البحرين في أسبوع: قبضة أمنية متوجسة وهوية أصيلة مستهدفة (1 مايو – 9 مايو 2025)

النشرة الأسبوعية (1 مايو – 9 مايو 2025)
ما بين تصاعد القبضة الأمنية، والإهمال المنهجي في السجون، والتمييز الطائفي، والانهيار الاقتصادي، والتخبط الأخلاقي في السياسة الخارجية، تُثبت السلطة في البحرين أنها عاجزة عن إدارة الدولة خارج منطق السيطرة، وعاجزة عن رؤية شعبها خارج زاوية التهديد. ما تم رصده هذا الاسبوع يكشف أن البحرين لا تعاني من أزمة قطاعية، بل من أزمة نمط حكم قائم على القمع بدل الإنصات للمطالب المشروعة.
القبضة الأمنية بين منطق الهيمنة وغياب الشرعية
في سلوك متكرر يعكس ضيق الأفق السياسي واتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع، شهد الأسبوع المنصرم حملة أمنية شعواء طالت أكثر من 22 مواطنًا، من بينهم نساء وأطفال، على خلفيات لا تُخرج عن قائمة الاتهامات السياسية المعلّبة: “التحريض”، “التجمهر”، أو حتى التعبير السلمي عبر رفع صورة رموزنا الدينية والوطنية، أو نشر رأي في سياق إصلاحي.
إن هذه الاستراتيجية الأمنية لا تُعبر عن قوة نظام سياسي وإستحكامه، بل ارتباكًا وجوديًا في بنيته، وخوف عميق من المجتمع. المُقلق أن هذه الحملات الأمنية تجري بالتوازي مع استقبال السلطة لشخصيات مصنّفة دوليًا ضمن قوائم الإرهاب، ما يضع البلاد أمام مشهد أخلاقي مقلوب، تُلاحق فيه الخطبة الدينية و الكلمة الحسنة ويُستقبل فيه مُرتكبي جرائم الحرب في سوريا والعراق.
إننا إزاء منظومة أمنية لا تُعنى بإرساء القانون، بل بتكريسه في خدمة الإخضاع، مستندة إلى معادلة خطرة: الدولة التي تخشى صور رموزها الوطنية، وتطارد الآراء، إنما تُدير شؤونها بمنطق الهيمنة لا الحُكم، وبوسائل الخوف لا أدوات الشرعية.
التعذيب الصامت : الإهمال الطبي كمنهج عقابي
في سجون النظام، تتجلى فلسفة العقوبة لا على هيئة حبس، بل في هيئة تفكيك بطيء لإنسانية المعتقل. ما يجري من تدهور صحي للأستاذ حسن مشيمع و الأخ أحمد الغسرة، ليس استثناءً، بل عنوانًا لسياسة منهجية أمنية تستخدم الإهمال الطبي سلاحًا صامتًا وشكل كم أشكال التعذيب المستمر لما بعد المحاكمة.
إن حرمان السجناء من العلاج، و أشعة الشمس كأبسط الحقوق الإنسانية، لا يمكن قراءته كقصور إداري، بل كعقيدة أمنية تسعى لتهشيم إرادة المعارضين من داخل الزنازين، وجعل أجسادهم رهائن لإرادة انتقامية تتغذى على الكراهية السياسية.
وما حملة “حتى آخر أسير” التي أطلقتها هيئة شؤون الأسرى إلا محاولة حية لكسر الصمت المفروض، وإعادة توحيد الصوت المجتمعي حول أولوية الملف الإنساني المعلّق منذ سنوات.
الهوية البحرانية تحت الحصار المؤسسي
يستمر منع صلاة الجمعة في جامع الإمام الصادق (ع) بالدراز، كجزء من سياسة ممنهجة لا تستهدف شعيرة بذاتها، بل تُمارس حصارًا رمزيًا ضد مكوّن ديني بأكمله. في بلد يُفترض فيه بالحد الأدنى أن المساواة دستورية، بات الفضاء الديني الشيعي مقيّدًا بحواجز أمنية واشتراطات بيروقراطية.
رفض بناء المساجد، واستدعاء الخطباء، وتجريم الرموز، وفرض مناهج دراسية تكرّس الإقصاء وتبث الكراهية، ليست مظاهر طائفية عرضية، بل ملامح مشروع إقصائي يتعامل مع المجتمع البحراني بوصفه تهديدًا يجب تحجيمه. إنها سياسة تُعيد تعريف الوطنية بما يتوافق مع مزاج السلطة، لا مع مكونات المجتمع.
