(النص الكامل) كلمة السيّد السندي ليلة السّبت: ولاية الله والطاغوت.. عيدالشهداء.. التطبيع الصهيوني
- نصّ كلمة سماحة السيّد مرتضى السندي ليلة السّبت، 7 ديسمبر 2018م، ضمن البرنامج الإيماني الأسبوعي.
أعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في كتابه الكريم (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[1]
العقيدة لا يمكن أن يُكره عليها الإنسان، العقيدة أمرٌ قلبي، الأمور التي من الممكن أن يُكره ويُجبر عليها الإنسان هي الأمور الخارجية الظاهرية كسلوك وحركة الإنسان ولكن عقيدة الإنسان هي مسألة قلبية، لذلك لا يمكن أن يُكره إنسان على عقيدةٍ معينة كما يقول تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[2] فبعض المفسرين يقولون لا ينبغي أن نجبر الآخرين على عقيدة التوحيد ولكن بعض المفسرين الآخرين يذكرون بأن المسألة ليست بهذا النحو بل هي تأكيد لقضية حقيقية وهذه الحقيقة هي أن الأمور العقائدية أمور متعلقة بالقلب وهذه الأمور المتعلقة بالقلب لا يمكن إجبار الناس عليها وإنما يمكن إقناع الناس بها، لذلك قال (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)[3]، فنحن ممكن أن نقنع الناس بفكرة معينة ويؤمنون بها وتستقر قلوبهم عليها ولكن لا يمكن أن نجبر إنسان تحت التهديد والتعذيب والإرهاب بهذه العقيدة.
ولاية الله وولاية الطاغوت هي عقيدة، نحن إذا آمنا بولاية الله سبحانه وتعالى فعلينا بتبيين وإقناع وتوضيح هذه العقيدة بخلاف لو أردنا أن نجبر إنسان على عقيدة التوحيد، لا يمكن إجبار الناس على عقيدة معينة، نعم يمكن أن نهيأ الظروف الخارجية التي تجيّر الناس باتجاه عقيدة معينة.
جهل الناس يكون مانعاً للوصول إلى الحقيقة وهي التوحيد، لذلك قال (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا)[4].
لماذا قدّمَ الله سبحانه وتعالى الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله؟
لا بدّ أن ننزع الكفر والإيمان بالطاغوت ليحل محله الإيمان بالله سبحانه وتعالى، الإيمان بالله وبالطاغوت لا يجتمعان في قلبٍ واحد لأن الإيمان بالطاغوت يعني اتباع الطاغوت.
ما هو الطاغوت؟ الطاغوت هو الطغيان وهي الزيادة عن الحد في الظلم والتعدي لذلك قالوا بأن الطاغوت ورد في القرآن بعدة معاني، من ضمن المعاني التي وردت في القرآن هي الحكام الظلمة الذين زادوا في طغيانهم عن الحد فادعوْا الألوهية، هذا يسمى بالطاغوت كما هو حال فرعون عندما قال (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ)[5] كما في آية أخرى عندما قال (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي)[6] فهذا زيادة عن الحد في الطغيان لذلك سميّ بالطاغوت، كذلك الحكام الظلمة المتجبرين.
عندما تتعارض طاعة الله سبحانه وتعالى مع طاعة الحاكم والطاغية أو الحاكم يريد أن يفعّل إرادته ويريد من الناس أن يطيعوه في قِبال طاعة الله سبحانه وتعالى يسمى طاغوت لأنه زاد عن الحد في الطغيان، ولكن عندما نأتي إلى ولاية الله التي هي طاعة الله والتصديق بالله وحب الله، لذلك عندما نأتي إلى معاني ولاية الله نجد بأن هناك عدة معاني؛ الأولى الطاعة وغيرها الاتباع والحب.
هناك بحث مفصل في عيد الغدير، ما معنى «من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه»؟ السنّة فسروه بأنه من يحبني فليحب علي، لا معنى لمحبة علي (ع) في هذا المورد والمقام بل قالوا بأنه معنى الطاعة والاتباع، أيضاً في هذه الآيات ( فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا)[7] ماذا يفعل الله سبحانه وتعالى بالذين آمنوا؟ (يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ)[8] ما هي هذه الظلمات؟ هي ظلمة الجهل والاستبداد والحرمان والعبودية لغير الله سبحانه وتعالى، الله سبحانه وتعالى يحررنا من أسر العبودية لغير الله سبحانه وتعالى ويدخلنا في نور العلم، إذا الإنسان عَلِمَ يخرج من دائرة الظلمات ويدخل في دائرة النور.
أيضاً عندنا آية أخرى تتحدث عن ولاية الله سبحانه وتعالى وتقول بأن هذه الولاية التي هي لله سبحانه وتعالى تسري لغير الله كما في قوله تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[9]، هذه الولاية التي تسري من الله سبحانه وتعالى إلى رسوله وإلى الذين آمنوا، في البحث العقائدي هم يستشهدون بهذه الولاية لولاية أمير المؤمنين (ع) وهي قصة أمير المؤمنين (ع) عندما تصدّق بخاتمه أثناء الصلاة وهذا هو سبب نزول هذه الآية ولكن هل تنحصر الولاية فقط في أمير المؤمنين (ع) أم تسري في من ينطبق عليهم بأنهم مؤمنين ويقيمون الصلاة ويأتون الزكاة؟ إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هما إقامة شريعة الله سبحانه وتعالى، إذاً ولاية الله تمتد إلى النبي الأكرم (ص) وإلى من يقيم شريعة الله في الأرض، والله سبحانه وتعالى عندما يطلب أن نتبع الولي بمعنى أن نطيع ونتبع ونتبرأ من ولاية الطاغوت.
في آيةٍ أخرى يقول الله سبحانه وتعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ)[10] الحب بمعنى الولاية وهي ليست فقط نبضات القلب، (فَاتَّبِعُونِي)[11] الثمرة الحقيقية للولاية والمحبة هي الاتباع (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[12] هذا هو الخروج من الظلمات إلى النور وهو غفران الذنب عن الإنسان وإخراجه من ساحة الجهل إلى ساحة العلم ومن عبادة الطاغوت إلى عبادة الله ومن أسر الدنيا إلى رحاب الله والعيش في رغدٍ مع الله سبحانه وتعالى لذلك نحن اليوم عندما نريد أن نطبق هذه المفاهيم فعلينا أن نحدد أين موقعنا؟
عيد الشّهداء
نحن على أعتاب عيد الشهداء، الشهداء أولياء لله أو للطاغوت؟ الشهداء قدموا أرواحهم وأنفسهم وأغلى ما يملكون من أجل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، لذلك الولاية للشهداء هي من الولاية لله سبحانه وتعالى والولاية للشهداء هي باتباع مسيرتهم والاقتفاء بأثرهم ورفع مظلوميتهم والمطالبة بحقهم، هذا جزء ومصداق من ولاية الله سبحانه وتعالى.
التطبيع الخليفي الصهيوني
بالأمس واليوم أيضاً كان هناك تصريحات لوزير الخارجية الخليفي حيث كان يتكلم عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأن حزب الله هو الذي يجلب المشاكل إلى لبنان. ليست هي الحادثة الأولى بل الآن إذا تابعنا التصريحات في هذه الفترة يتأكد لنا ارتماء آل خليفة في أحضان الطاغوت والاستكبار العالمي، لذلك نحن نجد أن بالأمس كانت الولاية للطاغوت مسألة خفية لكن اليوم بدأت تتحول إلى مسألة علنية.
قبل أيام في أسبوع الوحدة الإسلامية كانت هناك كلمة للسيد القائد الخامنئي ووجه كلامه إلى حكام السعودية، قال لهم: «اخرجوا من ولاية أمريكا وادخلوا إلى ولاية الله». باعتبار أن أمريكا هي المصداق الأكبر للطاغوت وللطغيان والاستبداد.
اليوم نحن نرى بأن هناك ولايتين:
- الولاية لله: هي الانضمام إلى محور المقاومة ونصرة المستضعفين والمطالبة بإقامة العدل في الأرض ومنها هي إحياء ذكرى الشهداء والمطالبة برفع مظلومية الشهداء وعن عوائل الشهداء حيث يتم اعتقالهم واستدعاءهم وتهديدهم يومياً، نصرة المظلومين هي ولاية لله حقيقة عملية على الأرض.
- ولاية الطاغوت: هي الارتماء في أحضان أمريكا والاندماج في مشاريعهم.
اليوم هناك جبهتين، جبهة ولاية الله وجبهة ولاية الطاغوت وعلينا أن نحدد موقفنا وموقعنا الواضح والصريح في الولاية، كثيرٍ منا يحاول أن يجمع الولايتين لأن الانحياز الكامل لولاية الله قد يخسرنا الدنيا وتكون هناك ضريبة دنيوية، الله سبحانه وتعالى يقول في هذه الآيات الكريمة التي ابتدأنا بها حديثنا (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا)[13] الشرط الأول لولاية الله هو الكفر بالطاغوت، يجب أن نُخرج حب الطاغوت من قلوبنا ونتبرأ منه لكي نستطيع أن نحل محله ولاية الله سبحانه وتعالى وحبه وطاعته واتباعه مكان الحب للطاغوت، لذلك لا يمكن ولا يوجد أي مجال بأن نجمع ولاية الطاغوت مع ولاية الله وكل هؤلاء الذين يعتقدون بأنهم سيرضون الله وأمريكا فإنهم واهمون، هذا الحديث لنا كأفراد وجماعات وأحزاب وحركات سياسية، لا يمكن أن نجمع ولاية الله وولاية الطاغوت ويجب أن نحدد موقعنا بشكلٍ واضح في الولاية؛ إما أن نوالي أو أن نوالي الطاغوت، مسألة الجمع بين الولايتين مسألة مُحالة وغير متصورة وغير ممكنة.
واستغفر الله لي ولكم
والحمدلله رب العالمين
[1]– البقرة: 256-257
[2]– البقرة: 256
[3]– نفس المصدر
[4]– نفس المصدر
[5]– النازعات: 24
[6]– القصص: 38
[7]– البقرة: 256-257
[8]– نفس المصدر
[9]– المائدة: 55
[10]– آل عمران: 31
[11]– نفس المصدر
[12]– نفس المصدر
[13]– البقرة: 256