من البصائر: الشيخ زهير عاشور.. “الموقف سلاح”
يطبّق الخليفيّون سياساتٍ عديدةً، ودون توقّف، من أجل إخفاء صوت قادة الثّورة المعتقلين في سجون البحرين، وتغييب أجسادهم وأفكارهم عن النّاس، ولأطول فترةٍ ممكنة. وقد لجأ النظام لأكثر من أسلوبٍ لإخفاء القادة، وصولاً إلى عزلهم عن العالم الخارجيّ، وحرمانهم من الظروف الصّحيّة المناسبة داخل السّجن، وذلك لكي يُضعف إرادتهم، ويُحاصرهم معنويّاً، ويُحكم الخناق على كلماتهم وتوجيهاتهم العامة.
وتشتدّ هذا السّياسة في الأوقات الحسّاسة التي يكون النظام مقبلاً فيها على تمرير مشاريع جديدة، أو إدخال شعب الثّورة في دهليز آخر من الأراجيف والحروب النفسيّة، كما هو الحال هذه الأيام، حيث يسعى النظام الخليفيّ حثيثاً من أجل تمرير الانتخابات البرلمانيّة المقبلة، والعمل من أجل اختراق أوسع مدى لأوساط النّاس والجماعات السياسيّة، لكي تقبل بالانتخابات أو تصمت عن إعلان موقفٍ رافض لها.
وغير بعيدٍ عن ذلك ما ذكره القياديّ في تيّار الوفاء الإسلامي، السيّد مرتضى السّندي، من أنّ إبعاد آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم عن البحرين هو “جزء” من هذه الخطّة، كما أنّ السماح له بالعودة سيكون خاضعاً “للابتزاز الانتخابيّ”، حيث أوضح السّيد السّندي بأن النظام يلوّح للمعارضة بأن أيّ موقف مقاطع للانتخابات ستكون نتيجته إبقاء الشّيخ قاسم في المنفى.
لأسبابٍ كثيرة، فإنّ المرحلة القائمة اليوم ستكون محمَّلة باستحقاقاتٍ عديدة، ولن يكون التراجع فيها أو الخنوع لإملاءات النظام مفسَّراً بأي تفسيرات غير أنها انحياز للظلمة والطغاة، وقبولٌ بالمشروع الخليفيّ الذي انكشفت كلُّ أوراقه، وبانَ استهدافه لأصالة البحرانيين، وجوداً وهويةً وديناً وثقافةً وتاريخاً. وهذا الموقفُ القاطعُ لابد أن يكون في اعتبارِ كلّ الذين يفكّرون، اليوم وغداً، في نحْت وفبركة مبرّرات الولوج، أكثر فأكثر، داخل عباءة الخليفيين، ويمتنعون حتّى الآن عن تجريم علنيّ لأفعالهم المشينة، وغير المسبوقة، بحقّ الوجود الأصيل للمواطنين، وبكلّ أبعاد هذا الوجود المهدَّد بالاقتلاع.
الشيخ زهير عاشور: “الموقف سلاح”
لابدّ أن يواجَه الجميع بخطورة صمته في داخل البلاد، كما ينبغي لعموم المؤثرين وأصحاب الخطابات العامة أن يُدركوا أنّ الصّراع مع آل خليفة لم يعد يحتمل إضاعة الوقت في التحارب الحزبيّ، وتراشق الاتهامات الشخصيّة، والاستقواء بهذا الطرف أو ذلك. ومعيارُ الصّحوة من هذا الإنفلات؛ هو العودة إلى المدرسة التي تحدّث عنها الشّيخ زهير عاشور – المحكوم بالسجن المؤبد، والمخفي قسريّا مرة أخرى داخل سجنه منذ تاريخ 22 أغسطس 2018م – وهي مدرسة “الموقف سلاح”.
في مايو 2013م؛ توفيت والدة الأستاذ عبدالوهاب حسين. وقد رفضت السّلطات في وقته الإفراجَ المؤقت عنه للمشاركة في مراسم التّشييع. وحينها اتخذ الأستاذ موقفاً أصرّ فيه على حقّه في الإفراج والمشاركة في تشييع والدته، ولو اضطرّ ذلك أن يتعطّل الدفان ويتوقف خروج الجنازة. في تلك الفترة، نظّم الأهالي وفودا تضامنيّة مع الأستاذ، وبينها وفدٌ من بلدة كرزكان، تحدّث فيه الشّيخ زهير عاشور بكلمةٍ اختصرت المعنى الرّمزي لموقف الأستاذ، ومنه أنارَ الشيخ عاشور الرؤيةَ التي يقدّمها الأستاذ، والتي عبّر عنها الشيخ برؤية “التفجير”.
وفيما يلي نصّ الكلمة.. وهي متاحة اليوم مجدّداً للتأمّل في مضمونها، وفي توقيتها الممتد، وفي رسائلها المفتوحة إلى أبعد من الزمن الراهن، وأهمّها الرّسالة الضمنيّة الموجّهة إلى عموم النّخب، وإلى العاملين في الحقل العام، مفادها أنّ الواقع السياسيّ – مهما قست الظروف – لا يتوجّب أن يخلو من “الموقف” و”التفجير”، ولو من خلف القضبان، أو عبر التحايل على القمع والاضطهاد. وإلا فإن السّكوت، أو الكلام الرّماديّ؛ سيكون أثره وخيم ونتيجته ضياع وإضاعة للحقّ العام، والحقّ الخاص.
“الموقفُ سلاح” – الشيخ زهير عاشور – 19 مايو 2013م
“هكذا عوّدنا هذا الرّجلُ العملاق. هذا الإنسانُ الذي له ديْنٌ عظيم علينا. دائماً تكون مواقفه سلاحاً. يقلبُ بهذا السّلاح أعداءه، ويُركعهم أمام صموده.
هذا الأستاذ، هذا المربّي.. هذا القائدُ العملاق الذي نتضامنُ من أجله؛ يمكننا أن نقول إنه رفعَ هاماتنا، وأعزّنا بمواقفه. وكم ضحّى من أجلنا، في ثورة التسعينات، والآن في هذه الثّورة.
لا يعرفُ أبداً أن يتعاطى مع المجريات السياسيّة على أنّها أمور شخصيّة.
لا تتصوّروا أبداً أنّ الأستاذ – فرّج الله عنه – حينما يقول إنّ له الحقّ في حضور جنازة والدته؛ على أنّه يتكلم عن أمرٍ شخصيّ، يلجأ له بما هو شخصيّ. ليس هذا هو الأستاذ!
الأستاذ دائماً وأبداً – وهذا منهجه – الآن نحن في ثورة، وهو مفجّرها، و مفجّر هذه الثّورة، وهو قائد ربّانها.. هل تتصوّرون أنه في مثل هذا المنعطف؛ ينظر بعين شخصيّة فرديّة ترجع له؟! هيهات ما هكذا الظنّ به! إنما يريد أن يقول لكم، أيّها الشّعب العظيم، إنه سيكون في موقفٍ، حتى مع أعزّ امرأة، مع أمّه، وأنا مستعدّ أن تتعطّل جانزة أمّي الغاليةن ولكن سوف أتحمّل، وسوف أقدّم هذا الموقف. لأنّ “الموقف سلاح”.
وسوف تجدون الآن، هذا هو أول يوم من الاعتصام.. المفجّر لا يعرف إلا أن يفجّر. سوف تعرفون هذا الموقف الذي اتخذه هذا الأستاذ البصير، سوف يفجّر ثورةً جديدة.
يخشون أن يُطلقونه لثلاثة أيّام، ويقلب البلدَ عليهم! ولكن اعلموا إنكم إن أخرجتموه أو جعلتموه في سجنه؛ هو اتخذ هذا الموقف، وأحرجكم أيها النظام. وسوف يفجّر ثورةً مرة أخرى.
قدّم ما قدّم هذا الأستاذ، ونحن مدينون له بأرواحنا. ترخُص الأنفس له. رجلٌ عملاق، التاريخ كفيل بأن يكشف شيئاً من جوانب شخصية هذا الرجل الكبير.
رجلٌ ذاب في الله.. فكان صبغة الله، ووجه الله.
لابد لنا ونحن نجد هذا الموقف من الأستاذ؛ ألا نفوّت الموقف، بل لابد لنا أن نقف كما وقفَ.
نسأل الله تعالى الثّبات”.