البحرين في إسبوع | من تكدّس البطالة إلى عسكرة الدولة، ومن شعارات التعايش إلى واقع القمع … نظام لا يُصغي، وشعب لن ينكسر

1 يونيو – 7 يونيو 2025

ما تشهده البحرين ليس أزمة معيشية فقط، بل صراع على معنى الدولة وحدود المواطنة. بين نظام يُحكم بالتحالفات الأمنية، ويدير الداخل بمنطق الولاء والطاعة، وشعب يواصل الصمود رغم كل أدوات القمع والتهميش، تتّسع الفجوة وتتعقّد المعادلة.

أولًا: وطن مُهمّش… ومواطَنة مجتزأة

تتعمق الأزمة الداخلية في البحرين مع إصرار النظام على تكريس التمييز الممنهج ضد المواطنين الأصليين، مقابل تمكين المجنسين في مفاصل الدولة، خصوصًا في الأجهزة الأمنية والعسكرية التي باتت أدوات مباشرة لقمع الحراك الشعبي ومراقبة المجتمع.

في مفارقة، يُقصى المواطن البحريني من فرص العمل والسكن، ويُعامل كغريب في وطنه، بينما تُمنح الامتيازات لمن مُنح الجنسية سياسيًا، لا استحقاقًا. هذا الواقع لا يعكس مجرد خلل إداري، بل يُعبّر عن سياسة بناء منظومة الحكم على أساس الولاء السياسي لا الانتماء الوطني، فيما تُستخدم أدوات التجنيس كرافعة لتغيير الهوية الديمغرافية، وتجويف المجتمع من عمقه التاريخي والثقافي.

في موازاة ذلك، تتزايد مؤشرات الانهيار الاقتصادي بين نسب بطالة متصاعدة، خاصة بين الشباب، وتدهور في العدالة الاجتماعية، بينما تمضي الدولة في إصدار السندات والاقتراض الخارجي، ليس لتوفير خدمات أو خلق تنمية، بل لتمويل كُلف سياسية وأمنية ناتجة عن نظام مأزوم يراكم الأزمات بدل حلّها.

ثانيًا: ذريعة التسامح وسياسة التطبيع

مع تصاعد الرفض الشعبي في البحرين، يشهد حضور لسفارة الكيان الصهيوني تراجعًا ملحوظًا، و تُغلق دكاكين التطبيع و “الشراكة” الفاقدة للغطاء الشعبي والشرعي على وقع المقاومة الشعبية، وفي مقابل هذا الانحسار، تواصل السلطة تسويق خطاب “التسامح” من خلال فعاليات إعلامية ودبلوماسية، لا تهدف إلى معالجة الواقع بقدر ما تسعى إلى تحسين الصورة أمام الخارج وتُنهك الخزينة العامة.

مشاريع مثل “دبلوم التعايش” أو الفعاليات المشتركة مع الأمم المتحدة، ليست سوى أدوات علاقات عامة تُوظّف لتجميل واقع يقوم على التمييز الطائفي، وقمع الحريات الدينية، وتضييق على الأغلبية السكانية، التي لا تزال تُمنع من أداء صلاة الجمعة في جامع الإمام الصادق بالدراز، بينما يُستهدف رموزها وعلماؤها بالملاحقة والإقصاء.

إن ما يُقدَّم كـ”تعايش” هو في حقيقته منظومة تبريرية لتحالفات استراتيجية مرفوضة شعبيًا ومُفرغة من أي مضمون أخلاقي أو وطني. فالدولة التي تحتكر الحديث باسم “التسامح”، بينما تواصل قمعها للهوية والانتماء والمعتقد، تُعيد تعريف الانفتاح بوصفه خطابًا ناعمًا يخدم شرعية مُزيفة.

ثالثًا: حرية المعتقلين .. استحقاق لا يقبل المساومة

لا يزال ملف المعتقلين السياسيين يحتل موقعًا مركزيًا في قلب الحراك الوطني، كاشفًا عن عمق الأزمة البنيوية التي تعانيها الدولة في علاقتها بمواطنيها. من الانتهاكات الممنهجة التي طالت القُصّر في سجن الحوض الجاف، إلى ممارسات التعذيب، والحرمان من الحق في التعليم والزيارة، يتضح أن السلطة لا تدير أمنًا عامًا، بل تُعيد إنتاج الخوف كسلاح للسيطرة.

في هذا السياق، اختُتمت المرحلة الأولى من حملة “#حتى_آخر_أسير” بجمع آلاف التواقيع، في رسالة واضحة تؤكد أن الإفراج عن المعتقلين السياسيين لم يعد مطلبًا حقوقيًا فحسب، بل استحقاقًا سياسيًا وأخلاقيًا لا يقبل المساومة ولا التأجيل.

إن هذا الملف لا يمكن عزله عن السياق الأكبر للأزمة الدستورية وفقدان الشرعية، إذ يُجسّد واحدًا من أبرز مظاهر القطيعة بين الدولة والمجتمع. ولا يمكن تسويته عبر إجراءات تجميلية أو وعود مجتزأة، بل عبر مسار عدالة انتقالية شاملة، تبدأ بالإفراج غير المشروط، وتستكمل بجبر الضرر، ومحاسبة المسؤولين، وضمان عدم تكرار الانتهاكات.

رابعًا: السيادة ليست ثمناً .. ولا الشرعية سلعة

في الوقت الذي يُرهَق فيه المواطن البحريني بالتهميش والضيق المعيشي، تنشغل الدولة بتكثيف شراكاتها العسكرية مع الولايات المتحدة، في مشهد يعكس اختلال الأولويات واستبدال الداخل الوطني بالخارج.

الزيارات الأمنية المتبادلة، والاتفاقيات الاستراتيجية، والتمركز العسكري الأمريكي المتزايد في البلاد، لا تُقرأ إلا كجزء من صفقة غير مُعلنة.

فالدولة التي تستورد أمنها، وتحوّل أراضيها إلى قواعد وممرات لعمليات إقليمية، لا تفقد فقط سيادتها الجغرافية، بل تؤجّر قرارها السياسي وتُفرّغ استقلالها من معناه الحقيقي. هذا النوع من التحالفات لا يُنتج استقرارًا مستدامًا، بل يكرّس هشاشة نظام فاقد للشرعية والشعبية، فيستقوي بالوصاية الأمنية الأجنبية لضمان بقائه.

خامسًا: اقتصاد مأزوم ومسرح تفاهة

يتضح من المشهد الاقتصادي أن الدولة تسير في مسار ريعي مأزوم، لا يساهم في معالجة جوهر الأزمات بل التعمية عليها بما يُثقل كاهل المواطنين وبالأخص شريحة الشباب. في موازاة ذلك، يُغلق الفضاء العام أمام النقاش الجاد، وتُملأ الساحة بمحتوى تافه موجه، يُستخدم لتفريغ الوعي وتفتيت الانتباه عن القضايا الجوهرية.

زر الذهاب إلى الأعلى