البحرين في أسبوع: قمع الداخل.. وتلميع الخارج

في وقت تستمر فيه السلطة في البحرين بتكثيف أدواتها الدعائية وتقديم الدولة بوصفها “نموذجًا للإصلاح والتسامح”، تكشف الوقائع الميدانية، عن فجوة عميقة بين الخطاب الرسمي والحالة الواقعية.

تتجلى هذه الفجوة بوضوح في التناقض الحاد بين التركيز على النشاطات الاستعراضية في الخارج، وبين الإخفاق المزمن في معالجة الملفات الحقوقية، وعلى رأسها ملف المعتقلين السياسيين.

سجون تتسع… وشرعية تضيق

رغم التصريحات المتكررة حول تحسين ظروف الاحتجاز، تفيد المعلومات الواردة من داخل سجن جو ومراكز الاحتجاز الأخرى، أن الانتهاكات مستمرة بل آخذة في التصاعد.

حرمان الأسرى من المياه الصالحة للشرب، تعذيب الأطفال المعتقلين، الإهمال الطبي، والضغط على المعتقلين للقبول بالتجسس مقابل ضمان سلامة عائلاتهم، كلها ممارسات تُنذر بخطورة ما يجري خلف الأسوار.

يواصل الدكتور عبد الجليل السنكيس إضرابه عن الطعام منذ أكثر من 1300 يوم، دون أن تتحرك السلطات لتقديم معالجة حقيقية لحالته، ما يشير إلى افتقاد إرادة الحل، وتفضيل سياسة الإذلال الممنهج.

الأدهى من ذلك أن زيارات شكلية تنفذها مؤسسات رسمية مثل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والأمانة العامة للتظلمات لا تعدو كونها جزءًا من مشروع علاقات عامة، هدفه تلميع السجل الحقوقي في الخارج دون أي انعكاس فعلي على الواقع الداخلي.

تصعيد أمني ممنهج ضد رموز المعارضة والنشطاء

شهد الأسبوع استدعاءات واعتقالات طالت رموزًا وناشطين دون توجيه تهم واضحة، منهم نجل الشهيد نبيل السميع، وعدد من النشطاء والحقوقيين، هذا النمط من الملاحقة المتكررة يؤكد أن الدولة مستمرة في استخدام القبضة الأمنية كأداة وحيدة لإدارة الفضاء السياسي، في تجاهل كامل لأي دعوات للحوار أو الانفراج.

الحراك الشعبي مستمر رغم الحصار الأمني

شهدت بلدات كالعكر وسماهيج والمقشع تظاهرات شعبية رفعت شعارات الحرية، العدالة، والتضامن مع فلسطين.

في مشهد آخر رُفع الأذان مجددًا في موقع مسجد العلويات المهدم، في تأكيد رمزي على استمرار المقاومة الشعبیة رغم الحظر والقمع.

أما المعتقلون السياسيون السابقون، فقد نظموا اعتصامات متواصلة أمام وزارة الإسكان ومجلس النواب، مطالبين بحقوقهم في السكن، وسط صمت حكومي تام. هذه الخطوة تكشف أن ما بعد السجن، ليس تحررًا فعليًا، بل انتقال إلى دائرة جديدة من التهميش والتمييز الانتقامي، فهذه الاحتجاجات ليست مجرد مطالبة بسقف، بل بكسر جدار الانتقام السياسي الممنهج.

الاقتصاد في خدمة السياسة.. والتطبيع في ذروته

تتكدس ملفات البطالة، ويزداد الغضب الشعبي مع الكشف عن أن 48% من السجلات التجارية بيد غير البحرينيين، وأن صندوق التعطل يُستنزف بلا رقابة. وسط ذلك، تنفق الدولة مئات الالاف بلا وجه حق في الخارج.

في بلد يُطلب من مواطن فيه أن “يناشد” لدفع فاتورة كهرباء، يصبح شعار العدالة الاجتماعية مجرد نكتة سوداء.

في المقابل، تستمر الشراكة مع الاحتلال الإسرائيلي في التوسع، إذ تضاعفت صادرات البحرين إلى الكيان خلال العدوان على غزة، في خطوة تؤكد الانفصال بين القرار الرسمي والمزاج الشعبي العام، وتكرّس سياسة التطبيع حتى على حساب الذاكرة الجمعية والالتزامات الأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية.

خلاصة المشهد: دولة تُدار من الخلف وتُسوّق من الواجهة

كل ما ورد في هذا الأسبوع يعكس حقيقة واحدة: أن البحرين لا تمر بأزمة طارئة، بل تعيش في بنية أزمة مستدامة.

قمع الحريات، تسييس القضاء، التمييز الطائفي، وسحق الهوية الوطنية ليست أعراضًا بل مكونات راسخة في النموذج القائم.

أما المشروع الرسمي المسمى “خطة حقوق الإنسان”، فلا يبدو إلا غلافًا خارجيًا لتبييض سجل لا يُغسَل، في وقت تُمنع فيه زيارة المقررين الأمميين، ويُسجن فيه طفل دون محاكمة، ويُضطهد فيه أستاذ جامعي عن الطعام لسنوات بلا استجابة.

ففي ظل تصاعد الاستدعاءات والاعتقالات، من جهاد نبيل السميع إلى السيد جميل كاظم، يبدو واضحًا أن الدولة تعاقب الناس على ذاكرتهم. كل صوت يستدعي الشهداء، يفضح التطبيع، أو يرفض “الذوبان في المشاريع الإقليمية” يُصنَّف خطرًا على الأمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى