النص الكامل لمحاضرة السيد مرتضى السندي ليلة الرابع من المحرم ضمن سلسلة محاضرات “يأبى الله لنا”
أعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين
اللهم صل على محمدٍ وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
السلام عليك يا أبا عبدالله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك عليكم مني جميعاً سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
السلام عليكم أيها الأخوة الحضور ورحمة الله وبركاته
الفهم للموت له أثرٌ كبير جداً على سلوك وحركة الإنسان في الحياة، فحينما ننظر إلى الموت على أنه نهاية المطاف والحياة وأن به تُختتم حياتنا وأن لا يوجد شيء بعد هذه الحياة، مواقفنا في هذه الحياة الدنيا تكون من نمط معين، لذلك الأمة التي تخاف وتجزع من الموت والفرد الذي يخاف ويجزع من الموت هي دائماً أمة ذليلة وضعيفة ومنهارة ومتقهقرة وكذلك الأفراد.
هناك موقفين أمام الموت:
- الجزع والخوف من الموت.
- موقف تحدي ومواجهة الموت.
عندما نأتي لأي أمة ولأي فرد تغلغل فيه أسباب الخوف من الموت نجدها أمة ضعيفة ومنهارة وخاوية، أفضل الأمم للطغاة هي الأمم التي تخاف الموت، الطغاة والجبابرة يتمنون أن الأمم التي يحكمونها تخاف من الموت لأن خوف الأمة من الموت يدفعها أن لا تغامر ولا تقاوم ولا تواجه وتكون طيّعة مرنة في أيدي الطغاة، هذه ثقافة الجزع والخوف من الموت، هذه الثقافة لها جذور وخلفيات وأسباب، أحد أهم أسباب الجزع من الموت هو «التعلق بالدنيا»، كلما تعلق وأحب وانغمس وعمّر بالدنيا وكلما بنى الإنسان آماله على الدنيا خاف وجزع من الموت ولكن في المقابل أولئك الذين بنوا آخرتهم ولم يكترثوا كثيراً بدنياهم، لم يهتموا ببهارج الدنيا وإن كانوا يعيشون كبقية الناس إلا أن هذه البهارج لم تأسرهم ولم تأسر قلوبهم، هؤلاء نجد أرواحهم تُحلّق في عالمٍ آخر ولا يعيرون الموت أهمية بل لا يخافون من الموت ويتحدون الموت باقتحام الموت.
نحن أمام مشاهد كثيرة من التعلق بالدنيا وأمام مشاهد كثيرة من عدم العبأ بالموت في ساحة كربلاء.
حينما يُعرض على عمر بن سعد أن يقاتل الإمام الحسين (ع)، عمر بن سعد كان من أشراف القوم ولكن قد أُعطي حكم مدينتين فناداه ابن زياد وعرض عليه بأن يعطيه حكم الري إضافة إلى تلك المدن التي أُعطي ملكها، عمر بن عد متعلقٌ ومتمسكٌ بالدنيا ومحبٌ للدنيا، أراد أن يجمع في قلبه حب الدنيا والنجاة في الآخرة، في المنعطفات المصيرية لا يمكن أن نجمع بين الدنيا وبين الآخرة، علينا أن نختار إما الدنيا أو الآخرة، جاؤوا ليساوموا عمر بن سعد، عمر بن سعد قال: أعفني عن قتال الحسين وسمى له بعض الأشخاص، رد عليه ابن زياد: قلت لك جئت أستشيرك لا استأمرك، أنا جاي أسالك أستشيرك هل تريد أو لا تريد؟
قلب عمر بن سعد مشكلته كانت بأنه متعلقٌ بالدنيا فقال له إما أن تقاتل الحسين أو نسلب منك ملك المدن والبلدات التي أعطيناك إياها قبل عرضنا عليك مُلك الري، هذا الأمر جعل عمر بن سعد أن يقدم الدنيا وحب الدنيا على الآخرة، هذا أحد الأسباب الذي يجعل الإنسان ييبتعد ويخاف من الموت.
في المقابل نجد علي الأكبر (ع) عندما وجد أباه يضع رأسه بين ركبتيه ويسترجع، قال: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، سأله علي الأكبر: ما بك يا أباه؟، قال: أرى القافلة تسير والمنايا تسير ورائي. انظروا إلى القلب الذي لم يتعلق ويتلوث بالدنيا، الذي لم يكن لحساب الموت ولم يعبأ بالموت، قال: أبتاه أولسنا على الحق؟، قال: بلى والذي إليه مرجع العباد، قال: إذاً لا نبالي. هذه ثقافة عدم العبأ بالموت وعدم الخوف من الموت ومقاومة وتحدي الموت بالموت، قال: إذاً لا نبالي أوقعنا على الموت أم على الموت وقعنا.
لا فرق بالنسبه له، إذا كان موقفه موقف صحيح وكان في ذلك تأدية إلى تكليفنا ورسالتنا وقضيتنا ومبادئنا ينبغي أن لا نخاف من الموت، بالعكس هذا فرصة لاقتحام الموت والوصول إلى الهدف وهو القرب من الله سبحانه وتعالى، «إذاً لا نبالي أوقعنا على الموت أم على الموت وقعنا».
في مشهدٍ آخر لهذا الصبي يُقال أن القاسم بن الحسين كان عمره ثلاثة عشر سنة، يعني نحن نستطيع أن نقول مراهق في هذا الزمن، جاء له الإمام الحسين (ع) بعد أن جاء عدة مرات يسترخص الإمام الحسين (ع) ليشارك في المعركة، فكان يردّهُ الإمام الحسين (ع) فيذهب ويعود، يذهب ويعود، بعد ذلك جاء فقال له الإمام الحسين: «كيف ترى الموت؟» انظروا إلى السؤال، دائماً السؤال النظرة إلى الموت، لأن كل الأمة موقفها يتحدد من خلال نظرتها إلى الموت، غالبية الناس تخاف الموت لذلك نحن نجد في مقارعة الظالمين الذين يقارعون ويتحملون ويصمدون ويستمرون ويقاومون هم قلة قليلة في كل الأمم، هم أولئك الذين لا يعبأون بالموت، أما أولئك الذين يخافون ويجزعون من الموت فإنهم تشل مواقفهم، لا يستطيعون أن يتخذوا موقفاً في المواقف والقرارات الصعبة والمصيرية، كل الأمم هكذا، مجتمعاتنا ليست خارجة من هذه السنّة التي جرت على طول التاريخ، عندما تصطدم مع حاجز الموت نجد أن المقبلين على الموت هم قلة قليلة والذين يجزعون من الموت هم كثرة في الأمم، عندما نجد هذا التراجع والذلة والانحطاط في أي أمة، علينا أن نفتش نظرتهم إلى الموت، لذلك الإمام الحسين (ع) من الذين لم يعبأوا بالموت في سبيل المبادئ والقيم، لذلك كان يقول: «إني لا أرى الموت إلا سعادة»، مو بس ما أخاف من الموت، يتحول الموت عندي إلى سعادة، القاسم يقول: كيف ترى الموت؟ قال: «في نصرتك أحلى من العسل». إذاً يتحول هذا الخوف والجزع وتنقلب الصورة.
لذلك من هم الأحرار؟ هم أولئك الذين يمتلكون قرارهم في المواقف الصعبة والمصيرية، الذي يستطبع أن يقول كلمة «لا» في وجه الطاغوت، عندما يكون بين كلمته وموته هذين الحرفين، عندما ينطق كلمة «لا» في وجه الطاغوت قد يكلفه حياته، هؤلاء هم الذين قد يغيرون التاريخ ومواقفه، ليس أولئك الذين يترددون في المواقف الصعبة خوفاً من الموت.
توجد رواية عن الإمام الصادق (ع) تقول: «حب الحياة من الذل». كلما تعلق الإنسان بالحياة كلما أدى به إلى الذل في الحياة وكلما تخلى الإنسان عن عوالق الحياة كلما عاش عزيزاً كريماً في حياته، لذلك نحن في تعاليمنا الإسلامية دائماً هناك حث على ذكر الموت وحب الشهادة والقتل في سبيل الله لأن في حب الشهادة والإقبال على الشهادة والتمرد والتحدي على الموت حرية الإنسان، نحن حينما ننظر إلى الحياة والموت على أن هذه هي نهاية المطاف والموت هو خاتمة هذا المطاف سيصعب علينا أن نتمرد على هذه الحياة ونقتحم الموت ولكن نحن أبناء مدرسة القرآن الذي يؤكد لنا مراراً وتكراراً أن هناك حياة أخرى هي غائبة عن أعيننا، عندما يتحدث القرآن عن الغيب (الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)[1] الإيمان بالغيب هو الإيمان بوجود حياة أخرى وثواب وعقاب بعد هذه الحياة الدنيا، إذا استطاع الإنسان أن يفتح بصرهُ إلى تلك الحياة استطاع أن يقتحم ذلك العالم الغيبي، بعدين نفهم (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ)[2] المشكلة فينا، احنا ما نشعر، المشكلة في فهمنا (بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ)[3] (بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)[4]، عندما ينفتح فهمنا إلى مسألة أن الشهادة واقتحام الموت والتمرد على الموت اوأن لا نعبأ الموت حينذاك نستطيع أن نتخذ القرار في مواجهة الطاغوت والجبابرة والمستكبرين ونتحدى هؤلاء الطواغيت والمجرمين، لذلك حينما نأتي إلى مدرسة كربلاء ونتصفح فهم كربلاء للموت، نأتي لعلي الأكبر الذي لم يعبأ للموت، نأتي للقاسم الذي ينظر إليه على أنه أحلى من العسل، عندما نأتي للإمام الحسين الذي هو معلمٌ في هذه المدرسة عندما قال: «إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما».
علينا كلنا فرد فرد أن نراجع موقفنا من الموت، إذا كنا نرى أنفسنا بأننا نخاف أن نقتحم الموت فلنوطّن أنفسنا على حياة الذل ولكن إذا استطعنا أن نتمرد ونقاوم على الموت وأن نقتحم الموت والغمرات والمخاطر فإننا سوف نعيش عيشة الأحرار والعزة والكرامة والإباء.
نحن في الدعاء نقول: «اللهم أحيينا حياة محمدٍ وآل محمد وأمتنا ممات محمدٍ وآل محمد»، حياة محمد وآل محمد هو حياة العز والكرامة وعدم العبأ بالموت في سبيل الدين والقضية والرسالة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد شهدائنا بواسع رحمته فهم الذين أبصروا الحقيقة وشقُّوا الطريق ولم يعبأوا بالموت بل تسابقوا للموت لينيروا لنا ولبيقة الأجيال ولشعبنا الطريق.
نسأل الله سبحانه وتعالى لهم الرحمة والمغفرة وأن يرزقنا الشهادة في سبيل الله وأن نكون من السائرين والحافظين لرسالة الشهداء وثقافة الشهداء.
والحمدلله رب العالمين وصلى اللهم على محمدٍ وآله الطاهرين.
[1]– البقرة: 1-3
[2]– البقرة: 154
[3]– نفس المصدر
[4]– آل عمران: 169