاً، تتمثل في العناوين التالية:
- الإعلان الصّريح والحاسم برفض إكراهات ما بعد فبراير 2002م (مفاعيل دستور المنحة).
- الخروج التدريجي من إملاءات الواقع السياسي المحكوم بمشروع الكذبة (المشروع الإصلاحي).
- فكّ الارتباط بالعملية السياسية الرسمية في مرحلة ما بعد 2002م.
- الجهْر العلني ضد جرائم السّلطة، السياسيّة والحقوقية والاجتماعية والثقافيّة، وتسميتها بأسمائها.
- تبني مشروع “مواجهة جريمة التغيير الديمغرافي” واعتباره واجهة التقدّم الأمامي في المعركة السياسيّة الجديدة.
- التأسيس العملي لقيمة “النقد العلني الإيجابي” للواقع السياسيّ، وإعطاء الجمهور الدّور الفاعل والحقيقي في التقييم والمبادرة.
محطات التشكل والإنطلاق:
1- اعتقال الأستاذ مشيمع والشيخ المقداد وآخرين:
سيُشكّل اعتقال الأستاذ حسن مشيمع والشيخ محمد حبيب المقداد وآخرين في 29 محرّم 1430 هجري (26 يناير 2009 ميلادي)؛ محطّة أساسية في توسيع نطاق خطاب الممانعة، وفي تجميع الطاقة الشعبيّة والنخبويّة باتجاه تكسير الطغيان الخليفي، وعلى قاعدة التحرُّر من كلّ الدّعايات الترويجيّة التي أشاعتها السّلطة على مدى سنوات، وأسهمت السلطةُ وأدواتها – وبوسائل مختلفةٍ – في زجّها داخل الخطاب الرسمي المتداول بين العموم.
2- الاعتصام في “بيت الشّعب”:
دشّن قادة الممانعة، في 18 صفر 1430 هجري (13 فبراير 2009 ميلادي) الاعتصامَ بمنزل الأستاذ عبد الوهاب، وكان لافتاً – منذ البدء – نجاح التحرُّك الجديد في تكوين جبهةٍ قياديّة متنوّعة لتولي زمام تيار الممانعة في تلك المرحلة الجديدة التي بدأت، حينها، بتظهير أبرز معالمها التأسيسيّة. وقد كان يُراد من اختيار الحدث (اعتقال رموز وكوادر من تيار الممانعة)؛ تسليط الضّوء على المنحدر الكبير الذي آلت إليه البلاد آنذاك، والتراجع الدراماتيكي إلى الوراء، وبالتّالي إسقاط أكذوبة “الإصلاح” الحكومي.
3- بيان الانطلاق:
لاشكّ أن بيان انطلاق التحرُّك الجديد، والذي أُعلن في 28 صفر 1430 هجري (24 فبراير 2009 ميلادي)؛ أخذ بعين الاعتبار المشهديّة السياسيّة القائمة في ذلك الوقت، وهو يدعو إلى ضرورةِ قراءةِ المحتوى العام للبيان، ومنطقه السياسيّ، والمفردات التي اعتمدها، فضلاً على “المطالب” التي دعا إليها؛ على ضوء تلك المشهديّة والظرف العام المحيط بها، وهو المحيط الذي سينقلبُ جذريّاً بعد عامين من بيان “الانطلاق”، أي بعد اندلاع ثورة 14 فبراير 2011م، وحينها سيدخل تيّار الوفاء مرحلته التأسيسيّة الثانية عبر مشروع إسقاط النظام وفكرة التحالف من أجل الجمهوريّة.
4- اللقاءات المناطقية:
حرصَ تيّار الوفاء الإسلامي، وقبل أن تتشكّل تفاصليه، بما في ذلك اسمه الرسمي؛ على أن يُفعّل من الدور الشعبي، التزاماً بالمبدأ الذي أكّده التحرّك الجديد منذ بدايات الانطلاق. وكانت أولى هذه اللقاءات بتاريخ 15 ربيع الآخر 1430 هجري (11 أبريل 2009 ميلادي) في بلدة البلاد القديم – العاصمة التاريخيّة للبحرين – لخلق الأرضية الجماهيرية، وهي زيارات عمل وليس من أجل الاستقطاب، كما قال الشيخ عبدالجليل المقداد في ختام اعتصام نويدرات.
5- رسالة التحرُّك الجديد إلى الطاغية:
في 22 ربيع الآخر 1430 هجري (18 أبريل 2009 ميلادي)، رفع قادة التحرُّك الجديد رسالة إلى الطاغية حمد عيسى، تضمّنت أهم المطالب التي تناسبت مع طبيعة المرحلة السياسيّة في ذلك الوقت. وقد كانت هذه الخطوة ضمن الخطوات التي وعد التحرُّك بالمضي بها في إطار الحجاج السياسيّ، وللانطلاق بعدها في الخطوات العمليّة التي تتعلق بتحريك الواقع السياسي والشعبي في اتجاه تفعيل الممانعة المبدئية والجادة لمشروع النظام التخريبي.
6- الإعلان عن مسمّى “تيار الوفاء الإسلامي”:
في 10 شعبان 1430 هجري (1 أغسطس 2009 ميلادي) تم الإعلان عن الاسم الرّسمي للتحرُّك الجديد، وهو “تيار الوفاء الإسلامي” للتحرُّك الجديد. وقد جاء اختيار الاسم بعد “دراسة وتحليل المقترحات الشّفهية وفي الرسائل النصية والواردة في الملتقيات الإلكترونية”، حيث رسّخ ذلك مبدأ العودة إلى الشّعب في كلّ تفاصيل التحرُّك الجديد الذي أكّد في بيان “الاسم” على التمسّك “بالتلاحم مع الجماهير وشراكتهم الفعلية في تشكيل الرؤى ووضع البرامج وتنفيذها”.
7- اعتقال قيادات من الممانعة:
في 24 شعبان 1430 هجري (15 أغسطس 2010 ميلادي)، أقدمت السلطات الخليفيّة على اعتقال عددٍ من قيادات تيّار الوفاء الإسلاميّ، وكوادر ناشطين في خطّ الممانعة. وشكّل هذا الحدث الاختبار الأكبر للتيّار، ولاسيما في ظلّ السياق السياسي المضطرب، واختلاف الرؤى بين المعارضين. ولم يتردّد قادة التيّار في المضي على المباديء والقيم التي تم تأسيسها في انطلاقة التيّار، فكانت مواقف التيّار ثابتة في إدانة هذه الاعتقالات، والنزول الميدانيّ، وهو ما كان له الأثر المحوري في تعبيد الطريق أمام ثورة 14 فبراير، والتي كان التيّار طرفاً محوريّاً في إطلاقها وقيادتها.