مقاطعة البرلمان: الرّمية الأولى لأستاذ البصيرة
- إعداد هيئة التحرير
تولى فضيلة الأستاذ عبد الوهاب حسين قيادة مقاطعة الانتخابات البرلمانيّة، ومن غير تأخير في الوقت، بعد أن أعلن الطاغية حمد عيسى الدستور الجديد في فبراير 2002م. ووضعَ الأستاذ الخطّ الأحمر الأوّل إزاء ما جرى ذلك، حينما اعتبرَ الدستور الجديد (دستور المنحة) “انقلاباً” على التعهّدات التي قدّمها حمد للأستاذ ولبقيّة رموز المعارضة، وهي تعهّدات نصّت على عدم المساس بالدستور العقدي (دستور 73)، وألا يكون لغرفة المعينين في البرلمان صلاحيات تشريعيّة.
لم يتردّد الأستاذ، بصحبة رفقاء دربه، في توصيف الأمور على ما هي عليه، وأرادَ أن يُعيد الاعتبار إلى مصداقيّة الموقف السياسيّ، جنباً إلى جنب محافظته على الرؤية الدّينيّة التي تربّى عليها في مدرسة قادة الإسلام الحديث والمعاصر. وهذا ما يُفسِّر الطبيعة غير المهادِنة التى تميّز بها الأستاذ في مواجهة أيّ انحرافٍ سياسيّ أو غيره، فكان يُسجّل الاعتراضَ العلنيّ والجريء، مع إسناده بالخطابِ التنظيريّ اللازم.
تقشير قناع الاستبداد
يمكن استكشاف المفتاح الرئيس في رؤية الأستاذ للمشاركة في انتخابات ما بعد العام 2002م؛ من خلال الخط الأحمر الأوّل الذي سجّله، وفي اليوم الأوّل لحكاية الغدر والنكث بالعهود. فلم يكن توصيف الأستاذ لما جرى على أنه “انقلاب”؛ مجرّد توضيح للموقف السياسيّ الذي ارتكبه الطاغية آنذاك، بل هو بداية خطابيّة وسياسيّة وثقافيّة سيداومَ عليها الأستاذ في “تقشير قناع الاستبداد” الذي يريد الطاغية التستّر خلفه تحت مسمى “المشروع الإصلاحيّ”، وكان الشّغل الشاغل للأستاذ هو توعية الشّارع الشعبيّ والسياسيّ بأنّ يوم 14 فبراير 2002 كان يوم الانقضاض على هذا “المشروع” وحمْله في التابوت. فبدأ الأستاذ ورموزُ الممانعة في إعداد الرّد التاريخيّ الحاسم على يوم الانقلاب، وطيلة الفترة بين 2002 و2010م؛ وهو ما كان واستوى كاملاً في مثل هذا اليوم.. ولكن في العام 2011م.
هز الوعي العام
بعد شهرٍ واحد من الإنقلاب الخليفيّ، أعلن الأستاذ عن واحدة من أهم بصائره فيما يتعلّق بالبلاد. فقد تبيّن للأستاذ، ونتيجة لعدم جديّة الواقع السياسيّ العام في الاستيعاب العمليّ لخطورة انقلاب فبراير 2002م؛ بأنّ الضّرورة تستدعي أن يمارس (الأستاذ ورفاق الدّرب) دوراً تحريكياً خارج الإطار المؤسساتيّ الذي كان ينتمي إليه في حينه، وأخذَ على عاتقه – وخارج ذلك الإطار – مسؤولية “هزّ الوعي العام”، وتحريك الأنظار إلى الكمائن التي يسعى الخليفيّون لنصبها أمام الوثبة الشعبيّة المفترضة للخروج من “القفص الدستوريّ”.
وفي هذا الأفق، وخلال خطبة يوم 15 مارس 2002م، أعلن الأستاذ التّالي: “إن الوضع السياسي والعام في بلدنا الحبيب البحرين اليوم، لحساس وحرج جدا، وإنه ليُنذرنا بمستقبل يثقل كواهلَ الرجال والنساء المخلصين، ويحتاج منا أكثر ما يحتاج؛ إلى التوازن والوعي العميق، والعزم والإرادة الصلبة التي لا تُقهر، وعدم التردّد في العمل المسؤول، الذي يحفظ حقوق المواطنين، كل المواطنين لهذا الجيل والأجيال القادمة”.
القبول بالانقلاب: افتضاض.. وخيانة
انفتحَ الأستاذ، بعد هذه الرّؤية، وأكثر فأكثر، على مشروعه المستميت في إجهاض مفاعيل الانقلاب، ومن بوابة التصدّي لمقاطعة انتخابات 2002م، حيث اعتبرَ المشاركة فيها “افتصاضاً لضمير الأمة”، و”خيانة لا لُبس فيها لدماء الشهداء”. وقد أجملَ في مايو 2002م أهم الأسبابَ التي تدعو إلى موقف مقاطعة مشروع الانقلاب، وعلى رأس هذه الأسباب، كما قال بالنصّ: “الانقلاب على الدستور الشرعي، وميثاق العمل الوطني، والالتزامات والتعهدات التي أعطيت للشعب”، ليؤكد الأستاذ من جديدٍ على مركزيّة هذه الجريمة (أي الانقلاب)، وأنّ كلّ مسلسل الجرائم سينبع منها بالتوالي.
وليوضّح ذلك، قال الأستاذ في خطبة مايو نفسها، بأنّ الانقلاب المذكور “صادرَ المطلبين الشرعيين الرئيسيين للانتفاضة الشعبية المباركة، وهما تفعيل الدستور، وإعادة الحياة البرلمانية”، وأردفَ بعبارةٍ منهجيّة هامة، شدّد فيها على أن “الدستور الممنوح هو غير الدستور الشرعي، والبرلمان المطروح هو غير البرلمان المطالب به”، وهو ما يعني بطلان شرعيّة كلّ الأبنيّة السياسية والدستورية والقانونيّة التي تأسّست لاحقاً، بدءاً من البرلمان، وانتهاءا بالقوانين والمفاعيل التشريعيّة التي صدرت عنه.
القبول بالأمر الواقع: انزلاق إيماني وسياسي
ويحرص الأستاذ، في السياق نفسه، على أن يؤسّس لأمرٍ جوهريّ، يؤشّر على طبيعة التفكير السياسيّ لأستاذ البصيرة، حيث إنّ الدّخول في المشروع السياسيّ لآل خليفة ومن بوابة “دستور الانقلاب”؛ لن تقتصر تأثيراته السّلبيّة على “الوضع السياسيّ للجمهور”، بل أيضاً على “معنوياته وروحه الجهاديّة، وبل وحتى التأثير على حالته الإيمانية”.
ولكي يُعمِّق الأستاذ هذا التحذير الإستراتيجيّ، فإنه أبدى وضوحاً كاملاً في زعزعة الأساس المفاهيميّ الأخطر الذي سينجرف منه/ وإليه الكثيرون، وهو “قبول الشعوب بالأمر الواقع الذي يفرضه الحكّام”، حيث نبّه بكلماتٍ واضحة إلى أنّ الانزلاق إلى هذا المفهوم الإرجافيّ؛ سيؤدي إلى:
– أولا: قتل الروح المعنوية والجهادية، وقتل روح الرفض والإباء عند الشعوب.
– ثانيا: فساد الأنظمة والحكومات، وتخلف المجتمع والدولة.