مركز الإمام الخميني يختتم سلسلة محاضرات “صفات اليهود في القرآن الكريم”
نظم مركز الإمام الخميني المحاضرة الرابعة والأخيرة حول صفات اليهود في القرآن الكريم مساء الخميس (17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) التي يلقيها أستاذ التفسير وعلوم القرآن سماحة السيد عبدالسلام زين العابدين. بحضور جمع من أبناء الجالية البحرانية في مدينة قم، وجمع من السادة العلماء.
وفي الجلسة الرابعة تطرق السيد عبدالسلام زين العابدين إلى قوله تعالى (ونريد أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ)، حيث قال أن “هناك حتميات تأريخية تحكم هذه الدنيا ولكن الاختلاف جاء في إرجاع هذه الحتميات إذا كانت قضاءً تشريعيا كرأي العلامة الطبطبائي كمثال أو هي قضاءً تكوينياً كرأي تلميذه صاحب التفسير الذي يعتبر أنه قضاءً تكوينياً”.
وأكد بأن السنن التي تجري على الإنسان هي سنن ناجزة تحمل شرطاً ناجزاً والإرادة الحاكمة في هذه الحركة تنقسم إلى إرادة فرعونية تريد أن تذل وتستضعف المؤمنين، وإرادة ربانية وهي إرادة الله عز وجل الرؤوفة بعباده، فهو واقعاً بإمكانه أن يفرض على عباده ما يشاء لكنه أراد أن تكون السنن تداولية (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ )، وفي التأريخ الكثير من الصور الدالة على ذلك فهو صراع بين الحق والباطل، منها ما تعرض له الأنبياء (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)، وبهذا أراد الله للأسباب أن تجري ليعلم الذين آمنوا من الكافرين.
وبين السيد زين العابدين أن الحكمة في التداول هي العلم الرباني أي تحويل القوة إلى الفعل، فإن الله حتماً يعلم أن المؤمن الضعيف سينهزم أو سيخسر كما يعلم بأن الإنسان المؤمن القوي سينتصر، فالمعيار للتميز بينهما يتحدد عندما تقع المحنة والشدة لا قبل وقوعهما. فعندما تأتي المحنة فإن تداول الأيام سيحول القوة في داخل الإنسان إلى صبر فعلي، فالله لا يحاسب على الصبر الذي في قلبه بل في عمله مع الصبر فالعلم هنا هو حجة على الإنسان.
وضرب السيد زين العابدين مثلاً من الأحداث التي في غزة اليوم حيث قال ” كيف يمكننا أن نعلم قبل هذه الحرب أن الشعب الفلسطيني يصبر ويصمد في قلبه، بينما تلى إلينا واضحاً الآن صمود غزة وكيف يستقبلون الشهداء والتنكيل والقصف وهم متحلين بالشجاعة والطمأنينة والإيمان القوي بالإضافة إلى الوعي”.
وأشار إلى أن الوعي مع العلم هنا مهم جداً في النصر والثبات، فالشدة فرزت من بقلبه مرض ومن بقلبه تقوى، والشيء الصحيح بالنسبة للإنسان المؤمن أنه بعد كل شدة وفي كل مشاكله يلتجأ بتوجه صادق إلى الله تعالى أولاً من واقع الثقة به والتوكل عليه.
وذكر سماحة السيد عبدالسلام أن القرآن الكريم عندما عرض لنا الله عز وجل العلاقة التي يجب أن تكون مع اليهود حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، فإن السيد يشرح قول الطباطبائي هنا بأن التعبير القرآني دقيق أن المقصود هنا ليس المنافقين لأن المنافقين هم من وصلوا النفاق الكلي ، بل المقصود أن هؤلاء في طريقهم إلى النفاق لأن الإنسان يولد على الفطرة ليتحول فيما بعد بحسب ما هو عليه.
ووضح السيد علامات النفاق الأساسية عند الإنسان وهي ما ذكرت في حديث للنبي محمد صل الله عليه وآله وسلم (إذا وعد أخلف وإذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان)، ونبه أن الإنسان في طريقه للإيمان له خطوات شيطانية يجب أن يحذر منها كما هو في قوله تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)، وفي قوله: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) يبين كيف تحول نقاط الضعف عند المؤمن إلى نقاط قوة من خلال التجربة وأنه ليس بالضرورة أن تكون التجربة بالسجن والانكسار أو الفقر وغيرها من الابتلاءات ولكم ربما يكون اختبار الخير أشد على الإنسان من اختبار الشر، فعلماء الأخلاق يقولون أن الشكر أصعب من الصبر أي أن الشكر على النعمة أصعب من الصبر على المحنة.
وأكمل بأن إن التمحيص ممكن أن يكون فردياً كما في قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)، أو تمحيصاً جماعياً كما هو حال تساقط الضعفاء من المجتمع الإسلامي والأمة فيبقى بعد الاختبار المؤمنون وهم الثلة الخالصة ويزول الكفر والمنافقون شيئا فشيئا كما يفعل الزلزال بالبناء فيسقط الضعيف ليبقى القوي بحسب شدة تحمله.
وختم السيد زين الدين حديثه حيث قال: “بحسب السياق والتمحيص فإن الإنسان كلما بذل ما بوسعه كلما جاء النصر عظيما بقدره، فإن النصر لا يأتي اعتباطيا دون عمل”.
الفيديو