بحث لسماحة الشيخ أحمد نوار تحت عنوان “قيمة العاطفة والبكاء” – “1 محرم 1441هـ”
سؤال البحث:
- ما هي قيمة العاطفة؟ ما هي فائدتها؟ ما هو أثر العاطفة للبشرية وللإنسان؟
- لماذا تركزون أنتم أيها الشيعة في عملية احياء أمر أهل البيت على العاطفة والبكاء والنحيب والتفجع؟
- أليس الأجدر بكم أن تُبرزوا وتحيوا مبادئ الامام الحسين وأهداف الامام الحسين وقيم أهل البيت بدل إبراز الجانب العاطفي؟
مقدمة:
لنفس الإنسان قوى متعددة: القوة العقلية، القوة الغضبية، القوة الشهوية، القوة الوهمية.
هذه القوى قوى متعددة للنفس البشرية ولنفس الإنسان، وكل قوة من هذه القوى لها فائدة وحكمة وغاية وهدف وليست عبثية.
فالقوة الغضبية مثلا تجعل الإنسان وتدفعه لأن يدافع عن نفسه وماله وعرضه….
والقوة الشهوية تدفع الإنسان لإشباع حاجاته من البطن والفرج فينحفظ النسل البشري…
[ والقوة الواهمة تساهم في درأ الأخطار المحتملة والحدس والتخطيط للمستقبل…]
أما القوة العقلية فهي القوة المهيمنة التي ينبغي أن تسيطر على بقية القوى وتنظمها….
قيمة العاطفة:
نرجع الآن لسؤال البحث حول: قيمة العاطفة، وما هي أهميتها؟ ولماذا هذا التركيز على النحيب والتفجع والبكاء؟
وفي الاجابة على هذا السؤال يمكن أن نتحدث من زاويتين:
(بعد أن نفرغ من وجود زاوية وبعد تعبدي من خلال الروايات): منها ما عن الامام الصادق(ع) “من بكى أو تباكى على الحسين وجبت له الجنة”
الزاوية الأولى: الزاوية الفردية داخل المجتمع الشيعي:
وفي هذه الزاوية نتحدث عن مستويين:
الأول: الإفراغ الوجداني: حيث تشكل حالة البكاء والعاطفة أعلى مستوى من مستويات الإفراغ الوجداني الذي يساهم في توازن الشخصية الإنسانية كما يؤكد على ذلك بعض علماء النفس، بل ان بعض المدارس النفسية تلجأ لعلاج بعض الأمراض النفسية بالبكاء.
الثاني: دافع للسلوك: حيث تشكل العاطفة دافعا للسلوك ومحركات من محركات الانسان نحو الفعل أو الترك، فليس العقل وحده كاف –في كثير من الأحيان- لتحريك الانسان لما ينبغي أن يُفعل أو لجمه عما ينبغي أن يترك.
الزاوية الثانية: في إبراز قضية الامام الحسين للآخرين:
فهل نحتاج للعاطفة أيضا في إبراز قضايانا للآخرين؟
أيضا أرى أننا بحاجة للعاطفة المتزنة في إبراز قضية الامام الحسين وعاشوراء للآخرين أيضا، لأن العاطفة تشكل شكلا من أشكال الإعلام المؤثر.
ولذلك نرى الكثير من المظلومين يثيرون قضاياهم اعلاميا من خلال العاطفة كإقامة الصور المأساوية وغيرها.
ومثاله: في الحروب نجد استخدام واستثمار الآليات الحماسية العاطفية كالأناشيد والقصائد و…، ونجد ذلك منذ العصور الجاهلية من مرافقة لنساء للجند وتصفيقها وشعرها تشجيعا وتحميسا، والى عصرنا الحاضر من استخدام كافة الوسائل الحديثة، وما ذلك كله إلا لأن الإنسان قد يدرك الحقيقة بعقله ولكن تخونه ارادته المهزوزة مثلا فتأتي قيمة الحماس والعاطفة.
وفيما نحن فيه: تشكل العاطفة في إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام أحد أهم المثيرات والمحركات التي تدفع الانسان لمواجهة الظلم والطغيان، ونصرة الحق والايمان…
وهذا ما يقصده الامام الخميني من تأكيده على أننا (نحن أمة البكاء السياسي) أو (نحن بدموعنا نجرف الطواغيت).
في أهمية التوازن بين العقل والعاطفة:
حينما نقول أن للعاطفة قيمة وهدف وأهمية، لا يعني ذلك أننا نلغي العقل، بل لا بد من التوازن واعطاء كل منهما حجمه، وبتعبير أحد العلماء: (فلنعط العاطفة جرعة من العقل لتتوازن، ولنعط العقل جرعة من العاطفة ليرق ويلين).
فكما نحن مأمورون بإثارة العاطفة، فكذلك نحن مأمورون بدرجة أشد وآكد بإثارة القيم والمبادئ وتحكيم العقل، فليس مقبولا أن نبكي فقط من دون فهم قيمهم ومبادئهم ونشرها وبثها.