كلمة الهيئة الثقافية لتيار الوفاء الإسلامي في تأبين شهداء يونيو بسجن جو المركزي

بسم الله الرحمن الرحيم

بداية نوجه التحية إليكم أحبتنا، أهل الصمود، أهل التضحية وأهل الوفاء … وبعد

يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ ﴿۱۳۹﴾ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.

سبب النزول: وردت روايات متعددة في سبب النزول، حيث نزلت الآيتان أثناء أو بعد غزوة أحد تسلية للمؤمنين لما أصابهم ونالهم من القتل والجراح، كما هي يوجد فيها أسباب ونتائج مستخلصة من هذه المعركة التي انكسر فيها المسلمون، ورجعوا خطوة للوراء بعد الانتصار الإلهي لهم في معركة بدر.

حيث أدى الضعف النفسي للرماة الذين ركنوا للدنيا وشهواتها وغنائمها في قبال الصبر ساعة لحلول النصر، لكن عندما يقدم حب الدنيا تكسر رباعية النبي (ص)، يستشهد الحمزة وكبار القادة في الجيش الإسلامي، وتكثر الجراحات في صفوف الجيش الإسلامي، الجراحات الجسدية والجراحات النفسية.

وفي اللحظات النفسية الصعبة والمثقلة التي عاشها المسلمون في تلك الفترة، فوقائع الحياة الصعبة والشديدة ليس لعيش حالة الانكسار والتقهقر إلى الخلف، بل هي وقائع يتخذها الله تعالى ليتعلم المسلمون العض على الجراحات، والصبر على المكاره، كي يشقوا طريقهم للأمام، ولطريق النصر في المستقبل.

وتشير الآية الكريمة إلى عدة نقاط:

النقطة الأولى: التحذير من اليأس والفتور

ما يسقط الأمم في الصراعات الكبيرة والصغيرة، هي انتشار حالة اليأس والفتور في صفوف القادة والجيوش وفي أذهان وقلوب الناس. فعندها لا يحتاج الطرف الآخر لقوة جبارة، بل بأقل التكاليف تسقط الأمم الدول والمدن.

وقد ذكر لنا القرآن قصة عن حالة اليأس والفتور، قال تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}

فهؤلاء قوم النبي موسى (ع) بعدما رأوا ومروا بالتجارب، وعايشوا ذلك في أحلك الظروف وأصعبها، عندما أمرهم الله تعالى بالدخول للأرض المقدسة لم يمتثلوا أوامره، مع أنه بين لهم الخسارة الكبيرة التي سيتعرضون إليها، وأرشدهم لطريقة دخولهم للأرض المقدسة، وأن الغلبة لهم. لكن اليأس وحالة الفتور التي نشبت أظفارها في أذهانهم وقلوبهم منعتهم من الدخول للأرض المقدسة. لهذا عاشوا التيه والضياع أربعين سنة.

فتجاهل أوامر الله تعالى يورث الهزيمة والخسارة، ولكن مع ذلك الله سبحانه وتعالى يريد جعلكم درساً لأنفسكم تستخلصون منها العبرة، فالخسارة في مرحلة ما ليس نهاية العالم، بل عليكم الاستفادة منها لإحكام الخطط والعمل وإطاعة أوامر الله، ومن قصصكم هذه تستفيد الأمم اللاحقة لزيادة وعيها وفهمها للحوادث.

النقطة الثانية: قرح مقابل قرح

القرح بمعنى الجرح، فالعزيمة التي يجب أن يتسلح بها المؤمن ينبغي أن لا تقل عن العزيمة التي يتخذها الأعداء، فالأعداء برغم ما لحقهم في معركة بدر من قتل في القادة والجنود وأسر للجنود وسلب غنائمهم، فلم يجلسوا يندبوا حظهم، بل جهزوا للمعركة القادمة لمقاتلتكم، ولم تصرفهم الدماء عن الخروج للمعركة التي بعدها.

فما تعرضتم له في معركة أحد يجب أن لا يقعدكم، بل يجب الاستفادة من هذه التجربة، ودفع أسباب الفشل، وتعضيد أسباب القوة والمنعة، لا فشل ولا وهن في حياة الإنسان المؤمن.

النقطة الثالثة: الأيام دول

سنة من سنن الله تعالى في الأرض، إذ جعل الأيام دول، الأيام بطبيعتها متغيرة ومتحولة، فتمر على الإنسان حوادث حلوة وحوادث مرة، حوادث الانتصار وحوادث الهزيمة، القوة والضعف، فلا ثبات ولا دوام لشيء منها.

فلا يمكن أن يتصور أحد أن الهزيمة في معركة واحدة دائمة وثابتة، بل هذا الأمر من المتحولات إذا استفاد الإنسان من هذا الحدث، عبر دراسة أسبابه ومقتضياته وموانعه وشرائطه، فأمامكم التاريخ بطوله وعرضه، وأمامكم في الحاضر تجارب حية وطرية تشهد على أن الإنسان إذا أحكم الأمور عبر الدراسة المستفيضة، ووضعها في نصابها ومحلها، وتوكل على الله تعالى حقق نصراً عظيماً يبهت ويبكت منه الأعداء.

النقطة الرابعة: علم الله بالذين آمنوا

الحوادث المؤلمة في حياة الأمم والناس عبارة عن اختبار، يميز الله تعالى بهذا الاختبار نيات وعزائم وإيمان الناس، الإنسان في مرحلة الكلام قد يقول أشياء كثيرة، ولكن عندما تحدث الزلازل والحوادث يتبين الثابت من المتذبذب، والقوي من الضعيف، الطيب من الخبيث، والمؤمن من غير المؤمن.

وعلم الله تعالى ليس المقصود به علم حادث، فالله تعالى قديم لا يعرض عليه الأمور الحادثة تعالى الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً، بل ظهور هذا التميز لكم وتتميم للحجة البالغة من الله تعالى على العباد ليس إلا.

النقطة الخامسة: اتخاذ الشهداء

لكل حدث مؤلم نتائج معينة، ففي معركة أحد خسرتم أرواح في أرض المعركة شهداء، لكن هذه الخسارة أمر طبيعي في حركة الأمم، فالذي يريد أن يحدث تغييراً حقيقياً في الواقع سيدفع أثماناً باهظة في قبال تحقق هذا التغيير. فنعرف من هذا أن الدين الإسلامي لم يصلنا بالراحة، بل عبدت طريقه الدماء والألم والبكاء والفقد واليتم، فما نعيشه ليس بدعاً مما تعيشه الأمم.

فحياة المطاردة والاعتقال والسجن والغربة والاستشهاد كلها أحداث مرة ومؤلمة، كل هذه الأحداث تحمل دلالة كبيرة على أننا أمة حية حركية لا توقفها الخطوب والالآم، فيتخذ الله سبحانه على ذلك شهداء عظماء شاهدين على عظمة الأهداف. وستثمر هذه الدماء يوماً نصراً مؤزراً، هذا وعد الله الذي ضمنه لأولياء والصالحين.

وهؤلاء الشهداء يشهدون على حاضر المسلمين، كيف عمل المسلمون، وكيف أخفق المسلمون، وكيف انتصر المسلمون.

النقطة السادسة: بغض الله للظالمين

من السنن التاريخية الإلهية أن الله سبحانه وتعالى لا يحب الظالمين، فالله تعالى لا ينصر الظالمين ولا يدفع عنهم، بل يكل الظالمين إلى أنفسهم. فإذا تحرك المؤمنون وعلم الله تعالى صدقهم أيدهم بنصره.

فما تعيشونه أيها الأحبة في الله من المحنة هو مصداق من مصاديق هذه الآية الكريمة، جعلنا الله وإياكم ممن ينتصر به لدينه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطبيبين الطاهرين.

الهيئة الثقافية – تيار الوفاء الإسلامي

معتقل سجن جو المركزي – البحرين

الخميس 3 ذو الحجة 1444 هـ

الموافق 22 يونيو/حزيران 2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى