كلمة السيد مرتضى السندي تحت عنوان “الأمة الحية والأمة الميتة”

النص الكامل لكلمة القيادي في تيار الوفاء الإسلامي، سماحة السيد مرتضى السندي، في مركز الإمام الخميني ليلة الثلاثاء (12 ديسمبر/ تشرين الأول 2022).


أعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين واللعن المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

السلام عليكم أيها الأخوة الأعزاء ورحمة الله وبركاته

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

الصراع بين الحق والباطل قائم، والصراع بين أهل الباطل والحق قائمٌ منذ بدء الخليقة إلى يوم تقوم الساعة، والأمم موقفها من هذا الصراع موقفين: موقف التحدي والمقاومة، وموقف الاستسلام والخضوع والخنوع.

وعلى هذا التقسيم قُسّم أن هناك أمم حية وهناك أمم ميتة.

الأمم الحية هي التي تدافع عن نفسها حينما يقع عليها الظلم، حينما يقع عليها العدو ويتجاوز عليها وتنتهك حقوقها وكرامتها وعزتها فإنها تقاوم هذا الظلم، لذلك يطلق عليه أمة حية.

أما الميتة هي الأمم التي تتلقى الظلم وتقبل الظلم وترضخ للظلم وتخضع للظلم وتكون طيّعة بين يدي الظالمين.

هذا التشبيه هو تشبيهٌ لجسد الإنسان، الإنسان الحي بفطرته عندما يقع عليه العدوان يدافع عن نفسه ويحاول أن يدفع الأذى الذي يقع عليه، حيث يدافع بفطرته عن نفسه ويحميها ويطرد الأذى والسوء عن نفسه.

وفي المقابل الجسد الذي نزعت منه الروح حينما يقع عليه الأذى والظلم لا يستطيع أن يدافع عن نفسه يكون كالخشبة بين يدي الطرف الآخر، نحن نشبّه الميت بين مغسله كالخشبة يقلبها يميناً وشمالاً، إذا وقع على الجسد الميت أذى فإنه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، فهو ساكن ويخضع حيث يتحكم به الطرف المقابل الذي يغسله الذي يقلبه كيفما شاء، فإذا وقع عليه ظلم هو لا يأخذ ردة فعل لذلك قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ).

هناك مصالح متعارضة بين أهل الحق وبين أهل الباطل، بين الذين يؤمنون بقيم السماء وبين الذين يريدون أن يسخروا الناس لمصالحهم الذاتية، هؤلاء المستضعفون في قبال المستكبرين.

الأمم قسمت بين الحياة والممات بهذا المعيار: معيار المقاومة ومعيار الخضوع، معيار المواجهة والتدافع ومعيار الاستسلام، فالأمة التي تقاوم حتى ولو كانت ذو عدد قليل يطلق عليه أمة حية لأنها ترفض الأذى والظلم أن يقع عليها، والأمة الميتة هي التي لا تبدي ردة فعل تجاه كل ما يقع عليها من أذى وظلم حنيف، تستسلم ويتحكم بها الطواغيت والمستكبرون والظالمون ويفعلون بها ما يشاؤون دون أن تصدر منهم ردة فعل، هذه ردة الفعل هي معيار الحياة والممات.

لذلك في خضم هذا الصراع يبرز مفهوم الشهادة، مفهوم الشهادة يخرج ويولد من رحم الصراع بين الحق والباطل.

الأمة التي تقاوم وتتدافع مع الظالمين تقدم شهداء في هذا الطريق، الله سبحانه وتعالى يشبه هذا المفهوم الذي ابتدعه وأوجده الإسلام وهو مفهوم الشهادة يشبهه بحالة بيع بين الله سبحانه وتعالى وبين العبد، بيع وشراء صفقة (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الله سبحانه وتعالى هو الذي وهبنا هذه الحياة والأنفس وهو مالكها إنا لله وإنا إليه راجعون، نحن ملك لله سبحانه وتعالى، والأموال هي ملك لله سبحانه وتعالى، يعني الله سبحانه وتعالى وهبنا أنفسنا وأموالنا ومع ذلك يجري معنا هذه الصفقة، حين استرداد المال والأنفس الله سبحانه وتعالى يكرمنا، متى؟ إذا كانت المعاملة بالقتال في سبيل الله، (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا) آخر شيء يقول (وذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يعني الفوز بالشهادة هو الفوز العظيم الذي يناله العبد من خلال قتاله في سبيل الله.

لذلك حينما نريد أن نرى هذه الأمة حية أو أمة ميتة، كيف يمكن أن نقيس هذه الأمة حية أو ميتة؟ نرى هل هذه أمة تخرج الشهداء أو أمة عقيمة من الشهداء؟ الأمة التي تولد وتنتج وتقدم الشهداء في سبيل قضيتها ورسالتها وعقيدتها ومبادئها وكرامتها وعزتها هي أمة حية، الأمة التي تفخر بمفهوم الشهادة هي أمة حية، الأمة التي تحيي ذكرى شهدائها هي أمة حية.

إذاً الشهادة هي ميزان الحياة، والأمة التي تبخل بالشهداء وعقيمة عن إعطاء الشهداء تكون كجسد الميت الذي يقلبه يميناً وشمالاً ويتحكم به حيث يشاء وكيفما شاء وهي أمة ميتة، ميتة لا تدافع عن نفسها وقيمها ومبادئها ورسالتها، أمة مسحوقة مسلوبة الإرادة.

شهداؤنا روح الأمة، شعارنا في هذا العام لإحياء ذكرى عيد الشهداء، الشهادة هي الروح التي تضخ بالحياة، الأمة التي يكون فيها الشهداء هي كالروح التي تضخ الدماء في جسد الإنسان ليتحرك ليقاوم ليدافع ليسقط الظلم والظالمين، لذلك مفهوم الشهادة ليس مفهوماً هامشياً في الإسلام بل هو مفهوم في عصب المفاهيم الإسلامية، مفهوم رئيسي في الإسلام.

الأمة التي تقدم الشهداء تقدم قيمها على مصالحها الذاتية، الأمة التي تبخل بالشهداء تقدم مصالحها الذاتية على قيمها، الإنسان كلما تجرد وعلا في سموه تذوب نفسه في قبال رسالته ودينه وقيمه، تضمحل نفسه ومصالحه أمام رسالة الله سبحانه وتعالى.

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) عندما تتم المعاملة مع الله سبحانه وتعالى فلا يبقى لنفسه قيمة في سبيل الله، ولا يبقى لما يملك من مال، عقار، أراضي، بنايات، من تجارة لا يبقى كل ما يجذب الإنسان للأرض ومن تمسك بالحياة يلقيه خلف ظهره ويقدم نفسه لله، نحن كبشر خضعنا للدنيا، ويصعب علينا أن نقدم مصلحة الدين والمبادئ والقيم على مصالح انفسنا، الله سبحانه وتعالى وفي حث لكي نتكامل ونرتفع ونتعالى يقول (ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يقول الفوز العظيم ليس بالتمسك بالدنيا كما تتصورون، نحن واهمين نظن أن الفوز هو بالبقاء في هذه الحياة الدنيا، بالتشبث بهذه الدنيا، الله سبحانه وتعالى يصحح هذا المفهوم، يقول الفوز العظيم هو بأن تتخلى عن تخندقك في الأنا وأن تذهب وتحلّق في الله سبحانه وتعالى، تقدم كل ما لديك في سبيل الله سبحانه وتعالى.

قرأت لأحد المفسرين يقول: أنفسهم ليس فقط أن يقدم نفسه وروحه، قال عندما قال اشترى من المؤمنين انفسهم يعني يكون على استعداد أن يقدم نفسه ويتخلى عن أهله وعياله لأن أحد الأمور التي تجبن الإنسان وتجعل الإنسان يتشبث بالدنيا هو الأهل والعيال، حبه لأهله ولعياله، بعد ذلك قال وأموالهم.

هذه أمور تجذب الإنسان للأرض، كل ما تكامل الإنسان قل انجذابه لهذه الأمور وحلّق في سبيل الله، صغرت الأنا في نفسه وعظمت في نفسه حب الله سبحانه وتعالى وحب الدين وقيام الدين والرسالة.

لذلك الشهداء هم أولئك الذين استطاعوا أن يخرجوا من خندق الأنا ليخرجوا في رحاب الله سبحانه وتعالى، الله سبحانه وتعالى حينما يجد الصدق من هؤلاء ينتخبهم ويصطفيهم شهداء، كل هذه الأمور هي أمور عقائدية أمور مفهومية، لذلك أمير المؤمنين سلام الله عليه في حديثه في خطبة المتقين إلى همام، يقول في وصفه للمتقين: «لَوْلاَ الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ.
عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ».

وصلوا إلى مرحلة من الوعي، هذه التي يعبر عنها الله سبحانه وتعالى في بداية القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم (الم(1)  ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) الذين يؤمنون بالغيب الجنة والنار بالنسبة لنا غيب، الغيب هو ما يغيب عن حواسنا، المتقين حينما يصلوا إلى مرحلة من مستويات اليقين، يكونون هم والجنة كمن رآها وهم فيها منعمون، يعني كأنهم يرون الجنة أمام أعينهم بسبب عقيدتهم الراسخة وتصديقهم بوعد الله سبحانه وتعالى.

الله سبحانه وتعالى يقول (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

نهيب يا شعبنا البحراني العزيز أن يحيي ذكرى عيد الشهداء وأن يحيي مفاهيم الشهادة لأننا بالشهداء نحيا، وتخلينا عن الشهادة والشهداء وعن روح التضحية والفداء نموت ويتحكم بنا الظالمون والطغاة والمجرمون.

علينا أن نحيي مفهوم الشهادة وأن نحيي ذكرى الشهداء، نحن اليوم في الذكرى الثامنة والعشرين لسقوط الشهيدين العزيزين الشهيد هاني خميس وهاني الوسطي الذين استشهدا في السابع عشر من ديسمبر عام 1994، في حقيقة الأمر أن الشهداء لا يسقطون بل يعرجون للسماء، مجازاً نقول أنهم يسقطون لأننا ماديين نقول انهم يسقطون، نراهم يهون على الأرض ولكن حقيقة الأمر هم يعرجون للسماء، بعروجهم للسماء تحيا الأمم، بإراقة الدم الزاكي على الأرض تخضر الأرض وتينع ثمارها ثماراً يانعةً، تينع قيم ورسالة ومبادئ وعزة وكرامة وشموخ وحرية وإباء وعدالة، هذه هي قيم السماء.

اسأل الله سبحانه وتعالى الرحمة للشهداء والخلاص للأسرى وأن يرد الله سبحانه وتعالى المغتربين إلى أوطانهم سالمين غانمين والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى