البحرين في أسبوع: النظام مستمر في إعادة إنتاج أزمته ونخر جسده اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا

النشرة الأسبوعية ( من 10 مايو – 16 مايو 2025)
في مشهد يتّسع فيه التصدع بين السلطة والشعب، لا تزال البحرين تدور في حلقة مفرغة من القمع والتهميش والإنكار، إذ تؤكد الوقائع السياسية والميدانية خلال الأيام الماضية أن النظام مستمر في إعادة إنتاج أزمته، ونخر جسد اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا بدل الإنصياع للإرادة الشعبية التي تضع الشعب في موقع القرار.
حراك شعبي مستمر
ما تشهده البلدات من احتجاجات واعتصامات وتحركات رمزية وشعبية في قرى العكر والمعامير وبني جمرة إلى سترة وعالي أبن خلالها شعب البحرين إبنه المغترب علي فتيل وعبّر خلالها عن غضبه من استمرار الاعتقالات السياسية، ودعمه الثابت للشعب الفلسطيني، ورفضه العلني للتطبيع، في وقتٍ تحاول فيه السلطة فرض عزلة على المجتمع وقضيته.
هذه التحركات الثورية، بما تحمله من رمزية الصمود وتراكم الوعي، وتُحرج من يراهن على استسلام الشعب، أو على نسيانه للدماء التي سُفكت، والأصوات التي كُتمت.
تهميش ممنهج… وعبث ديمغرافي يهدد الهوية
يتواصل في البحرين مشروع الإقصاء للهوية الأصيلة، عبر سياسات التجنيس غير المبرر، والتهميش الوظيفي المتعمّد، والإقصاء من المؤسسات الحيوية، هذا التوجه الخطير، الذي تم التحذير منه مراراً، لا يهدد بتحويل الشعب الأصيل إلى أقلية في وطنه بحلول عام 2060 فحسب، بل يمثل تفكيكاً متعمداً للنسيج الاجتماعي وتهديداً للاستقرار.
هذا ليس تحذيرًا نظريًا فحسب، بل توصيف دقيق لنتائج سياسة ترى في المواطن عبئًا يجب تطويعه أو استبداله. سياسة تُفرغ الانتماء من معناه، وتحيل الهوية التاريخية إلى بند يُقايض في سوق الولاءات، على حساب المجتمع، والعدالة، والسيادة الوطنية برمتها.
العدالة الاجتماعية غائبة… والسلطة في تحالف دائم مع الفساد
إن منح الأراضي للمتنفذين، ورفض محاسبتهم، كما يظهر جلياً في قضية ساحل دمستان، ليس مجرد حادثة معزولة، بل هو عنوان ثابت لتحالف السلطة مع الفساد.
تتجلى هنا بوضوح صورة نظام يحمي الفاسدين، ويتواطأ بشكل صارخ ضد الأهالي، ثم يزعم تقديم “الإنصاف” عبر حلول بديلة لا تزيد إلا من شرعنة التجاوزات بدلاً من ردعها.
أما تخصيص الأموال الضخمة لممثلي مسرح السلطة، وسط أزمة بطالة وتآكل للطبقة الوسطى، فهو ليس فقط عملية شراء ذمم فاضحة، بل هو دليل قاطع على انعدام الأولويات ، وصورة أخرى من صور غياب العدالة التوزيعية، وفوق كل ذلك، انفصال كارثي للقرار المالي عن واقع الشعب ومعاناته.
القمع الأمني متواصل… وملف الأسرى يتصدر معركة الكرامة
أما في سجون النظام، لا تزال الكرامة محاصرة، والصوت محجورًا، والحق مسجونًا خلف القضبان. فبيانات أسرى سجن جو، واعتصاماتهم المتكررة، ليست مجرد احتجاجات ظرفية، بل صرخة جماعية ضد سياسة ممنهجة تمارس “الإعدام البطيء” بحق المعتقلين، جسديًا ونفسيًا.
الاعتصامات التي نفذها 14 أسيرًا رفضًا لعزلهم عن باقي زملائهم، والتصعيد اللاحق احتجاجًا على إلغاء زيارات الأسرى المحكومين بالإعدام، تأتي كرد فعل طبيعي على تراجع إدارة السجون عن التزاماتها، وتهربها المستمر من أي اتفاقات تُبنى على الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية.
و حملة “حتى آخر أسير”، بما فيها من زخم شعبي ورسائل للداخل والخارج، هي الصوت النقي الذي يُعيد لهذه المسألة الوطنية معناها الأخلاقي والإنساني. وغياب أي استجابة رسمية، يزيد من قناعة الشارع بأن هذا النظام لا يملك أي نية للإصلاح، بل يسعى لإطالة أمد الأزمة بوسائل أمنية منهكة وفاقدة للشرعية.
تأمين الممرات المائية أم الإحتلال !
استضافت القوات البحرية المشتركة في البحرين مؤتمر الأمن البحري 2025 بمشاركة ممثلين من 46 دولة، لا يمكن فصلها عن موقع النظام البحريني في المشروع الصهيو-أمريكي الذي يهدف لترتيب أمن المنطقة وفق أجندة لا تخدم شعوبها، بل تُكرّس الحماية للاحتلال الإسرائيلي، وتستهدف كل صوت مقاوم.
فتحت شعارات فضفاضة مثل “محاربة القرصنة” و”تأمين الممرات البحرية”، تنخرط البحرين اليوم في حرب بحرية ضد محور المقاومة، عبر تقديم أراضيها وموانئها وقواعدها العسكرية كمنصّات لدعم العمليات التي تستهدف الضغط على اليمن، وعرقلة جهوده في كسر الحصار المفروض على غزة، والرد على الجرائم الصهيونية المتواصلة.
استضافة البحرين هذا الحشد العسكري-الدولي، لا تعكس فقط انخراطًا أمنيًا، بل تعبّر عن تحوّل البحرين إلى مقر من مقرات التآمر على قضايا الأمة، وعلى رأسها فلسطين، بما يجعلها شريكًا في معسكر التطبيع والحصار، وهو الأمر الذي يُشعر شعب البحرين بكل طوائفه وأطيافه بمزيد من الخزي والعار.






