كلمة سماحة السيد مرتضى السندي في تأبين المؤمن
أعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين والصلاة على محمدٍ وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
رحم الله من قرأ سورة الفاتحة وأهدى ثوابها إلى شهداء الخميس الدامي وشهداء الإسلام..
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)
مسألة الصدق ليست مسألة ارتجالية ووليدة اللحظة، ولا تحصل إلا من خلال عملٍ وتربيةٍ دائمة، وعمل شاق وطويل في بناء النفس ، حتى تنصقل هذه النفس وتكون قادرة على تسجيل المواقف الشجاعة ومواقف العطاء والبذل في سبيل الله سبحانه وتعالى.
الصدق في الحديث يختلف عن الصدق في المواقف؛ الصدق في الحديث قد لا يكلف الإنسان شيئاً في حياته وأهله وماله ونفسه، ولكن الصدق في المواقف قد يكلّف الإنسان حياته وحريته وماله وأصدقائه، وقد يكلفه مما يحب الشيء الكثير، لذلك نحن نرى على طوال التاريخ البشري بأن الذين يصدقون في مواقفهم هم قلة قليلة؛ عندما نتطلع إلى كربلاء؛ القافلة التي خرجت مع الإمام الحسين من مكة المكرمة متجهة إلى كربلاء ابتدأت بثلاثة آلاف شخص، ولكن كلما اقتربوا إلى كربلاء تناقص العدد ووصل إلى ٧٢ شخص، كلنا يدّعي أنه صادقٌ في مواقفه وأنه مستعدٌ للتضحية ولكن مسألة التضحية والصدق في الشدائد والملّمات أمرٌ في غاية الصعوبة وهذا الأمر يتطلب منّا أن نعمل من الآن في أوقات الرخاء إلى تلك الساعة الذي يتطلب منا موقفاً صادقاً ، ونقدّم فيه ما يعزّ علينا من الروح والحرية والجرح وكل غالٍ ونفيسٍ في سبيل الله سبحانه وتعالى، لذلك مسألة هذه المواقف العسيرة والصعبة والشديدة عادةً ما تمثل اختبار للإنسان نفسه؛ كثيرٌ من الأخوة يقولون بأننا اكتشفنا أنفسنا في هذه المواقف، ليس دائماً الإنسان يكذب؛ لا، قد يكون لم تنكشف له نفسه؛ هو يظن أنه في وقت الشدة والصعوبة ممكن له أن يصبر ويصمد ويقدم نفسه ولكن حينما تأتي لحظة الاختبار والامتحان فكثير من الناس تتكشف لهم حقائق أنفسهم بأنهم لا يمكنهم أن يصمدوا ويصبروا ويضحوا ويقدموا أنفسهم في سبيل الله عز وجل، لذلك ينبغي علينا نحن أن نسعى لإعداد وتربية وبناء أنفسنا روحياً وفكرياً وعقائدياً ومعنوياً لكي نكون في تلك اللحظة التي تتطلب منا موقف الصدق مع الله سبحانه وتعالى بأن لا نولي الأدبار، ولا نفر من المواجهة والموت ، ويكون لدينا القدرة على المواجهة وقول كلمة الحق حتى لو كلفتنا أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأحبتنا.
الشهيد علي المؤمن تميز في أنه أعد نفسه قبل حصول الحادثة وقبل الاختبار، وتميز الشهيد علي المؤمن بأربع خصال:
١- الوعي والبصيرة السياسية:
من عجائب هذا الشاب المؤمن أنه كان يقول «نخرج هنا – يقصد البحرين – وعيوننا على القدس»، فلم يقتصر همه ووعيه السياسي على قضايا البحرين الداخلية والمحلية، البعض من فاقدي البصيرة وفي خضام الشعور بالطائفية قد يسب فلسطين قضية فلسطين والفلسطينيين، و كأن قضية فلسطين محصورة على طائفة معينة؛ لا، قضية فلسطين والقدس هي مقدّس من مقدسات الإسلام، لذلك واجب على المسلمين جميعاً أن يدافعوا عن قضية القدس، و حتى لو أن أهل القدس تخلوا عن القدس، لا يعني ذلك أنه قد سقط التكليف عنا نحن بقية المسلمين، بل يجب علينا أن نسعى لنحرر تلك الأرض، وندافع عن المسلمين في تلك الأرض ، ونطرد المحتلين والغزاة من تلك الأرض.
الأمور التي كان دائماً يتابعها الشهيد المؤمن ويسأل نفسه هي: ما هو تكليفي الشرعي؟ ما هي مسؤوليتي؟ لذلك نجد أن الشهيد يوم الرابع عشر من فبراير قد ارتدى كفنه ، وتقدم الصفوف ، وقد نقل لي أحد الذين كانوا معه لحظة استشهاده، وقال “كان يمسك بيدي، ويمسك بأيدينا ونحن نتقدم في اتجاه قوات المرتزقة، وكان يرفع من معنوياتنا ويشجعنا، و يتكلم بكلمات أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته إلى ابنه محمد بن الحنفية «تد في الأرض قدمك أعر الله جمجمتك» ، وكان يحاول أن يرفع معنويات الشباب الذين كانوا معه، وكان يتقدمهم ويسرع بهم نحو قوات المرتزقة.”
٢- البناء الروحي والمعنوي:
الشهيد المؤمن كان يتميز بكثرة محاسبة النفس، وكان دائماً يسعى لمحاسبة نفسه حتى أنه قد وضع جدول وفيه برنامجاً لمحاسبة النفس، وكان قد وضع له برنامجاً عملياً بحيث أن في هذا الوقت أصلي صلاة الليل، وفي هذا الوقت أشارك في الدعاء، وفي هذا الوقت أقرأ هذا الكتاب، وكان يهمه كثيراً بأن يبني نفسه روحياً لكي يستطيع في لحظة الشدة والملمة والصعاب أن يكون صادقاً مع الله سبحانه وتعالى ، ويقدم نفسه قرباناً في سبيل الله، ومن الأمور التي كان يفكر فيها دوماً، ويتحدث فيها مع أقرانه هي «كيف يمكنني أن أكون ناصراً للإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ كيف يمكن أن أكون من جند الإمام صاحب العصر والزمان؟» هذه مسألة وخواطر وأسئلة عندما يفكر فيها الشاب يرفع من مستواه المعنوي والروحي؛ لذلك هذه هي الخصلة الثانية التي كان يتميز بها الشهيد علي المؤمن.
٣- البناء الفكري والثقافي:
أنا دخلت بيت الشهيد علي المؤمن، وجلست مع عائلته ووجدت مجموعة من الكتب موجودة في غرفة الضيافة والمجلس فسألتهم لمن هذه الكتب؟ قالوا “كل هذه الكتب إلى الشهيد علي المؤمن”، تصفحت الكتب ووجدت بأنه كان يحب القراءة، ولديه شغف كبير للقراءة، بل كان لديه برنامج خاص يومي في القراءة والبناء الفكري والثقافي بالنسبة إليه.
٤- البناء الأكاديمي:
الشهيد علي المؤمن كان يدرس في قسم الهندسة في جامعة البحرين، وقد رافقني بعض أقرانه في السجن من الذين كانوا يدرسون معه في الجامعة، وكانوا يتحدثون بأن الشهيد علي المؤمن كان مجداً في دراسته ومتميزاً من بين أقرانه في تحصيله العلمي ودراسته الأكاديمية، ونحن اليوم أمام تحديات كبيرة جداً، والتحديات التي يمر بها أبناء الشعب البحريني تتطلب أن يكون لدينا شباب يحملون من الوعي والبصيرة والمعنويات والروحية والثقافة كما كان للشهيد علي المؤمن، ونحتاج إلى شباب يحملون الشهادات الأكاديمية، وشباب يحملون روحية ومعنوية عالية جداً ليستطيعوا أن يتغلبوا على كل المخططات والمغريات التي تقوم بها السلطات الخليفية وأعوانهم في البحرين.
أنا أتكلم عن حس ومعلوماتٍ دقيقة بأن هناك مخططات كبيرة لإفساد شباب البحرين، واستهداف مباشر وخاص للطائفة الشيعية في البحرين، وهناك ترويج للمخدرات بشكل كبير وواسع بين أوساط الشباب، وهناك دفع في اتجاه الإباحية الجنسية، وتشجيع ومساهمة في نشر الرذيلة والفساد الأخلاقي في أوساط المجتمع الشبابي، وهذا يتطلب منا نهضة ويقضة ووعي لفهم خطط الأعداء، لماذا هم يريدون أن يفرغوا معنوياتنا وروحياتنا؟ لأن الإنسان الذي يتفرغ من روحه ومعنوياته لا يمكن أن يصمد أمام التحديات؛ أصلاً لا يكترث بالتحديات والتهديدات ولا يعطي الهموم السياسية والاجتماعية وقضايا الأمة اي اهتمام؛ ويكون كل همه هو شهواته وغرائزه وكيف يسعد نفسه في هذه المغريات والمفسدات.
لذلك أنا أتوجه إلى كل الشباب الثائر في البحرين بأن يربوا أنفسهم ويجدّوا في دراستهم، ويحصلوا على الشهادات الأكاديمية وعلى أعلى مراتب الدراسات في الجامعة.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
نحن اليوم في المرحلة الأولى (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) ماذا فعل الله بنا؟ أول شيء آوانا وأبعد عنا أيدي الظالمين وجعلنا نعيش في مرحلة الأمن والأمان، ورفع أيدي وسلطة الظالمين عنا، المرحلة الثانية وهذه سنة تاريخية ووعدٌ إلهي حتمي، إني أراه أمام عيني كما أراكم؛ الله سبحانه وتعالى إذا رآى منا الصدق والصبر والإخلاص سينزل علينا النصر في القريب العاجل، نحن في ذلك الوقت الذي نكون فيه أمام المسؤولية والتحدي فينزل الله سبحانه وتعالى نصره علينا؛ ماذا يمكن أن نفعل ونحن لم نستعد لتلك اللحظة؟ إذا الآن أنزل الله نصره علينا ماذا نفعل؟ بماذا نقيم الدولة؟ بماذا ندير أنفسنا وشؤوننا؟ لذلك من الضروري جداً بأن تكون لدينا كفاءات وقيادات وحملة الشهادات والدراسات العليا ومخلصين مجاهدين واعين ممن يمتلكون الوعي والبصيرة لقيادة المرحلة القادمة، كل التحديات التي نواجهها الآن ما هي إلا موج، سوف تتعدى هذه المرحلة ونصل إلى ذلك الوقت الذي يقول فيه الله سبحانه وتعالى (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً ، وَ نَراهُ قَرِيباً).
كل ما يجري اليوم هي بشارات رعب وخوف لدى قوى الاستكبار، وهذه كله ليس من عملنا وإنما من عمل الله سبحانه وتعالى، لأنه هو الذي يلقي في قلوب الذين كفروا الرعب، وهذا تسديد من قبل الله، فنحن لم نفعل شيء، وكل ما يفعل من قبل الله؛ ملجئنا الله والنصر من عند الله (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ) (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ)
رحم الله من أعاد سورة الفاتحة لأرواح الشهداء تسبقها الصلاة على محمد وآل محمد.