يأبى الله لنا: صرخات الدكتور عبدالجليل السنكيس “واصادقاه.. واصادقاه”

يُشكّل الدكتور عبدالجليل السّنكيس واحداً من الظّواهر “الفريدة” من نوعها في تاريخ الصّراع السياسيّ الحديث مع آل خليفة في البحرين. وتتميّز هذه الظاهرة في قدرتها على تجسيد الدّور المحوري، والحقيقي، للمثقف الحرّ، وتحديداً لجهةِ التصدّي لمشاريع الاستبداد والإفساد، والانحياز للحراك الشّعبيّ، فضلا عن القدرة على تحريك المياه الراكدة، وإنتاج المبادرات الجهاديّة على أرض الواقع.

وعلى الرّغم من تفوّقه الأكاديمي، إلا أن الدكتور السنكيس لم يتقوقع داخل “مغارته”، أو في برجه العاجيّ. واستطاع من خلال الكلمة الحرّة، والموقف الشجاع، والنزول بين الجماهير؛ أن يكسر الصّورة “السلبيّة” السائدة للأكاديمي المنحاز لخياراته الشخصيّة، ولطموحه الخاص، وعلى حساب الموقف الصّادق، ومهمة إفشال مشاريع الطغيان.

الفسيلة: “واصادقاه”.. وخذلان الناصر

من بين العلامات التي تميّز بها الدكتور السنكيس؛ جرأته في نشر المقالات التي عبّر فيها، بوضوح، عن حقيقة ما يجري في البحرين، وشخّص فيها بدقةٍ طبيعة النظام الخليفيّ، ومشروعه التدميريّ ضد شعب البحرين الأصيل.

واختار الدكتور عناوينَ لافتة لمقالاته التي كان ينشرها على مدوّنته، التي تحمل عنوان “الفسيلة”، وامتازت هذه العناوين بوضوح الرّسالة، والمعنى الثوري والروحي.

من بين المقالات اللافتة، المقالة التي نشرها في يوليو من العام 2010م، وذلك في ذروة المعركة الفاصلة مع آل خليفة، والتي مهّدت لانطلاق ثورة 14 فبراير في العام 2011م. وكان المقال بعنوان “وا صادقاه.. وا صادقاه”. ووظّف العنوان، ونداءات النّصرة فيه؛ البُعد المباشر لما يشير إليه الإمام جعفر الصادق (ع)، باعتباره رمزاً وتمثيلاً جامعاً للشيعة، وكذلك الإشارة التي يتضمنها إلى مسجد الإمام الصّادق، الذي كان منطلقَ المقال وموضوعه.

فقد تناول المقال جريمة السيطرة الخليفيّة آنذاك على مسجد الإمام الصّادق في القفول، ومنْع الوصول إليه، والتحكّم في إمام الجماعة. وهو ما اعتبره الدكتور اعتداءاً على بيت من بيوت الله في البحرين، مبدياً تعجّبه من أنّ “قلة قليلة” فقط هبّت للدفاع عن بيت الله، ووجّه اللوم الصريح إلى عموم “المؤسسات المجتمعية”، لكونها لم تحرّك ساكناً.

قدّم الدكتور السنكيس في هذا المقال تعبيرات من التحسُّر والاستنكار، تشبه إلى حدّ كبير تلك الآهات وصرخات الألم التي شاعت في خطب الإمام الحسين بن علي خلال مسيرته نحو كربلاء، ولاسيما حينما تأكّد له واقع “الخذلان” بين الجماهير.

ةيشخّص الدكتور ما حصل على أنه “استضعاف” من النظام لأتباع الإمام الصّادق (ع) في البحرين، وعلى نحو تجرأ فيه النظام “على مقدساتهم ومعتقداتهم وأماكن صلاتهم وتعبّدهم”.

السنكيس وخيار “القوة”

ويذهب السنكيس بعيداً في تحديد الموقف من هذا “العمل الإجرامي” الذي يطال العقيدة، حيث يقول إن “ردّة الفعل تجاه الاعتداء والازدراء والتهجّم على العقيد والمعتقد، وما يمثلها، عادةً ما تكون قويّة وعنيفة، خصوصا بين المتمسكين بتلك المعتقدات، حيث تصل ردة الفعل للاقتتال والدماء”. واستند الدكتور السنكيس في تأسيس هذا الموقف على قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، (114) سورة البقرة.

ويضع الدكتور السنكيس هذه الجريمة في سياق جرائم مشابهةٍ استهدفت المساجد، سواء بمصادرة أراضي الأوقاف أو منع ترميم المساجد، أو هدمها، وقال بأن “الأرقام كبيرة، وكبيرة جدا، وتعبر عن استهداف واضح وجلي لأتباع الإمام الصادق عليه السلام”.

ويرصد الدكتور منع موسم عاشوراء في البحرين من الحضور في وسائل الإعلام المحلية، وكيف أن السلطات تحظر، بشكل ممنهج، بروز هذا الموسم عبر الإذاعة والتلفزيون، جنباً إلى جنب محاصرة “التاريخ الحقيقي لشعب البحرين الأصيل”.

السنكيس: حمد هو المسؤول

بعد هذا التشخيص، لا يتردّد الدكتور السنكيس في تحديد المسؤول عن استهداف المواطنين الشّيعة وشعائرهم، وهو يقول بكلمةٍ واضحة بأن مشروع تحويل “أتباع الإمام الصادق إلى أقلية”؛ يقوده حمد عيسى الخليفة شخصيّاً، ومن خلال ديوانه ونظامه. وقال الدكتور بأن حمد توّج هذا “المشروع البغيض” باستيراد “شعب غير معروف الهوية، يتوخى منه الولاء والمصداقية” وإحلاله محلّ شعب البحرين الأصيل.

وفي ختام المقال، يُطلق الدكتورة صرخة ونداءاً، ويقول فيه: “واصادقاه.. نداء نجدة واستنجاد لكل حصار على أتباعه ومريديه.. واصادقاه دعوة لفك الحصار على مسجد الصادق في القفول وغيره من المساجد.. واصادقاه.. مطالبة للنظام على رأسه حمد بن عيسى لإعادة الإعتبار لاتباع الصادق من أبناء هذا الشعب الأصيل. حقوقهم الدينية والسياسية والإقتصادية والثقافية وغيرها.. واصادقاه دعوة لكل أبناء الشعب ليهب مطالباً بحقه في العبادة والتعبد وممارسة حياته الطبيعية على جميع المستويات.

واصادقاه.. رفض لظلم الديوان ومؤامراته وخططه ضد الشعب الأصيل، ولاسيما ضد شيعته وأتباع مذهب الصادق عليه السلام.

وا صادقاه..مطالبة بتجاوز الإختلافات السياسية والحزبية للدفاع- بشكل متضامن وقوي- عن حيض الإسلام وعن المسجد وحق العبادة والتعبد لشيعة البحرين. وما ضاع حق وراءه مطالب”.

يأبى الله لنا: قراءة الأستاذ عبدالوهاب حسين لخطبة “الإباء” الحسينيّة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى