السياسة الأمريكيّة.. وملف البحرين: رؤى من الأستاذ عبد الوهاب حسين
منذ اندلاع ثورة البحرين، في 14 فبراير 2011م، كان هناك أكثر من طرْح في قراءة تداعيات الوضع المحلي، ولاسيما بعد التدخّل السّياسي والعسكري الأجنبي لصالح النظام الخليفي، وخاصة من جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول خليجيّة على رأسها السعودية والإمارات. وفي ظلّ الأحداث المتتالية، والمتصاعدة حتى اليوم، طرحت أوساطٌ سياسيّة وإعلامية أكثرَ من مقاربةٍ في تحليل الأوضاع داخل البحرين، وفي استكشاف أبعاد ما يجري من أحداثٍ وإلى أن تنتهي، ومن بين تلك الأطروحات كان يجري الحديث عن “الأثر الإقليمي والدولي” باعتباره عاملاً أساسيا، وحاسماً، في معالجة ملف البحرين، ابتداءاً وانتهاءأ.
وكان للأستاذ عبدالوهاب حسين أكثر من معالجة لهذا الموضوع، وقد حرصَ على تأسيسها من خلال جملةٍ من المحدّدات الأساسيّة التي لا تضع للوضع المحلي دائرته الخاصة، ومن غير إغفالٍ لمؤثرات الوضع الإقليمي.
المحدّد الأول، بحسب الأستاذ، هو الوضع المحلي، سواء لجهة الفعل الحكومي أو الفعل الشّعبي. ويضع الأستاذ في هذه الدائرة عنواناً أساسياً، مفاده أن “السلطة في البحرين تعيش أزمة عدم ثقة مع شعبها”. وهو ما يظهر، بحسب الأستاذ، من خلال القمع والإرهاب ضد الشعب، و“استيراد شعب بديل بواسطة التجنيس (التوطين) الذي لا مثيل له إلا في الكيان الصهيوني” كما يعبّر الأستاذ.
من هذه الزّاوية، يرسم الأستاذ الامتداد الإقليمي والخارجي للأوضاع في البحرين، حيث يضع أولاً “الدعم الأمريكي” للنظام الخليفي باعتباره محوراً لخروج الملف المحلي إلى الخارج، ولاسيما في ظل “التخوف من حدوث المواجهة بين أمريكا والجمهورية الإسلامية في إيران، وقناعة السلطة في البحرين بأن النظام في إيران لم يتخلّ جديا عن دعوى تبعية البحرين لإيران”، وهو ما يدفع النظام، حسب الأستاذ، إلى التطلُّع الدائم “لحماية أمريكية في وجه المعارضة الشّيعية والمطالب الإيرانية بشكل خاص”، وهو تطلّع يتم عبر “الاستجداء”، والاستعداد لتقديم “أي شي للحصول على هذه الحماية”، بما في ذلك التطبيع مع الكيان الصّهيوني. وعلى هذا النّحو، فإنّ الأستاذ يرى أن تسرُّب الملف المحلي في البحرين نحو الخارج؛ جرى من خلال التحرُّك الخليفي باتجاه أمريكا، ومنها إلى إسرائيل، لملأ النقص الذي يعاني منه النظام لجهة “فقدان الثقة في الشعب”، و”التصدي للخوف من إيران”. وهو ما حصل بالفعل، وبشكل دراماتيكي، في السنوات القليلة الماضية.
الأستاذ يلمح في 2009 “الطبخة الأمريكية”
في العام 2009م، وتحديداً في شهر يوليو، رأى الأستاذ أن هناك جهداً أمريكياً “محموماً” للعمل على إعداد “طبخة خاصة للمنطقة”، واستند في ذلك على ذهابه إلى أن هناك “مواجهة ملحميّة بين الكيان الصهيوني وأمريكا وحلفائهما من جهة، وبين الجمهورية الإسلامية في إيران وحلفائها من جهة ثانية”. وشدد الأستاذ على أن هذه المواجهة “لا مناص منها، والمسألة مجرّد وقت”، كما أن تداعياتها “ستكون عميقة وقاسية جدا على المنطقة، وقد تغير الخارطة السياسية للمنطقة بشكل كلي”، بحسب تعبيره.
