الخرْق والاختراق: موسم عاشوراء و”حمد تحت الأقدام”
- إعداد: هيئة التحرير
قبل حلول شهر محرم الحرام هذا العام، وتحديداً يوم الاحد 2 سبتمبر 2018م، زارت شخصيّات “شيعية” مجلس رئيس الحكومة الخليفيّة، خليفة سلمان، وضم الشخصيات رؤوساء بعض المآتم ومن يدعون بأنهم يديرون المواكب الحسينية في العاصمة المنامة. (للتفصيل: اقرأ التقرير التالي هنا)
لم تكن هذه الزيارة منقطعةَ الصّلة عن السياسة الخليفية المعتادة في “اختراق” المجتمع الشيعي، ومنه اختراق الجسم العريض للمعارضة في البحرين. ومن المعروف أن هذه السياسة لم تتوقف منذ الاحتلال الخليفي للبحرين في العام 1783م، وكان المرمى الأول من وراء استمالة الشّيعة إلى قصور الخليفيين؛ هو تمرير مشروعية الاحتلال الخليفي، وبالتالي التمهيد للقضاء على ركائز الوجود الشيعي في البلاد، بما في ذلك الانقضاض على القيم والشعائر الأصيلة للشّيعة، أو تفريغها من محتواها الحقيقي.
مشروع احتواء شعائر عاشوراء
ولأنّ شعائر عاشوراء، وبسبب طبيعة الثورة الحسينيّة التي قامت ضد الظلم والبغي والتحريف؛ فقد وضعَ النظام الخليفي مخططاً مبرمجاً لاحتواء هذه الشّعائر، والعمل المتدرّج على محاصرتها وبوسائل مختلفة.
استعانَ الخليفيون بإدارة الأوقاف الجعفرية، وبعددٍ من رجال الدين الشيعة من أصحاب الأموال والأطماع الدنيوية، من أجل توسيع دائرة “محاصرة” شعائر عاشوراء، وبدأ المخطّط في أول الأمر بإضفاء “الشّرعية” على الخليفيين، والإيحاء بأنهم لا يمثلون دائرة الظلم والبغي الذي ثارَ عليها الإمام الحسين بن علي عليه السّلام. وجرى ذلك من خلال توطيد العلاقة مع رجال دين شيعة يمثلون امتداداً تاريخياً للخلاف المزمن داخل الجسم الشيعي في البحرين، والذي اشتعل قبيل الاحتلال الخليفيّ للبحرين بين منطقتي جدحفص والبلاد القديم، وكان سبباً في تمهيد الطريق لهذا الاحتلال، بحسب ما يروي محمد التاجر في كتابه “عقد اللآليء في تاريخ أوال” (ص 104).
صناعة الموالين
أدرك آل خليفة أهمية صناعة موالين لهم من رجال الدّين الشّيعة، واستغلوا الظّروف التاريخيّة الصعبة التي مرت بها البلاد، وجيّروا المشاعرَ السّلبية التي حملها بعضُ رجال الدين تجاه الناس، حيث اتهموهم بـ”الخذلان” أو عدم مناصرتهم في بعض المحطّات الصعبة التي انقضّ فيها الخليفيون على بعض العوائل الدينيّة في البلاد، وقاموا بنفيهم إلى الخارج. وفضلاً عن تكتكيك شراء الذمم، والإغراء بالمناصب؛ تمكّن الخليفة من تشييد جسم شيعي موال له من رجال الدين، وبالاستفادة من جسم رديف آخر من تجار الشيعة الموالين. وكانت الاستفادة الأولى من هذا التكوين التشطيري هو منح الخليفيين “القبول الديني”، والحيلولة دون نجاح أية مساع تغييرية أو ثورية تنطلق من داخل الوسط الشيعي، وذلك بتحريك هذا الجسم الموالي والمحاربة به في وجه هذه المساعي.
الطابور الشيعي
وإلى ما قبل انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، شكل الطابور الشيعي (من بعض رجال الدين والتجار)، أداةً فعّالة لآل خليفة في التحصّن والانتشار داخل الوعي الشعبي العام. وتبرّع هذا الطابور في ترسيخ وتوسيع ذلك عبر ربط الخليفيين بالشّعائر والمناسبات الدّينية، ومن ذلك شعائر عاشوراء، وهو ما كان يمثّل مبتغى الخليفيين منذ زمن، حيث كانوا يسعون لوضع اليد على أهم الشعائر التي تمثل إزعاجاً إستراتيجياً لهم.
جرى تضخيم هذا الطابور، وتمديده، جنباً إلى جنب محاربة علماء الدين الذين يمثلون المعنى الحقيقيّ للإسلام، وهي محاربة أخذت أشكالاً مختلفة، من بينهم التحجيم الرمزي، والمحاربة النفسيّة، وعمليات الاغتيال، وأخيرا الحرب المفتوحة عبر النفيّ والاعتقال والاستهداف الأوسع الذي يطال منابرهم ومساجدهم ومؤسساتهم الدينية.
بالتوازي، ومن خلال بعض المآتم التي يرأسها “وجهاء” وتجار موالون؛ تمدّد الربط “الإيجابي” المشار إليها بين الخليفيين وعاشوراء، وخاصة بعد تشكيل ما تُسمى بهيئة المواكب الحسينية (التي تخضع للإدارة المباشرة من وزارة الداخلية)، وبدور معاضد ومتواصل مما تُسمى بإدارة الأوقاف الجعفرية. ومع الوقت؛ أخذ هذا “التشبيك” بين الخليفيين و”الموسم العاشورائي”، شكلاً مبرمجا من خلال تثبيت الزيارة “الموسمية” التي يقوم بها بعض رؤوساء المآتم والهيئة المذكورة لمجلس خليفة أو حمد عيسى، عشية هلال محرم الحرام. وهي خطوة “رمزية” أراد منها آل خليفة ترسيخ “التشبيك” إياه، وبالتالي تحقيق الأغراض الضمنية والمؤجلة التي تشغلهم في شأن تحريف عاشوراء.
