نص كلمة الشيخ أحمد نوار في حفل تأبين شهداء الفجر
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا وحبيب قلوبنا وقائد مسيرتنا أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين وعجل فرجهم ياكريم..
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي..
قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه ومنيف خطابه،،
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)
نعيد الاستفادة من هذه الآيات نحاول أن نستفيد بعض الاستفادات من هذه الآيات، والإيحاءات من هذه الآيات والآيات التي بعدها لنصل إلى شهداء الفجر الذين نحييّ ذكراهم، وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ
في أعقاب معركة بدر أو أحد خرجت مجموعة من المثبطين الذين جاؤوا إلى المسلمين ليثبطوهم بأن هناك مجموعة قتلوا في المعركة، وأن قريش جائت بالعدة والعتاد، وأنتم جرحى وسقطت منكم الموتى، فبدأوا يقولون أنه سقطت الموتى..
الله سبحانه وتعالى يؤسس إلى مفهومٍ قرآنيٍ ليغرسه في وجدان المؤمنين.
أن هؤلاء الذين يسقطون في هذا السبيل، أن هؤلاء الذين يسقطون في هذا الطريق، أن هؤلاء الذين يسقطون على هذا الخط، أن هؤلاء الذين يسقطون على هذا الدرب، ليسوا بأموات إنما هم أحياءٌ، هذه الحياة التي ربما نغفل عنها، كل الذين يموتون تنفصل أرواحهم عن أجسادهم، وتبلى أجسادهم لكن تبقى روحهم أبدية.
حقيقة هذا الإنسان ليست في هذا الجسد، حقيقةُ الإنسان بروحه، لو كانت حقيقة الإنسان ووزن الإنسان بجسده، فاعذروني على هذا المثال.. لكان الفيل أعظم من الإنسان ووزنه أكثر من وزن هذا الجسد، لكن حقيقة الإنسان بروحه الخالدة، لذلك حتى لو بلي هذا الجسد تبقى هذه الروح خالدة.
الله سبحانه وتعالى يقول أن هؤلاء الموتى الذين تعتقدون أنهم موتى وانتهوا وانقطعوا هم أحياء لأن روحهم خالدة.
إذا كان الميت العادي روحه باقية، فإن الشهيد، وحياة الشهيد لها خصائص ومزايا أكثر.
لماذا سميّ الشهيدُ شهيداً؟ أحد أوجه تسمية الشهيد بالشهيد لأنه شاهد يشهد على أمته، إذا أيها الأخوة أيها الأحبة الشهيد حيٌ، ولهُ مزايا إضافية لذلك قالت الآية القرآنية عِندَ رَبِّهِمْ.
هنا تبدأ الآية ببيان بعض مقامات هؤلاء الشهداء، دعونا نتلمس بعض مقاماتهم.
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًاۚ بَلْ أَحْيَاءٌ، أين حياتهم؟ أين مقامهم؟
أحياءُ عند ربهم، مقام القرب من الله سبحانه وتعالى،، يرزقون.
هذا مقام استيحاء لهذه الآيات القرآنية لنعرف مكانة هؤلاء الشهداء، هؤلاء حتى بعد موتهم الله يقول عنهم أنهم يرزقون. ماهو هذا الرزق؟ لانعرف طبيعته، ولكن نعرف أنهم يرزقون من الله سبحانه وتعالى. أيضاً { فرحين بما آتاهم الله من فضله } يعيشون حالة الفرح، لأن الله حتى بعد موتهم يؤتيهم من فضله.