لم يعد التحذير من المساس بالهوية مجرد خطاب وجداني أو مطالبة حقوقية، بل تحوّل إلى ضرورة استراتيجية لحفظ التوازن الاجتماعي. العبث بالهوية الأصلية للأغلبية، أو محاولة تذويبها ضمن مشروع فوقي مصطنع، لن يؤدي إلى الانسجام بأي حال من الأحوال، بل إلى تفاقم الاستقطاب، وتهديد الاستقرار.
فالوحدة لا تُفرض بالملاحقة، ولا الولاء يُصنّع بالمراسيم، بل بالعدالة، والاعتراف بحق الشعب في كتابة دستورهم وصياغة عقدهم الاجتماعي بإرادة حرة.
اقتصاد بلا مضمون ووعود فارغة
يتآكل ثقل المواطن البحريني في الاقتصاد الوطني، ليس فقط بفعل البطالة وغلاء المعيشة، بل من خلال سياسات مالية تمنح الامتيازات لغير البحريني، وتقصي المواطن حتى من حقه في الشكوى.
فبينما يُقصى الأطباء البحرينيون من وظائفهم ويُدفع بهم إلى الاستقالة، تُستورد كفاءات أجنبية برواتب مجزية، دون أي اعتبار للعدالة أو الكفاءة أو المصلحة الوطنية.
إن الحديث الحكومي عن “50 ألف وظيفة” لا يتجاوز كونه بروباغندا موسمية، إذ لا يرافقه أي إصلاح حقيقي في قوانين التوظيف أو أولويات الإنفاق. بينما تُصرف الميزانيات على فعاليات شكلية ومشاريع ترويجية، لا تزال فئات واسعة تنتظر حقها في العمل، في الرعاية، وفي الأمان الوظيفي.
الاقتصاد الذي لا يُنتج عدالة، هو اقتصاد يُنتج انفجارًا مؤجلًا. والخطر لا يكمن في العجز المالي وحده، بل في انهيار الثقة الحاصل بين المواطن والدولة، حين يرى أن المال يُدار ضده، لا لأجله.
حرية الصحافة… جريمة في قاموس السلطة
في بلاد بات اسمها قرينًا للأصفاد وكمّ الأفواه، رسمت “مراسلون بلا حدود” باللون الأحمر الداكن صورة لواقع حرية الصحافة، متجاوزة في سوء الحال دولًا ترزح تحت وطأة النزاعات والفوضى كالسودان وليبيا والصومال. لقد أصبحت وسائل الإعلام، التي يُفترض أن تكون عين المجتمع ولسانه، مجرد أبواق صدئة تردد سيمفونية السلطة الواحدة. أما إلغاء عقوبة الحبس، فليس إلا بالونًا يُطلق في الهواء لصرف الأنظار عن حقيقة أن التضييق مستمر، وأن تهمًا مثل “المساس بالمصلحة الوطنية” و”إهانة المؤسسات” و”مكافحة الإرهاب” باتت سيفًا مسلطًا على رقاب كل من يجرؤ على مخالفة السردية الرسمية.
فالقانون الجديد، رغم ترويجه كمظهر إصلاح، لم يُلغِ الترهيب بل أعاد تنظيمه بلغة قانونية، تجرّم الرأي وتُقنن الخوف.
السياسة الخارجية بلا بوصلة… والشرعية تُستبدل بالتحالفات الرمادية
في مشهد يُجسّد التناقض الفجّ بين الخطاب الرسمي وممارسات السلطة، استقبلت البحرين مؤخرًا المدعو أحمد الجولاني، زعيم “هيئة تحرير الشام”، المصنّفة كتنظيم إرهابي، والمعروفة بارتكابها انتهاكات جسيمة.
هذه الزيارة، التي جرت بترتيبات رسمية علنية، ليست مجرد حدث بروتوكولي عابر، بل تمثل ذروة انكشاف السياسة الخارجية البحرينية، التي باتت تُدار خارج إطار السيادة الوطنية، وخارج نطاق الأخلاق السياسية. فكيف لدولة تُضيّق الخناق على مواطنيها بسبب آرائهم، أن تفتح أبوابها لرموز من رموز العنف باسم “الشراكة” أو “الوساطة”؟
إن تبرير هذا اللقاء تحت عنوان “الانخراط الإقليمي” لا يصمد أمام حقيقة أن الشرع ذاته لا تزال يداه ملطختان بدماء المئات من الابرياء في سوريا والعراق.
كما إن استدعاء الإرهاب إلى المائدة الرسمية لا يُحقق استقرارًا، بل يُعمّق عجز الدولة عن بناء شرعيتها من الداخل، ويُرسّخ صورة بلد يُدار وفق تحالفات رمادية، على حساب القيم، وعلى حساب شعبه أولًا.