هذا الاستشراف للوضع الإقليمي والدولي للأستاذ كان يتجاوز القراءات “الوردية” السائدة آنذاك، وخاصة في قطاع من المعارضة المحلية، التي كانت تظنّ أن الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت، مع عهد باراك أوباما، يمكنها أن تُحدِث انتقالة “إيجابية” للوضع المحلي في البحرين، وعموم المنطقة، ولاسيما مع “الخطابات الديمقراطية” التي اعتاد عليها أوباما. إلا أن الأستاذ، وفي العام 2009م، رأى أن إدارة أوباما نفسها “تعيش في مأزق حقيقي، وهي غير قادرة على الوصول إلى حلول توافقية واتخاذ مواقف حاسمة”.
الأستاذ: أمريكا تضر بمصالحها بنفسها
مرّة أخرى، يعود الأستاذ إلى إجراء مقاربةٍ بين هذا الوضع الإقليمي والدولي والملف في البحرين، ويشدّد على أن واشنطن “لم تقدّم أي شيء صحيح إلى اليوم (الحديث كان في العام 2009م) في اتجاه الإصلاح الحقيقي”. ويذهب الأستاذ أبعد من ذلك، ويقرأ الموقف الأمريكي “على أنه ضد الإصلاح، وضد المصالح الوطنية”، ولوّح بلغةٍ واضحة إلى الأمريكيين على أن هذه السياسة سوف “تضر بسمعتها، ولن تخدم الأمن والاستقرار، وسيضر بمصالحها الحيوية في المنطقة على المدى البعيد”. ومن اللافت أن هذه التحذيرات، وبعد أكثر من تسع سنوات بدت أكثر وضوحاً، وبالمحدّدات ذاتها التي رسمها الأستاذ.
إنّ رؤية الأستاذ تجاه أمريكا، وبما ينعكس على سياستها تجاه البحرين، تتأسّس على أمرين إستراتيجيين بالنسبة لواشنطن، الأول “دعم الحكومات المستبدة في العالمين العربي والإسلامي”، والثاني “الدعم المطلق للكيان الصهيوني”. ومن المفيد هنا استرجاع ما حذّر منه الأستاذ، وقتئذ، من أنّ محاولة اختراق واشنطن للشعوب في المنطقة سيكون عبر “تأجيج الفتنة الطائفية” من جهة، ومن جهة أخرى من خلال تصفية القضية الفلسطينيّة، والتمهيد للتطبيع مع الكيان الصهيوني. وتهدف هذه الإستراتيجيّة إلى “تخفيف الضغوط الشعبية على الحكومات”، وحرْف خط المواجهة الشعبية من الكيان الصهيوني إلى الجمهوريّة الإسلامية في إيران.
بالعودة إلى البحرين، فإنّ الأستاذ يوجّه إلى الأمريكيين رسالة واضحة للتحذير من مغبّة استعمالهم للبحرين “مختبرا نموذجيا” لتمرير مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني، وصرّح الأستاذ بأن ولي العهد الخليفي، سلمان حمد، قد يكون جسراً لهذا المشروع لكونه مقرّباً من الأمريكيين. ومما يزيد الأمر خطورة، بحسب الأستاذ، أنّ “بعض قوى المعارضة” – والحديث كان في العام 2009م للتذكير مرة أخرى – “تعقد الأمل” على سلمان حمد الخليفة، وهو ما قد يمنح دوره شكلا من الغطاء الشعبي. ومن هنا يظهر تحذير الأستاذ من أن واشنطن تتسبّب في تعريض مصالحها للخطر، بما في ذلك الأسطول الخامس، لأنها – عمليا – تتحرك في اتجاه مضاد “للإصلاح وللمصالح الوطنية” في البحرين.
كيف كان ينبغي مواجهة هذا الخطر، أو الحدّ منه؟ كان لابد من توسيع حراك الممانعة، وإيصالها إلى الذروة من خلال ثورة 14 فبراير التي قادها الأستاذ. لا يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل لابد من قطْع جذور الرابط المحلي الذي يفتح الأبواب للأمريكيين، والإسرائيليين لاحقاً، وهو ما يفسّر لنا الأهميّة، الجوهريّة، لخيار إسقاط النظام ومشروع الجمهوريّة، والذي كافح من أجله الأستاذ وصحبه، وحتى اليوم.