أيضاً تقول الآيات القرآنية، وهذه الآيات نكررها في ذكرى كُلِ شهيد، لكن واقعاً إذا نتأمل فيها نشعر بشيء من مقامات هؤلاء الشهداء، { ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، ألا خوفٌ عليهم ولاهم يحزنون }، يدركون أن حالة الجهاد، وإن تركوا هذه الحياة يدركون، يستبشرون، يعيشون البشرى أن حالة الجهاد والمجاهدين باقية، مستمرة لم تسقط، { ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوفٌ عليهم ولاهم يحزنون يستبشرون بنعمةِ من الله وفضلٍ وأن الله لايضيعُ أجر المؤمنين }، واقعاً الآيات لا أُريد أن أتكلم فيها كثيراً تأملوا فيها أيها الأحبة { يستبشرون بنعمةٍ من الله وفضل وأن الله لايضيعُ أجر المؤمنين } الله لايضيع أجر المؤمنين وبالذات هؤلاء الشهداء الذين قدموا أعز مايملكون قدموا دمائهم، قدموا حياتهم من أجل بقاء هذا الخط، وهذا الدرب، وهذه القيم، وهذه المبادئ.
لذلك يقول الله سبحانه وتعالى في وصفهم، انظروا { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح } هم يتألمون، هؤلاء الشهداء { أصابهم القرح }، لكنهم يجدون أن التكليف الإلهي مقدم على كل شيء، الإستجابة إلى التكليف الإلهي، تكاليف الله تكاليف الرسول مقدمة على كُلِ الآلام مقدمة على كُلِ شيئ { الذين استجابوا لله والرسول من بعدِ ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجرٌ عظيم } .
نرجع..المفسرون يقولون في أعقابِ غزوةِ أُحد، عندما هُزم المسلمون، وتحركوا إلى منطقةِ تسمى حمراء الأسد، وتمركزوا هناك، أراد المشركين أن يهجموا على المسلمين، المسلمون مثقلون بالجراحات، المسلمون لاتوجد عائلة إلا وتوجد بها شهيد، هنا بدأ المنافقون يبثون تلك السموم، يخوفون المسلمين، لذلك هنا الآيات القرآنية تُخلّد هذه الحادثة، وتقول (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ) هذه قريش آتية بعدتها وعتادها فاخشوهم، خافو أنتم لا تستطيعون أن تواجههوهم، العين لاتقاوم المخرز، انسحبوا، تراجعوا، تقهقروا، لكن ماكان رد هؤلاء المؤمنين؟ الثابتين، الصابرين؟ { فزادهم إيمانا } كل هذا الكلام كل هذا التشويش كل هذه العراقيل ليس فقط لم يعيروها أيّ اهتمام، لا، أكثر من هذا،، هذا التشويش زاد المؤمنين إيمانا، زاد المؤمنين ثباتاً على هذا الخط { فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } هم لايعتمدون لا على مجتمعِ دوليّ، ولا على منظماتِ حقوقية، ولا على الفئة الفلانية، هم يتوكلون على الله سبحانه وتعالى وحسب. لذلك هذا هو منطقهم، هذا هو إيمانهم فقالوا { حسبنا الله ونعم الوكيل }…..
حتى يقول سبحانه وتعالى { إنما ذلكم الشيطان يخوف أوليائه فلاتخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين }. هذا هو المنطق القرآنيّ، هذه هيّ التربية الإيمانية يقول الله هذا التخويف، هذا التثبيط، هذه العرقلة هي من تسويلات الشيطان { إنما ذلكم الشيطان يخوّف أوليائه }، لكن المؤمنين لا يعيرون لهذه التسويلات أيّ التفات.
مِن هؤلاء المؤمنين الذين صبروا، وثبتوا، هؤلاء الشهداء الثلاثة الذين نحييّ ذكراهم، شهداء الفجر، هؤلاء واقعاً مثلوا أقصى درجات الثبات، أقصى درجات الإرادة رغم سنهم الصغير، واقعاً أنا شخصياً أخجل عندما أراهم أو أسمع كلماتهم أو أرى مواقفهم. ثبتوا إلى آخر اللحظات. ينقل أنه عندما نقل لهم خبر أنهم سيعدمون -وللأسف أنه كان هنالك عمامة من العمامات المرتبطة بهذا النظام، تنقل لهم خبر أنهم سيعدمون- ابتسموا. ابتسموا لأنهم يدركون هذه الشهادة.
