البحرين في أسبوع: واجهات مضيئة.. وحقائق مظلمة

في الوقت الذي تواصل فيه السلطة الخليفية إنفاق الملايين على ترويج صورة مزيفة للاستقرار والإصلاح عبر سباقات الخيل ومشاريع الواجهة، يستمر الواقع الداخلي في الانكشاف على نحو يُكذّب الخطاب الرسمي. الأحداث التي شهدها الأسبوع الأخير (من 24 إلى 30 إبريل 2025) تؤكد أن البحرين تعيش على وقع انفصام سياسي واجتماعي متسارع، حيث يُدفن الواقع الحقوقي المرير تحت ركام الروايات الرسمية المعلّبة.
قلاع القمع في البحرين: سجن جو شاهد لا يصمت
من الإضراب الطويل الذي يخوضه الدكتور عبد الجليل السنكيس، وقد بلغ مرحلة الخطر دون استجابة تُذكر، إلى احتجاجات المعتقل أحمد خليل جراء سوء المعاملة والتنكيل، يظل سجن جو المركزي نموذجًا صارخًا على انهيار المعايير الحقوقية في البحرين. هذا السجن، الذي بات رمزًا للقمع المنهجي، لا يشهد فقط انتهاكًا للحقوق الأساسية للمعتقلين، بل يُستخدم كأداة لتكريس سياسات الانتقام السياسي والتمييز الطائفي.
الاستمرار في هذه الانتهاكات، والتعامل معها بصمت رسمي وتجاهل ممنهج، يُجهض كل ادعاء بإصلاح أو تحسّن في الوضع الحقوقي، ويكشف الطابع الاستعراضي للتقارير الحكومية التي تتحدث عن “الالتزام بالقانون”. في المقابل، تظل أصوات المعتقلين والمفرج عنهم تصطدم بجدار من الإنكار واللامبالاة، في مشهد يعكس عمق الأزمة الأخلاقية والمؤسسية التي يعيشها النظام.
التمييز الممنهج… بين تقييد العبادة وهدم التعايش
في سياق يُكرّس سياسات الإقصاء الطائفي، تواصل السلطات البحرينية منع إقامة صلاة الجمعة في جامع الإمام الصادق (ع) بالدراز، في انتهاك صارخ لحق أساسي من حقوق الإنسان التي كفلتها التشريعات السماوي والقوانين الوضعية. هذا الإجراء الذي بات روتينيًا، لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لسياسة رسمية تهدف إلى تقويض الفضاء الديني للطائفة الشيعية، وتجريده من أي بعد جماهيري أو رمزي.
في الوقت ذاته، يكشف تعنّت الجهات المعنية في رفض بناء مسجد جديد للمواطنين الشيعة، رغم استيفاء المتطلبات القانونية والمجتمعية، عن نهج واضح في إدارة الشأن الديني يقوم على المحاباة الطائفية والتضييق الممنهج، ما يعكس رؤية سلطوية ترى في المذهب تهديدًا ينبغي تحجيمه لا منبعاً ورافداً من روافد الهوية في البحرين.
اقتصاد يُدار للخارج… ومواطن خارج المعادلة
في وقت تتفاقم فيه معاناة المواطن بين معدلات بطالة مرتفعة، وتضخم متصاعد، وتأخّر أو انقطاع في الرواتب، يواصل صناع القرار المالي في البحرين تبني سياسات قائمة على التوسع في الاقتراض وإصدار السندات، كما تؤكد تقارير الوكالات الدولية، في محاولة لتسكين أزمة بنيوية عميقة بدلاً من معالجتها.
ما يزيد المشهد الاقتصادي سوءاً هو الاستنزاف المستمر للثروة الوطنية عبر نظام اقتصادي مختل، تُحوَّل بموجبه مليارات الدنانير سنويًا إلى الخارج عبر العمالة الأجنبية، دون أن تُحدث هذه الكتلة المالية أي أثر تنموي ملموس داخل البلاد.
فيما تُفضّل الحكومة تمويل مشاريع ترفيهية وإعلامية عديمة الجدوى الاقتصادية، على حساب برامج الإسكان، ودعم التعليم، وتحفيز التوظيف الوطني. ففي مشهد مؤسف، أقدم طبيب متقاعد على بيع مكتبته لمواجهة أعباء المرض، بينما يُنفق أكثر من نصف مليون دينار على محطة إذاعية أجنبية، في مفارقة تكشف طبيعة أولويات الإنفاق العام.
إن هذا النهج القائم على اقتصاد موجَّه نحو الخارج، يُجرد المواطن البحريني من حقه في الشراكة الاقتصادية والعدالة التوزيعية، ويكرّس نموذجًا ريعيًا لا يمكنه بناء دولة مستقرة أو منتجة.
التطبيع يتقدّم… والمقاومة تُقمع
على وقع المجازر اليومية في فلسطين، تمضي السلطة البحرينية في توسيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني كصفقة لا أخلاقية، يعمّقها وجود شخصيات لا تخفي ولاءها لتل أبيب.
هذا التوجه التطبيعي لا يعكس بأي حال المزاج الشعبي، الذي عبّر بوضوح عن رفضه عبر تظاهرات نددت بالاحتلال وحيّت شهداء فلسطين، بل يجسد سياسة سلطوية توظف العلاقات الخارجية بوصفها أداة لإعادة إنتاج شرعية مهزوزة داخليًا، على حساب ثوابت الأمة وحقوقها التاريخية.
في المقابل، لا يُسمح لصوت المقاومة أن يُرفع داخل البحرين، بل يُلاحق الناشطون المناهضون للتطبيع، وتُقمع المواقف الوطنية التي تعبر عن تضامن صادق مع القضية الفلسطينية، في مفارقة تُدين نظامًا يعادي شعبه ليرضي حليفًا محتلًا.




