كلمة السيد مرتضى السندي في الذكرى السنوية لاستشهاد الشهيد النمر وعملية سيوف الثأر

النص الكامل لكلمة القيادي في تيار الوفاء الإسلامي، سماحة السيد مرتضى السندي، في الذكرى السنوية لاستشهاد الشهيد النمر وعملية سيوف الثأر مساء الأمس الجمعة (30 ديسمبر/ كانون الأول 2022) الذي أقيم في مركز الإمام الخميني.


بسم الله الرحمن الرحيم

أفضل الصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

قال تعالى في محكم كتابه الكريم:

(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 139 إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ 140 وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ 141 أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ 142 وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) سورة آل عمران

إن الصراع بين المستضعفين والمستكبرين يمر بعدة مراحل، يتعرض فيها المستضعفون إلى غربلة وامتحانات صعبة توصل بعضهم إلى مرحلة اليأس والضعف والوهن، خصوصاً حين يقتل الأبطال والقادة في صف المستضعفين فإن ذلك مدعاة لتسرب الوهن والضعف وانتشار روح الهزيمة في صفوفهم، ويؤدي ذلك إلى فقدان بعضهم لإرادة الاستمرار ومواصلة الطريق.

هذا هو السبب الذي يدفع المستكبرين إلى تركيز ضرباتهم وهجومهم واستهدافهم للقادة والأبطال وذلك لكسر العزيمة وقتل الإرادة لدى المستضعفين.

الله سبحانه وتعالى يذكر المؤمنين بوظيفتهم مهما حصل لهم من جراح وقراح وآلام بأن عليهم وظيفة يجب عليهم مواصلتها، وعدم التخلي عن مسؤوليتهم الدينية والأخلاقية، وأن لا يستسلموا للعدو وضرباته وأن لا يصيبهم الوهن والضعف، قال تعالى:

(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 139 إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ 140 وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ 141 أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ 142 وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) سورة آل عمران

يريد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين أن يتماسكوا وأن لا يدخل فيهم الوهن والضعف ويذكرهم بأن معيار العلو عند الله هو الإيمان، وأن هذه الدنيا الفانية والنصر والغلبة ليست هي المعيار، وإنما تمسك الانسان بدينه وقيمه ورسالته حتى لو كلفه ذلك الراحة والطمأنينة وكلفه ذلك أن يفقد حياته وقادته وأبطاله فإن ذلك لا يغير من حقيقة علو الإيمان شيء، هذه من جهة ومن جهة أخرى فإن هزيمتك في معركة معينة لا يعني أن مصيرك هو الهزائم المتكررة بل لابد من التخطيط الجيد والدقيق والتنفيذ الجيد والدقيق لكي تتغير المعادلات وتكون الغلبة للمؤمنين، وتلك الأيام نداولها بين الناس.

فحين كان هناك تخطيط ممتاز ولكن لم يكن هناك تنفيذ جيد حصلت هزيمة المسلمين في معركة أحد، وحين كان هناك تخطيط ممتاز ودقيق يتحقق النصر للمؤمنين حتى وإن كانوا قلة قليلة، ينزل الله النصر عليهم ويعطيهم الغلبة، لذلك يداول الله النصر بين المؤمنين والكافرين.

إن اتخاذ الله الشهداء من بين المؤمنين هو خطوة في اتجاه تمحيص المؤمنين بحيث يقوي عودهم من خلال التجربة القاسية التي يمرون بها بحيث يستنفرون كل قواهم في الصراع ولا يتهاونوا بالخصم والعدو، بل عليهم أن يخططوا جيداً وينفذوا بإتقان ولا يتساهلوا في ذلك أبداً.

(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)

حين انتشرت الإشاعة بأن محمداً (ص) قد قتل في معركة أحد انهارت قوى ومعنويات المسلمين فأنزل الله هذه الآية ليذكرهم بأن في حال قتل القادة فإن ذلك ليست مدعاة للانهزام والضعف والوهن، بل لابد من مواصلة المسيرة، والسعي لتحقيق الأهداف السماوية بالثبات على عليها وعدم الاستسلام وعدم الشعور بالوهن والضعف حتى ولو قُتل القائد الأعظم النبي الأكرم (ص).

نقف اليوم مع الذكرى السابعة لجريمة كبرى ارتكبت في شبه الجزيرة العربية مهبط الوحي وبلاد الحرمين حيث أقدمت سلطات آل سعود على إعدام آية الله المجاهد الشيخ نمر باقر النمر الذي يمثل قائداً شجاعاً وبصيراً ومضحياً ومتقدماً للصفوف الاولى في الصراع مع طاغية عصره، ناطقا بكلمة الحق في وجه سلطان جائر، فكانت ضريبة ذلك أن يدفع ثمنا باهضا وهو ان يقدِّم حياته من أجل ايقاظ الامة والدفاع عن مظلوميها، لقد نهض الشيخ النمر وحيداً..نعم وحيداً، متكلا على الله مطمئناً واثقاً بوعده، مسلماً لأمره ،لم تأخذه في الله لومة لائم، ولم يستوحش طريق الحق لقلة سالكيه فكان مثالا حياً للقيم السماوية والارشادات الالهية التي تمثل في آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي الاكرم (ص) وأهل بيته الكرام.