النظام عندما أراد أن يعدم هؤلاء الشهداء، أراد بإعدام هؤلاء الشهداء، أراد أن يحقق بعض المكاسب، أراد أن يزرع خوفاً، ويبث رعباً في أوساط الجماهير في أوساط الناس في أوساط الشباب في أوساط المقاومين، أراد بهذا الإعدام أن يعيد شيئاً من هيبته التي أسقطها هؤلاء الثوّار منذ بداية ثوّرة 14 فبراير إلى الآن، أراد أنّ يعيد من هيبته التي سقطت،لكن هل فعلاً حقق هذا الشيء حقق هذه الأهداف ؟ أقول أيها الأخوة كلا، مطمأنون بأن النظام لم يحقق ولاشيئ بسيط من هذه الأهداف. بل بالعكس بهذا الإعدام، بهذه الرصاصات الثلاث التي اخترقت قلوب كل واحدِ من هؤلاء الشهداء زادت الكراهية في أوساط هذه الجماهير اتجاه هذا النظام. زاد البغض لهذا النظام الطاغي المتسلّط، وأيضاً زادت الطمأنينة عند هذا الشعب، وعند هذه الجماهير، بأن هذا النظام لايمكن أن يستمر.
هذه الكلمة التي قالتها والدة الشهيد مشيمع في اللحظات الأولى لشهادة ابنها واقعاً كلمات تدل على مقدار الطمأنينة، والسكينة التي تعيشها هذه الأم. مارأيتُ إلا جميلا كانت تقول هكذا، عندما نرى هذه الطمأنينة على أمهات الشهداء نتيقين بأنّ أمهات هذا الشعب ستلدُ المقاومين تلو المقاومين، ولن يستطيع هذا النظام أن يوقف حالة المقاومة.
هنا مثال أستذكره وأنا كنت أقرأ في هذه الأيام لبعض مواقف أحد هؤلاء الشهداء، ونحن في ذكرى الشهداء وهو الشهيد فخراوي. كان الشهيد فخراوي يقول؛ ونحن في فترة الثمانينات ونحن نوزع المنشورات ضد هذا النظام، فكنا نتخوف من كل شيئ نترهب من كل شيئ، فجاء بمثالِ لطيف؛ يقول كان هناك في فترة الثمانينات كان هناك مصباح متدلي من السقف، وكنا نرى ظلاً كبيراً، وشبحاً كبيراً على الحائط، وكنا نخاف من هذا الشبح، وكنا نخاف من هذا الظل، وكنا نعتقد أنّ هذا الظل من الجان، بعد فترة اكتشفنا أنه ظل نملة على هذا المصباح، الشهيد فخراوي يعلّق ويقول آل خليفة كظل هذه النملة نحن نعتقد أنّ هذا النظام كبيرٌ متجبرٌ لايمكن هزيمته، لكنه بالحقيقة كظل هذه النملة. هؤلاء الشهداء يدركون حقيقة هذا النظام.
ختاماً أيها الأخوة أقول.. إذا أراد النظام بهذه الإعدامات أو مثلها أن يقضي على حالة المقاومة عند هذا الشعب، فنقول له إن نُطَف هذا الشعب متغلّغلةٌ في تراب هذا الوطن، وسوف تنبتُ جيلاً مقاوماً تلو الجيل الآخر، ولن يستطيع أن يوقف حالة المقاومة. سوف تستمر حالة المقاومة حتى يسقط هذا النظام الطاغي لتقام دولة العدل الإلهية، وإذا لم يسقط فإنّ هذا الجيل المقاوم سوف ينقل ثقافة المقاومة ويسلّمها للجيل الذي بعده، والجيل الذي بعده إلى أن يظهر ذلك الرجل اللذي يملئُ الأرض قسطاً وعدلا ذلك الإمام الذي تنتظره كل الملايين وكل المستضعفين الإمام الحجة المهدي ابن الحسن روحي له الفداء “عجل الله تعالى فرجه الشريف”.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين