يأبى الله لنا: عبدالهادي الخواجة ومشروع “إسقاط العصابة”
في ذروة الصّراع السياسيّ الذي شهدته البحرين في العام 2009م، وجد الرمز الحقوقيّ المعتقل، الأستاذ عبد الهادي الخوّاجة، بأنّ الأمور لم تعد تحتملُ المزيد من “المهادنة”.
أسّس الخوّاجة مدرسة خاصّة في “العمل الحقوقيّ”، وكوّن معالمها الأساسيّة مع إطلاق صيحته المدوّية في العام 2004م، والي مهّدت لهتاف “تنحّ يا خليفة”. حينها، بات الخوّاجة مدركاً لضرورة أن يكون النّشاط الحقوقيّ “رأس” حربة في العمل الشّعبي، وألا يقتصر فقط على توثيق الانتهاكات وتثقيف الجمهور بحقوقهم. واستند هذا المنهج على النّقاط التّالية:
- ربط العمل الحقوقيّ بالمطالب الحقيقيّة التي ينادي بها النّاس.
- توسيع نطاق النشاط الحقوقي والمزاوجة بين التوثيق والنزول في الميدان.
- كسْر الفكرة التقليديّة الفاصلة بين ما هو حقوقيّ وسياسيّ.
- الانخراط الفعلي في الفعاليات الشّعبيّة وعدم الاكتفاء بالمؤتمرات أو المنتديات الحقوقيّة النخبوية.
وقد تولى الأستاذ نبيل رجب، الأسير في السجون الخليفيّة، استكمال هذه المدرسة باجتهاداتٍ إضافيّة بعد اعتقال الخواجة، ونحت أبو آم بصمته الخاصة في هذه المدرسة خلال السنوات الأولى من ثورة 14 فبراير 2011م، حيث استكملَ “المشوار” الحقوقيّ الذي هندسَ له الخوّاجة، مع لمسات أخرى طبعَ فيها رجب شخصيته المعروفة.
كان خطاب “فلتسقط العصابة الحاكمة” الذي ألقاه الخوّاجة في عاشوراء من العام 2009م؛ من أبرز الخطابات التي جسّدت هذه المدرسة، حيث نزلَ الخواجة بين الجمهور وسط العاصمة المنامة، وأطلق نداءا مستوحى من المناسبة الدّينيّة الأهم في البحرين، عاشوراء الإمام الحسين (ع)، ودعا الجميع إلى “الوقوف صفّاً واحداً لطلب الإصلاح، ونصرة الحقّ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” استناداً إلى نهضة الإمام الحسين بن علي وثورته في عاشوراء.
وقد قدّم الباحث المعروف جستن غينغلر، في كتابه “صراع الجماعات والتعبئة السياسيّة”؛ استعراضاً تحليلياً لهذا الخطاب، أوضح فيه بأن الخطاب شدّد على “فك الارتباط النفسي بنظام الحكم الظالم، ورفض مبايعته، وعدم الإقرار له”، مع حرْص الخطاب على تسنيد هذا الموقف بالمبرّر الواقعي الذي يشير إلى “غدر” النظام الخليفيّ، ونكثه للعهود، وأنه “نظام كذّاب”.
أكّد الخواجة بأن امتناع الإمام الحسين عن مبايعة يزيد بن معاوية، وإعلان الإمام “العصيان السياسي”؛ لم يكن مرتبطا بشخص يزيد فحسب “بل كان يستهدف النظام الأموي برمته”.
كما نبّه الخواجة في الخطاب، بأنّ الموقف الحسينيّ لا يرتبط بالانتماء المذهبي، حيث إن المرء قد يكون شيعياً من حيث التنصيف العقائدي، إلا أنه “قد يكون من شيعة آل سفيان، أو أي عصابة حاكمة تستعبد النّاس وتسفك الدماء”، مشددا على أن “معركة مثل كربلاء ضروريةٌ لتكشف كل إنسان أمام نفسه وأمام الآخرين”.
ويقول غينغلر، بأن هذا المفصل من الخطاب يمثل “بؤرة النظرية” التي كان الخواجة يستعد لإطلاقها، حيث انتقل في خطابه إلى الجزء “الأكثر جوهرية”، وهو: “العصابة الحاكمة وضرورة اقتلاعها من الحكم مهما كلّف ذلك من جهدٍ وتضحيات”، حيث ساوى الخواجة بين العصابة الأموية وعصابة آل خليفة، وشخّص الخواجة في خطابه العصابة الخليفية فيما يُسمّى “مجلس الدفاع الأعلى”، الذي يضم 14 شخصا من الخليفيين، والذي تُحاك فيه المؤامرات ضد شعب البحرين.
“الاستمالة السياسية” ورفض المشاركة في البرلمان
يواصل غينغلر استعراضه للخطاب، ويقول “على خلفية هذه الانتهاكات التي مورست على يد عصابة آل خليفة، اتجه (الخواجة) إلى أنه “لابد من أن يكون المطلب الرئيسي هو إسقاطها من الحكم، بشكل وسائل المقاومة المدنية السلمية، والاستعداد لبذل التضحية في سبيل ذلك، تماما كما كانت نتيجة تضحية الحسين إسقاط العصابة الأموية من نظام الحكم”.
في وقت لاحق، التقى جينغلر بالخواجة، وأجرى معه مقابلة خاصة في أبريل 2009م، نقل عنه تشديده على ضرورة “تفادي الاستمالة السياسيّة” التي يقوم بها الخليفيون، وخصوصا في صفوف الشّيعة. ووضع الخواجة الإصبع على “المشاركة السياسية” في مشاريع النظام غير الديمقراطية، وقال “لن يستطيع آل خليفة البقاء في السلطة (في نظام ديمقراطي حقيقي)، وبالتالي فإن الهدف هو الحيلولة دون نشوء هكذا نظام، أو استمالة عدد كاف من الشيعة بحيث يكون لديهم منفذ للمشاركة السياسية من دون تحدي الوضع الراهن بشكل فعلي”.
وقد كان يتحدث الخواجة، في المقابلة، عن رفض الانتخابات والدخول في البرلمان آنذاك، باعتبار ذلك جزءا من مشروع “الاستمالة” التي يعمل عليه الخليفيون في صفوف الشيعة، لإعاقة قيام نظام ديمقراطي فعلي.