1440 هجري: توسيع الاختراق الخليفي لعاشوراء
في محرم هذا العام، 1440 هجري، كان هناك أكثر من مسعى قام به الطابور الشيعي لخدمة الأجندة الخليفية في عاشوراء. ومن ذلك:
- تكرار ما تسمى بهيئة المواكب الرسمية لمزاعم أن آل خليفة أخذوا على عاتقهم “صيانة وحماية” المواكب الحسينية، وهو ما ذكره الناطق باسم الوفد الذي زار خليفة عشية محرم هذا العام. وتكرر هذا المعنى أيضا يوم الثالث عشر من محرم الحرام عندما أصدرت الهيئة المذكورة وإدارة الأوقاف الجعفرية بيانا “شجبا” فيه كتابة اسم حمد عيسى على الشوارع خلال موسم عاشوراء هذا العام، ودعا البيان إلى “عدم تسييس العزاء وتشويه”.
- توزيع بيارق على مواكب العزاء في البلدات، أعدتها إدارة الأوقاف الجعفرية. وهو إجراء يتوازى مع محاولات سابقة ومتكررة في الفترة الأخيرة، قام خلالها حمد عيسى بتوزيع مواشٍ ولحوم على بعض المآتم من أجل إعداد الأطعمة وتوزيعها على المشاركين في العزاء. وهي محاولات “تكتيكية” لا تخرج عن سياق هدف “الاختراق”.
- حضور المسؤولين الحكوميين رفقة رئيس الأوقاف الجعفرية في مراسم العزاء والمواكب، وخاصة في العاصمة المنامة. وكان لافتا أن هذا الحضور أخذ حجماً أوسع في موسم هذا العام.
- حضور الضباط والمسؤولين في وزارة الداخلية في بعض مواكب العزاء المركزية، وبصحبة رجال دين شيعة موالين، كما حصل في موكب عزاء عالي يوم الثاني عشر من محرم الحرام. ويمثل هذا أقصى درجات الاختراق التي يأمل بها المخطط الخليفيّ ضد عاشوراء في البحرين.
- تكرار السفير الأمريكي وطاقمه الأمني والمخابراتي في حضور مواكب العزاء في العاصمة المنامة ليلة العاشر من محرم الحرام، بما في ذلك زيارة بعض المآتم المعروف أصحابها بعلاقاتها الودودة مع الخليفيي. وتمثل زيارة المسؤوليين الأمريكيين مظهرا إضافياً في اختراق عاشوراء، ولاسيما مع الدور الأمريكي في التستر على تعديات الخليفيين على عاشوراء، فضلا عن الدور الأمريكي المتواطئ ضد الشعوب وتطلعاتها في المنطقة والعالم، وهو ما يعني أن التطبيع معهم، وفي موسم عاشوراء، يمثل تطبيعاً مع امتدادات المشروع اليزيدي.
“حمد تحت الأقدام”: خرْق الاختراق
مع القمع الواسع للعلماء، وتعميم نطاق التخويف والترهيب لمنع الجهر بالحقّ وخاصة في موسم عاشوراء؛ كان هناك إشكالٌ يشعر به الناس لجهةِ إمكانات مواجهة مشروع الاختراق الخليفيّ لعاشوراء، وهو إشكال يرى البعض بأنه اشتدّ مع نجاح الخليفيين في تحقيق نجاحات معينة، ولكن خطيرة، في “الاختراق الثقافي” للوسط الشيعي والديني العام في البحرين، كما ظهرَ مع ترديد بعض واجهات هذا الوسط للمفاهيم التحريفيّة التي خطّط المشروع الخليفي – الذي هو في الحقيقة امتداد أصيل للمشروع اليزيدي – وكان ذلك سبباً في الحاجة إلى وسائل متعددةٍ لمواجهة الاختراق، والتصدّي العميق للمشروع، وقبل أن يتنامى ويكون “واقعاً سائدا”.
من بين وسائل مختلفة تمّ اعتمادها، فإن من الوسائل المجدية والفعّالة التي ابتكرها المواطنون والثوار؛ هو كتابة اسم الطاغية حمد عيسى على الشوارع العامة، وتعريض اسمه للدّوس من قبل المشاركين في المواكب العزائية، ليحمل ذلك حرباً نفسيّة من جانب، ورسائل احتجاجيّة مكثفة من جانب آخر.
وقد كان اعتراض الخليفيين والموالين لهم – وبعض أطراف المعارضة للأسف الشديد – على هذه الفعالية؛ يؤكد من الجهة الأخرى على “الرسالة الفورية” التي حلمتها، كما أن هذه الوسيلة أثبتت بهذا الاعتراض ما تحمله تأثير قويّ على مستوى الكفاح المدني، حيث إنها انطوت على البُعد الاحتجاجي، والبُعد المقاوم في الوقت نفسه. فلا يقتصر كتابة اسم حمد على الشوارع؛ على الطابع الاحتجاج الرافض لما يقوم به الطاغية من تعديات على الشعائر وعلى المواطنين، وإنما هو احتجاج على النظام برمّته، وبرأسه المجرم. ومن هنا؛ تمثل هذه الخطوة الاحتجاجيّة عنصراً لمقاومة الاختراق الخليفي لعاشوراء من جهة، ومن جهة أخرى فإنها تُضفي قوّة إضافية في الوعي العام عبر توجيهه نحو المفاصلة الكاملة، والشاملة، والنهائية مع آل خليفة.