(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) الأحزاب 39

(أفضلُ الجهادِ كلمةُ عدلٍ عند سلطان جائرٍ)

(لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه)

وسمع نداء الامام الحسين عليه السلام فلباه: (من كان باذلا فينا مهجته ، وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا…)

فقد كان ممن يبلغون رسالات الله، ويخشى الله، ولا يخشى أحدا إلا الله، وكان الصادح بكلمة الحق في وجه سلطان جائر، وممن لا يستوحش طريق الحق لقلة سالكيه، وقد بذل في سبيل الله مهجته، وموطناً على لقاء الله نفسه.. وهكذا رحل ..

نعم رحل الشيخ المجاهد شهيداً وشاهداً مجاهداً صابراً محتسباً، لم يولي الأعداء دبره ثابتاً على موقفه حتى آخر لحظة من حياته..

كان ذلك كله ثمن دفاعه عن أهله وأخوته في المنطقة الشرقية والبحرين، حيث يعطينا درساً بوحدة القضية والمصير، والدم والضمير.. كان ذلك درساً لنا ولأهلنا في البحرين والمنطقة الشرقية من الإحساء والقطيف ..

حينها كان رضا الغسرة مكبلا بقيوده في زنزانته يتلوى من ألم الفقد، إلا أنه لم يهن ولم يضعف ولم يحزن متمرساً بإيمانه وثقته بربه متمثلاً بقوله تعالى:

(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

فضلّ يخطط بشكل دقيق ويدقق في التفاصيل. كيف يمكنه أن يأخذ بثأر الشيخ المجاهد نمر باقر النمر ليحقق:

(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)

فتلى كلماته من داخل زنزانته: (بإيمان المتوكلين وبصدور مليئة بالثأر نقدم على عملية سيوف الثأر، ثأراً لشهداء القطيف والبحرين وعلى رأسهم آية الله المجاهد الشيخ نمر باقر النمر).

وحصلت عملية سيوف الثأر التي ألقت الحجة علينا جميعاً بأن ما كان يعتقده السياسيون والقادة بأنه مستحيلاً ها هو يتحقق أمام مرأى العالم أجمع، أصرَّ رضا على تصوير العملية ليس من أجل الذكرى بل ليقول لنا: أن ما تعتقدونه مستحيلاً فإنه سهل يسير إذا تم التخطيط له بشكل دقيق ونفذ بشكل دقيق ايضاً.

بطل العملية من داخل السجن رضا الغسرة، ومن خارج السجن علي العرب، لتكتمل فصول الآية الكريمة :

(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ)

(وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ 141 أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).

الشيء الملفت للانتباه هو أن الشهيد النمر -من أهل المنطقة الشرقية- قد قُتل لأنه دافع عن أهله في البحرين، والشهيد رضا الغسرة -من أهل البحرين- ويهدي العملية لشهداء القطيف أولاً وشهداء البحرين ثانياً وعلى رأسهم آية الله نمر باقر النمر.

والبطل الثالث الشهيد على العرب من أب بحريني وأم قطيفية ينفذ عملية “سيوف الثأر” من خارج السجن.

وكأن هناك حكاية بين السطور لا يفهما إلا أولئك الذين اتصلوا بالسماء وتجردوا عن حدود الأرض التي صنعها الطغاة.

في ذكرى عملية سيوف الثأر نجدد تعهدنا لأهلنا في البحرين والمنطقة الشرقية ببذل كل الجهد من أجل خلاص المعتقلين وفك أسرهم، والتصدي للظلم وعدم الرضوخ له، فاليوم هناك 1376 معتقلاً في البحرين ينتظرون منا النصرة والمؤازرة ومواصلة الطريق.

وهناك في المنطقة الشرقية أكثر من 100 شخص ينتظرون تنفيذ الاعدام في أي لحظة والأخبار التي تنتشر في وسائل الاعلام تشير الى قرب ارتكاب الجريمة، وهذا يمثل جرس إنذار للجميع من أجل ان يتحمل كل واحد منا مسؤوليته في ايقاف هذه الجريمة والظلم الواقع على أهلنا في المنطقة الشرقية والبحرين.

ولا يفوتني ان اشيد بأهلنا في البحرين على موقفهم المشرف بالتصدي لحفل الحانوكا الذي كان مزمع إقامته في شوارع عاصمة البحرين المنامة وايصال الصوت الحقيقي الذي يمثل شعب البحرين، فالبحرين لن تقبل بالصهاينة وستتصدى لوجودهم بكل السبل والطرق المتاحة.

الدرس الذي نتعلمه هو المسيرة التي تقدم قادتها شهداء هي مسيرة صادقة، والمسيرة الصادقة منتصرة بإذن الله..(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).

والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ورحم الله من قرأ الفاتحة وأهدى ثوابها للشهداء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى